لم يكن غريباً أن تدعم الحكومة على لسان وزير داخليتها هيئة الأمر بالمعروف بشكلها البرلماني الجديد “لجنة الظواهر السلبية”، بل الغريب أن تقف ضد مشروع خلقها، فالجمود الفكري ومحاصرة الحريات العامة والخاصة وفرض الوصاية المطلقة على الأفراد بعد وصمهم ضمنياً بالقصور هو القاسم المشترك “المحافظ” بين أولياء السلطة الدينية وملاك السلطة السياسية، وفي مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة وتآكل الشرعية الدستورية يصبح من الضرورة تكريس ممارسة التدجين السياسي والاجتماعي للبشر المحبطين بهذا الواقع، وإشغال الناس بقضايا من شاكلة لجنة الظواهر التي ستدور معظم محاورها، كما يظهر من أطروحات أشخاصها، على القضية الأخلاقية، بعد أن تحصر بالشكل العام مثل اللبس والحفلات والاختلاط وقمع المرأة، أو تشريع اضطهاد المختلفين جنسياً “رسمياً” بعد اضطهادهم على صعيد الممارسة الواقعية.
التآكل الاقتصادي بعد تدهور أسعار النفط والعجز المتأصل بالسلطة الحاكمة في قدراتها لمواجهة القادم الصعب، مع توقع ارتفاع وتيرة الرفض الشعبي لسلوكها العاجز، بعد أن “غابت الجزرة المالية” بالضعف المتوقع لسياسة شراء الولاءات، لم يبق غير عصا التدجين والتطويع السياسيين، وليس هناك أفضل من مثل تلك اللجان البرلمانية التي تقبع بجوف برلمان خاوي القدرات النيابية الحقيقية للتخفيف من حدة الوجع المالي القادم، والتي تقوم بدور المورفين المغيب للوعي السياسي.
هناك وهم كبير عند الكثيرين بأن مثل تلك اللجنة ستواجه قضايا جدية مثل سحب الجناسي أو إعادة النظر في قوانين وممارسات كممت أفواه المعارضين، وأودعت رموزاً نضالية مشاكسة السجون بسبب تغريدة أو إظهار رأي مخالف لسلطة الحكم، مثل تلك القضايا التي تعد بحق “ظواهر سلبية” ليس وفق فقه دعاة اللجنة ونصيرتهم الحكومة، وإنما هي ظواهر سلبية على الممارسة الدستورية ودولة حكم القانون، مثل تلك الأمور لن تكون من مهام هذه اللجنة وليس من شأنها، فالراعي السلطوي ممثلاً بسلطة الحكم سيحصرها في ممارسة الإلهاء المطلوب وإشغال الناس عن حقيقة واقعهم وتبديد قلقهم المشروع والمفترض نحو المستقبل.
خلق مثل تلك اللجنة والتهليل الحكومي لها لم يكن غريباً، الغريب ألا نسمع نشاز الزغاريد الحكومية على حفلات الخواء البرلمانية، و”مباركين عرس الاثنين”.