في ديموقراطيات الدول الاخرى يرسم المختصون في الاحزاب الكبرى السياسات الاقتصادية والتعليمية والصحية للبلاد، وتعكس بعد ذلك تصريحات النواب تلك السياسات المرسومة لهم، وفي ديموقراطية «حارة كل من ايدو الو» التي نعيشها اصبح كل نائب وحتى كل مرشح، حتى لو لم يحمل الا الشهادة الابتدائية ولم يقرأ قط ورقة في حياته، مفتيا واخصائيا كبيرا في كل الأمور.
فيفقعنا كل صباح ذلك النائب السابق أو المرشح الحالي بتصريح اقتصادي خطير يحار في تفسيره ادم سميث وكارل ماركس معا، وفي الظهيرة يتململ العالم اينشتاين صاحب النظرية النسبية في قبره مما يسمعه منه من تقييم لتقنية المفاعلات النووية في المنطقة، أما في المساء والسهرة فيتفرغ المحروس حفظه الله لتصريحات عميقة حول التنمية والبيئة والبنى الاساسية وكيفية معالجة اشكالية ثقب الاوزون وأي من الخيوط انفع لرقعه.
وفي الدول المتقدمة تصبح قصص نجاح الشركات الكبرى ومدرائها أمرا يقتدى به ولا يفرح احد قط بفشل أو اخفاق هذه الشركة أو تلك، وتصنف عادة بعض الشركات الرئيسية بـ «انها اكبر من ان يسمح لها بالفشل أو السقوط»، اما في بلد الحقد والحسد فلا ينظر قط بإعجاب لكبار الاقتصاديين والمنجزين في كافة المجالات، بل نرى الحبور والسرور لتعثر شركات كبرى مثل جلوبل والدار وغيرهما مما يعمل لديها آلاف الكويتيين والوافدين، ولا حول ولا قوة الا بالله.
يدعي البعض ان الشركات المساهمة العامة لا تقدم شيئا للاقتصاد المحلي بعكس الشركات الاجنبية التي تدفع الضرائب، والحقيقة كالعادة هي أبعد ما يكون عن ذلك القول، فشركاتنا المساهمة التي يملكها للعلم مئات آلاف المواطنين الكويتيين، لا رؤساء مجالس اداراتها، تدفع 3 ضرائب لا واحدة للبلد: اولاها ضريبة مؤسسة التقدم العلمي، وثانيتها ضريبة الزكاة للفقراء والمحتاجين، والضريبة الثالثة هي تحملها لكافة تكاليف ومصاريف مشروع دعم العمالة الوطنية، وكفى افتراء على تلك الشركات.
وقد تمخضت قمة العشرين عن تخصيص مبالغ جاوزت المليار مليار دولار جديدة (تريليونا) لضخها في الاسواق المالية في محاولة اخرى لوقف كرة الثلج المتدحرجة ولإعادة الثقة بالاقتصاد المحلي والعالمي.
والواجب علينا بعد اقرار مشروع الاستقرار المالي ان يترك لمحافظ البنك المركزي والفريق الاقتصادي المختص مرونة الحركة، فلا احد يعلم بشكل مسبق حجم المبالغ اللازمة لايقاف التدهور ولنضع جميعا ثقتنا بكبار المختصين كحال الدول الاخرى، لا بيد من لا يعون تبعات مزايداتهم الانتخابية على أمن البلد والتي ستجعل ثمن وصولهم للكراسي الخضراء الاغلى في العالم كونه سينتج عنه تدمير للوطن.
آخر محطة:
بدأنا نصدق بالفعل ان بعض المزايدات التي سبق ان ساهمت في وقف عملية التنمية في البلد والتي تروم هذه الايام وقف مشروع الاستقرار الاقتصادي بهدف تدمير البلد، ليست مصادفة على الاطلاق، بل هي مواقف مدفوعة الثمن من قبل بعض الجهات المستفيدة من خراب الكويت وتخلفها. حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له، لا احد يصدق في هذه الاوقات العصيبة ان يحقق البعض نسب أرباح تبلغ عشرات الآلاف في المائـة (!)، والسر سهل وبسيط ويمكن لجميع الشركات الاخرى ان تقتدي به في غياب الرقابة، وملخصه استدخال اصول يملكها اعضاء مجلس ادارة الشركة المعنية بأثمان مضاعفة آلاف المرات، فما يساوي مليونا يسجل سعره بمئات الملايين، وهكذا، ولا عزاء للمصداقية في البلد.