بعد ان كانت ديموقراطية الآباء المؤسسين القدوة والنبراس في الانجاز والحكمة والتعقل لشعوب العالم ودول الاقليم، استطاع الأبناء المتخندقون وغير المجددين ان يحولوها لـ «فزاعة» لا يحب احد الاقتراب منها، ان للديموقراطية الكويتية بعد نصف قرن من الممارسة امراضاً عديدة تحتاج لتسليط الضوء عليها لعلاجها وتصحيح مسارها، ومن تلك العلل:
اننا الديموقراطية الوحيدة في التاريخ التي جعلت دستورها بمنزلة كتاب منزه لا يجوز مسه او تعديل حرف من حروفه، وهو ما يتعارض مع نصوص الدستور ورغبات مؤسسيه. كما اننا الديموقراطية الوحيدة في الدنيا التي اعطت العصمة المطلقة للنواب فغلت الايدي عن محاسبتهم حتى باتوا اقرب للملائكة التي تمشي على الارض. وامتدت العصمة، ولله الحمد والمنة، من بيت الشعب الى باقي الشعب ولقيادات وزاراته ومؤسساته وشركاته العامة والخاصة ولسلطاته الثالثة والرابعة فأضحينا بلدا لا يخطئ فيه احد قط. واذا كانت ديموقراطيات الآخرين هي الدافع والمدافع الاول عن الحريات العامة فقد انتهت ديموقراطيتنا الكويتية الغاضبة بأن أصبحت القامع والمقيد الاول لحرية القول والفعل والقراءة و..للفرح والمرح بكل انواعه. كما تشتهر العملية الديموقراطية بشكل عام بتشجيع عمليات التنمية، اما ديموقراطيتنا فهي المعطل الاول لها. ويعرف عن رجال الديموقراطية وممثلي الشعوب دفاعهم الشرس عن حرية الاموال العامة، اما لدينا فهم المتجاوز الاول على الاموال العامة عبر العطايا والمنح التي توزع يمينا وشمالا دون حساب لأجل إعادة الانتخاب. ومن اسس الديموقراطية المعروفة المساواة بين الناس، اما ديموقراطيتنا العتيدة فهي المضطهد والمميز الاول بين البشر طبقا لاعراقهم ودياناتهم ومذاهبهم، ويكفي للدلالة تشريع رفض تجنيس غير المسلم مهما انطبقت عليه شروط استحقاق الجنسية. واذا كانت الديموقراطية هي تعزيز المواطنة فقد انتهت ديموقراطيتنا ومنهاجية انتخاباتنا بتعزيز الولاءات البديلة واصبح الوطن ومصالحه في آخر سلم تلك الديموقراطية الفريدة. وتحاسب ديموقراطيات الآخرين عمليات الاثراء غير المشروع بينما اصبحت ديموقراطيتنا هي الباب الاوسع لمثل ذلك الاثراء في غياب قانون من اين لك هذا الذي يسمع به الجميع.. ولا يراه احد. وخلق بعض نوابنا ثقافة ديموقراطية جديدة شعارها «كلبونا جماعة»، وفحواها الا يحاسب النائب الوزير في كل الاوقات مهما نهب وخرب ودمر كونه من «الجماعة». الاستجوابات في ديموقراطيات العالم اجمع هي وسيلة عاقلة وهادئة لحفظ الاموال العامة، الاستجوابات لدينا وسيلة صاخبة مسرحية ملتوية لتوزيع المكاسب وللتفريط في الاموال العامة. لديهم يتم الاستجواب على القضية، ولدينا يتم الاستجواب على الهوية، لديهم يستجوب الوزير المتجاوز وغير المجد، ولدينا يستجوب الوزير المجتهد وصاحب القرار. 13ـ في ديموقراطياتهم يرفع شعار «احفظ القرش الابيض لليوم الاسود» ولدينا يرفع الشعار المدمر «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». تصدر التشريعات لديهم للحفاظ على المؤسسات العامة، وتصدر التشريعات لدينا لتدمير المؤسسات العامة كالتأمينات و«الكويتية» والنفط. ديموقراطيتهم تحافظ على كرامة النائب والناخب عبر الالتزام بالقوانين وديموقراطيتنا هي السافك الاول للكرامات وماء الوجه عبر واسطات تجاوز القانون .. و«بس مليت».