عندما اقترب سعر برميل النفط من 150 دولارا، تصارع الدكاترة و«العباقرة» الكويتيون من أهل الاختصاص الاقتصادي والنفطي بالقول ان سعر النفط لن يهبط قط عن 100 دولار للبرميل نظرا لتزايد الطلب عليه من الهند والصين!
وقد كتبت ونشرت آنذاك ان اسعار النفط ستنخفض مع اقتراب وصول الديموقراطيين للحكم لـ 50 دولارا للبرميل، وقلت انها ستنخفض اكثر من ذلك بكثير مع وصولهم المؤكد، ودللت على خطأ مقولة الخبراء عبر التذكير بخطأ الخبير احمد زكي اليماني الفادح عام 2000 عندما تنبأ بأن اسعار البترول للعشرة اعوام القادمة لن تزيد عن 13 دولارا (!)، كما ذكرت بأن عمليتي العرض والطلب لا تحددان سعر سلعة استراتيجية كالنفط ضاربا المثل بما حدث في الثمانينيات عندما انخفض سعر النفط من 40 دولارا عند بدء الحرب العراقية ـ الايرانية الى 6 دولارات في منتصفها رغم توقف صادرات النفط العراقية والايرانية وحتى الكويتية والسعودية بسبب حرب الناقلات، وكان سبب الانخفاض آنذاك سياسيا وليس اقتصاديا وبقصد ارغام ايران على ايقاف الحرب والامتثال لقرارات الامم المتحدة.
ويحدث هذه الايام ما قلناه لا ما قاله عباقرة النفط والاقتصاد ممن تنبأ بعضهم بوصول سعر البرميل الى 300 وحتى 500 دولار (يا سلام)، ونقول هذه المرة ان اسعار النفط ستبقى منخفضة مع تذبذبات صغيرة هنا وهناك للثماني سنوات المقبلة، وتتسابق خلالها دول الانتاج على اختراق حصصها المقررة، واثناء الثماني سنوات العجاف تلك او بعدها سيتكفل مبلغ الـ 150 مليار دولار الذي خصصه الرئيس المحبوب اوباما بخلق بدائل عن النفط مما سيحوله لسلعة غير استراتيجية.
وقد ذكرت في مقال سابق ان مشروع «الطاقة المتجددة النظيفة» الذي تتبناه دول الاتحاد الاوروبي سيستغني عن البترول كوسيلة للطاقة ويجعل عمله محددا بـ «التصنيع» منه فقط، وهو امر ظاهره رحمة وباطنه عذاب، فمنتجات المشتقات النفطية التي تصنع في الكويت والخليج لا تلاقي قبولا في الاسواق العالمية مما يعني ان النفط سيصبح كباقي المواد الخام الاولية الموجودة في الدول الافريقية واللاتينية الفقيرة والتي تصدر بأرخص الاسعار للدول المتقدمة كي يعاد تصنيعها وتصديرها وبيعها لدول العالم بأبهظ الاثمان.
ومن الامور التي سنبكي دما عليها بخلنا وشحنا الشديد – بسبب الضغوط السياسية للسلطة التشريعية – على القطاع الخاص الكويتي بالاراضي العامة كي يعمرها بحجة ان التفريط في الارض كالتفريط في العرض، مما جعل المليارات ترحل لتعمير الدول الاخرى القريبة والبعيدة وتترك صحارينا القاحلة تبقى دون انماء، وهو ما سيحيل تلك الاتربة الى عالة حقيقية على اجيالنا المستقبلية، حيث لن يتوافر آنذاك المال العام او الخاص لتنميتها وخلق فرص عمل من خلالها.
والخلاصة، ان المستقبل كما نراه مظلم جدا، وبدلا من محاولة تغيير ذلك الواقع الكارثي القادم سريعا لنا بالتفرغ التام لعمليات الانماء والتصنيع والانتاج الزراعي والاقتصادي والخدماتي الحقيقي وفتح البلد للمستثمرين والسائحين الاجانب، اصبحنا ننشغل بالسرقات الكبرى في القطاعين العام والخاص والمشاحنات السياسية التي لا تنتهي، وستمحو كتب التاريخ اسم بيزنطة واهلها من سجلها وستضع بأحرف من نور اسم الكويت والعباقرة من اهل الاختصاص فيها بدلا منهم.
آخر محطة:
العاقل والحكيم ـ إن وجد ـ هو من يبدأ بشد الاحزمة منذ اليوم ووقف الاستهلاك المبالغ فيه، وقد يحتاج البعض لاستثمار مدخراته في دول الاقتصاد الحقيقي لا الورقي ـ كحال بلدنا ـ لعل وعسى يكون هناك بصيص امل له ضمن ذلك المستقبل الكحلي اللون.