يعتقد البعض مخطئا ان الديموقراطية هي الدستور وانتخابات وجلسات تعقد تحت قبة البرلمانات، والحقيقة هي ابعد ما تكون عن ذلك التصور، فعراق صدام حسين كان يملك كل تلك المقومات ومع ذلك كان العراق يعيش آنذاك اقسى واشد انواع الديكتاتورية، وعليه، علينا ان نؤمن بأنه لا علاقة للديموقراطية الحقيقية بثلاثي الدستور والبرلمان والانتخابات.
ان الفارق الحقيقي بل ربما الوحيد بين الديموقراطية والديكتاتورية هو ان الديموقراطية تقوم على مبدأ الحوار والبرغماتية والرأي والرأي الآخر كوسيلة وحيدة لحل اشكالات المجتمعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم تقل الازمات ويتقلص الغضب ويكثر الانتاج وتتسارع عمليات البناء والتنمية، ولا يوجد، للعلم، في المجتمعات الديموقراطية مجال لرفض الحوار او التعصب للرأي الشخصي او سيادة مقولة لا ترون الا ما ارى.
أما ضمن مجتمعات الديكتاتوريات المعلنة او «المستترة» كحال مجتمعنا الذي مازال يقبع في سنة اولى روضة ديموقراطية رغم مرور 50 عاما على بدء العام الدراسي الديموقراطي، فيسود عند الافراد الغضب وعدم التسامح والاخذ بالرأي الواحد الذي لا يقبل النقاش او الحوار او التشاور، فالحق كل الحق هو ما يقوله طرف، والباطل كل الباطل هو ما يقوله الطرف الآخر، لذا تكثر الازمات والتخندقات وتتعرقل بالتبعية عمليات التنمية.
ومن الفروقات المهمة الاخرى بين مجتمعات الديموقراطية الحقيقية ومجتمعات الديموقراطية الزائفة او الديكتاتوريات المستترة ان الاولى لا تحجر أبدا على الحريات العامة او تتعسف في الرقابة او تأخذ بمنهاجية محاكم التفتيش على الايمان، اما الثانية فتخلق آلاف الحجج والذرائع لمصادرة الحريات الشخصية ومحاربة الابداع برغبة من الزعيم الضرورة ضمن منهاجية الديكتاتوريات المعلنة او بدعوى ان تلك هي رغبة الاكثرية ضمن مجتمعات الديكتاتوريات المستترة.
لقد عشنا نصف قرن من الخديعة ومن دعاوى كذبنا بها على انفسنا بالقول اننا نعيش ضمن مجتمع ديموقراطي متسامح ـ لا مجتمع ديكتاتوري غاضب مستتر ـ وسمحنا لتلك الدعاوى بأن تدمر بلدنا بمشاحناتنا السياسية غير الديموقراطية التي لا تنتهي، وقد حان الاوان لنصحو ونصحح تلك المفاهيم الزائفة ونبدأ الخطوة الاولى في طريق الديموقراطية الحقيقية الطويل.
آخر محطة:
يقول توماس جيفرسون احد الآباء العباقرة المؤسسين للديموقراطية الاميركية: ان من الوسائل الديموقراطية المشروعة التي استخدمناها الطلب من بعض النواب ان يبقى في بيته والآخر ان يدعي المرض.. الخ، نقول هذا ونحن نؤيد ان يؤخذ بمقترح تأجيل الاستجواب الى آخر ايام الفصل التشريعي الحالي، حيث ان التأجيل لعام لن يؤدي الغرض كما نطالب بأن تستخدم تلك الاداة الدستورية المشروعة في كل مرة يشذ فيها احد عن اجماع نواب الامة ويستخدم اداة الاستجواب في غير محلها، فالمجتمعات الحية تخلق وتبتكر الحلول لمشاكلها وكي يصبح الدستور الداء والدواء في الوقت ذاته.