أ.د. محمد إبراهيم السقا

اختبار ضغط لمصارف أوروبا

اختبارات الضغط المصرفي Stress Tests، هي إجراءات تقوم بها البنوك المركزية أو الهيئات المتخصصة بهدف قياس قدرة المصارف على مواجهة المخاطر حال اندلاع أزمة مالية، ومدى قدرة قوائمها المالية على الصمود في مواجهة الصدمات، وتتم اختبارات الضغط من خلال وضع سيناريوهات خاصة بتلك الصدمات، سواء من الناحية الاقتصادية (مثل تراجع معدلات النمو الاقتصادي) أو المالية (فقدان المصارف جانبا من القروض)، بنسب محددة، وإخضاع المصارف لتلك الصدمات، ثم قياس أثر ذلك في الخسائر المحتملة التي يمكن أن تتعرض لها المصارف حال تعرضها لتلك الصدمات، ثم يتم حساب الأثر في صافي رأسمال المصارف، من خلال قياس نسبة رأس المال إلى أصول المصارف بشكل عام، لتقييم ما إذا كانت نسب رأس المال ستظل في الحدود المقبولة أم لا، ومن ثم تقييم حاجة المصارف لتعزيز قواعدها الرأسمالية، سواء من خلال قيامها باتخاذ السبل اللازمة لذلك، أو بمساعدة الحكومات.

بعد أن تتم عملية حساب نسب رأس المال بعد الاختبار يتم وضع أساس مرجعي لتحديد مدى اجتياز المصرف للاختبار من عدمه، على سبيل المثال كان المحللون في الاختبار الذي أجرته هيئة المصارف الأوروبية في عام 2014 قد وضعوا نسبة 5.5 في المائة لرأس المال إلى الأصول، كنسبة مرجعية لنجاح المصرف في اجتياز الاختبار بعد حساب الخسائر الرأسمالية نتيجة الصدمة. ويمكن النظر إلى اختبارات الضغط على أنها نوع من الإنذار المبكر، أو دليل على مدى حاجة النظام المصرفي إلى الدعم الرأسمالي، لتعزيز قدرة المصارف على مواجهة الصدمات المالية والاقتصادية.

أشهر اختبارات الضغط المصرفي على الإطلاق تلك التي قام بها “الاحتياطي الفيدرالي” في 2008 من اختبار ضغط على المصارف الكبرى لتقييم قدرتها على تجاوز الأزمة المالية العالمية، الذي أظهر مدى ضعف القوائم المالية للمصارف، الأمر الذي دعا الحكومة الأمريكية إلى إقرار برنامج لتعزيز القواعد الرأسمالية للمصارف المضطربة.

تعد سلامة المصارف إحدى مسؤوليات هيئة المصارف الأوروبية، لضمان استقرار النظام المالي في الاتحاد الأوروبي، من خلال تحديد مكامن الخطر التي يمكن أن يتعرض لها النظام المصرفي على مستوى سياسات التحوط الجزئية، وتقوم بذلك من خلال إجراء اختبارات الضغط لمصارف أوروبا لتقييم درجة مرونة المؤسسات المالية في مواجهة التطورات غير المواتية في السوق المالية، وتقييم المخاطر النظامية التي يمكن أن تنشأ فيه.

في عام 2014 قامت الهيئة بإجراء اختبار ضغط على 130 مصرفا، وفي هذا العام قامت الهيئة بإجراء الاختبار على عينة أصغر شملت 51 مصرفا فقط. يقوم اختبار الضغط لهذا العام على سيناريوهات تتضمن انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الاتحاد الأوروبي بنسبة 7.1 في المائة خلال السنوات الثلاث القادمة، وانخفاض دخول المصارف من الفائدة بنسبة 20 في المائة، خلال الفترة ذاتها.

أظهرت نتائج هذا العام أن المصرف الإيطالي الوحيد الذي فقد كل رأسماله في الاختبار هو مصرف دي باشي دي سيينا، بل إن نسبة رأسماله إلى أصوله أصبحت في النطاق السالب بعد الاختبار، حيث بلغ صافي رأسماله بنسبة سالب 2.44 في المائة، وهناك محاولات تجري حاليا للعمل مع المنظمين في الصناعة المصرفية الإيطالية للتوصل إلى الوسائل المناسبة لمعالجة الوضع الحالي للمصرف، وكان المصرف قد حصل مسبقا قبل الاختبار على موافقة البنك المركزي الأوروبي للقيام بالإجراءات المناسبة لإنقاذه.

مباشرة عقب نشر نتائج الاختبار أعلن المصرف أنه سيبيع تسعة مليارات يورو من قروضه، كما تم تشكيل تجمع من عدة مصارف لتدبير خمسة مليارات يورو لمنع الحكومة الإيطالية من التدخل في شؤون المصرف أو محاولة إغلاقه.

كذلك لم يتمكن بنك Raiffeisen في النمسا، و Banco Popular في إسبانيا، ومصرفان في إيرلندا من اجتياز الاختبار، بحيث انخفضت نسبة رؤوس أموالها عن 5.5 في المائة بعد الاختبار. هذه المصارف ما زالت تحتاج إلى مساعدة رأسمالية أكبر كي تتمكن من مد خطوطها الائتمانية على النحو المرغوب في اقتصاد المنطقة. فكثير من القروض التي أقرضتها مازال أداؤها سيئا، وهو ما يؤثر في قدرتها على مد خطوط الائتمان للمستثمرين.

بالنسبة للمصارف البريطانية فإن رويال بنك أوف سكوتلاند، الذي قامت الحكومة البريطانية بإنقاذه في 2008، تعرض أيضا لأكبر صدمة وفقا للاختبار، حيث انخفض رأسماله من 15.5 في المائة إلى 8.1 في المائة. كذلك تراجع رأسمال إتش إس بي سي من 11.9 في المائة إلى 8.8 في المائة، بينما انخفض رأسمال بنك باركليز من 11.4 في المائة إلى 7.3 في المائة، وبنك لويدز من 13 في المائة إلى 10.1 في المائة. هذه النتائج نظر إليها على أن مصارف بريطانيا قادرة على الاستمرار في مد خطوط الائتمان في الاقتصاد البريطاني.

في إيرلندا فإنAllied Irish Banks تعرض لصدمة شديدة نتيجة الاختبار حيث انخفضت نسبة رأسماله من 13.1 في المائة إلى 4.3 في المائة فقط. أما في ألمانيا فقد كان دويتشه بنك وكومرز بنك من بين أضعف 12 مصرفا في الاختبار. تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يفشل فيها دويتشه بنك في اختبارات الضغط، فقد أخفق البنك في اجتياز اختبارات الضغط التي أجراها “الاحتياطي الفيدرالي” الشهر الماضي، التي أعقبتها حالة قلق واسعة عن مدى سلامة البنك على الرغم من أن نسبة رأسماله بعد الاختبار كانت 7.8 في المائة.

وبشكل عام عندما بدأت اختبارات الضغط على المصارف الأوروبية كانت تلك المصارف تتمتع بنسبة رأسمال أساسي تصل إلى 12.5 في المائة، ولكن عندما تم تعريض المصارف للصدمات وفقا لسيناريوهات الاختبار انخفض المعدل إلى 9.2 في المائة، أي بنحو 3.4 في المائة، وهو ما يعادل 226 مليار يورو من رأسمال تلك المصارف. وعندما تمت إضافة تكلفة الغرامات وعمليات التسوية، فإن إجمالي الخسائر في القروض ارتفع إلى نحو 350 مليار يورو.

الخلاصة أنه على الرغم من أن عددا من المصارف الأوروبية لم يجتز الاختبار، إلا أن النتيجة التي توصلت إليها هيئة المصارف الأوروبية هي أن المصارف الأوروبية لديها مرونة وطاقة استيعابية كبيرة على امتصاص الخسائر في الوقت الحالي، وأنه يمكنها تجاوز أزمة مالية أخرى بقوائم مالية متينة نسبيا. أي أن النظام المصرفي الأوروبي أصبح الآن أكثر قدرة على المقاومة وطاقته أكبر على امتصاص الصدمات الاقتصادية مقارنة بالوضع منذ سنتين مضتا.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

أ.د. محمد إبراهيم السقا

أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت
[email protected]
@elsakka

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *