«نطق» هو الخطاب التاريخي الذي كتبه في شهر كامل وألقاه في ستة ايام «15 ـ 20 اكتوبر 1927» الغازي مصطفى كمال اتاتورك الملقب بـ «ذئب الاناضول» و«بطل غاليبولي» و«بطل الدردنيل» و«بطل السخاريا» و«بطل معارك طباق قلعة» و«محرر القفقاس» وهي المعارك العظمى التي هزم خلالها اتاتورك جيوش الانجليز والفرنسيين والايطاليين واليونانيين مجتمعين ومتفرقين، واخرجهم من بلاده ومنع تحقيق حلم الرئيس اليوناني فنريلوس باستقطاع الاناضول وارجاع اسطنبول لحظيرة الكنيسة الشرقية واعادة تسميتها بـ «القسطنطينية».
وضمن الخطاب يروي اتاتورك سبب الغائه للخلافة في 3/3/1924 حيث يذكر ان السلطان وحيد الدين الملقب بمحمد السادس قد سلم البلاد راضيا للقوى الاجنبية خوفا منه على عرشه واصبح منضما لجمعية محبي الانجليز التي كانت تطالب بحماية انجليزية دائمة للبلاد مقابل الجمعية الاخرى التي تطالب بالانتداب الاميركي، ويستشهد بخروج السلطان وحيد الدين بحماية البوارج الانجليزية لمستقره في سان ريمو بعد الثورة عليه.
ويبدي اتاتورك رفضه لما نقله له مكتوبا الشيخ راسخ أفندي من خطابات لكبار علماء مسلمي الهند والبلاد العربية من دعوته لابقاء الخلافة وتعيينه ـ أي اتاتورك ـ خليفة للمسلمين، ويبرر سبب الرفض بان من كتبوا اليه هم في النهاية رعايا دول اخرى لها ملوك وحكومات فكيف يدينون بالولاء له لا لحكامهم وبلدانهم؟! ويضيف: ماذا لو قبلت بتلك الفكرة وضحيت بأرواح ملايين الاتراك لتحرير تلك البلدان من المحتلين ثم قررت شعوبها بعد تلك التضحيات ان ينفصلوا عن دولة الخلافة فهل سنحارب مرة اخرى لمنعها بالقوة؟!
ويقول ردا على طلب جنرالات الثورة البلشفية منه المساعدة انه ارسل لهم ردا فحواه أنه لا يعتقد ان هناك دولا ظالمة ودولا مظلومة ودولا مستعمرة ودولا تستعمر بل هناك فقط شعوب ضعيفة تقبل الذل والخنوع وشعوب قوية ترفضهما واننا كأتراك من الشعوب التي لا تقبل الظلم وهذه هي رسالتنا لاخواننا في الاسلام والانسانية كي يقتدوا بما فعلناه بدلا من طلب مساعدتنا لتحرير انفسهم فنحن دعاة سلم لا حرب في الداخل والخارج ما لم نُظلَم.
وبعكس ما يعتقد لم تكن معاهدة سايكس ـ بيكو التي عقدت سرا في عام 1916 محصورة في اقتسام الجزء العربي من الدولة العثمانية بين بلدين هما انجلترا وفرنسا بل كان هناك طرف ثالث لها هو قيصر روسيا الذي تم وعده باستقطاع وضم اراضي الاناضول واسطنبول له وقد فضح «تروتسكي» تلك الوثائق بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917 وحلت اليونان محل روسيا في تلك الاطماع.
آخر محطة:
1 – هزت انتصارات الغازي مصطفى كمال وجدان العرب والمسلمين كافة فانهالت برقيات التهنئة والتمجيد على مكتبه من ايران وافغانستان والهند ومصر والعراق وليبيا وامارة شرق الاردن وسورية والحجاز ودول شمال افريقيا ومن ضمنها قصيدة امير الشعراء احمد شوقي الرائعة التي مطلعها:
الله اكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب
2 – يذكر مصطفى كمال ضمن خطاب «نطق» انه قرر ان يتضمن الدستور التركي الذي احال الحكم الفردي للسلطان الى حكم مجلس منتخب من الشعب وجود مادة ثانية تنص على ان دين الدولة هو الاسلام مع احترام المعتقدات الاخرى.