أ.د. محمد إبراهيم السقا

«أوبر» وأخواتها

طالعتنا وسائل الإعلام الأسبوع الماضي بإعلان شركة “أوبرتكنولوجيز إنك” المعروفة بـ “أوبر” عن قيام صندوق الاستثمارات العامة السعودي باستثمار 3.5 مليار دولار في الشركة، الأمر الذي اعتبرته الشركة أحد أهم الاستثمارات التي تمت فيها، في الوقت الذي نظر فيه المراقبون إلى الخطوة على أنها تطبيق للاستراتيجية الجديدة للمملكة في تنويع مصادر دخلها بالتحول من الاعتماد على دخل النفط إلى الاعتماد على دخل الاستثمارات. فما هي “أوبر”؟

أوبر، ليفت، سايد كار، كارما، ماجيك تاكسي وغيرها أسماء أخذت تنتشر بسرعة عبر مناطق كثيرة في العالم، وتعد أحد نماذج شركات الاقتصاد الجديد التي تقوم على توظيف التكنولوجيا بديناميكية تمكنها من تحقيق معدلات نمو استثنائية وإيرادات وأرباح وقيمة سوقية مرتفعة في غضون فترة قصيرة.

أوبر شركة أمريكية مركزها في سان فرانسيسكو أنشئت في 2009، بفكرة إبداعية أدت إلى نشوء نموذج جديد للأعمال يطلق عليه المشاركة في خدمة نقل الركاب Ridesharing، وتستند أعمال أوبر وأخواتها إلى أن يقوم المستخدم بتحميل تطبيق خاص بالشركة على هاتفه الخاص يمكنه من تحديد أقرب سيارة له يمكن أن تنقله إلى المكان الذي يريد الوصول إليه. هذه السيارات ليست ملكا لـ “أوبر”، وإنما سيارات خاصة بسائقيها الذين يوقعون مع “أوبر” على الاستجابة لطلبات المستهلكين بصورة مباشرة، في نظير ذلك تحصل أوبر على 10 إلى 20 في المائة من رسوم التوصيل التي يدفعها الراكب. “أوبر” أيضا تسمح للراكب بأن يختار مستوى جودة السيارة التي ستنقله، من خلال عرض قائمة الأسعار المتوقعة للرحلة في ضوء عدد السيارات التي تنتظره، وبالطبع كلما ارتفع السعر ارتفعت الجودة والعكس.

استغلت “أوبر” وأخواتها حقيقة أن عددا كبيرا من مالكي السيارات الخاصة في العالم لديهم الاستعداد التام للعمل لبعض الوقت في أوقات فراغهم في توصيل الركاب والحصول على دخل إضافي. فاتسعت أعمال هذه الشركات إلى الحد الذي أصبحت تهدد بالفعل صناعة التاكسي التقليدية في العالم، لأنها تتميز بعدد من الخصائص أهمها قصر وقت الانتظار والخدمة الجيدة والتكلفة الأقل مقارنة بخدمة سيارات التاكسي التقليدية.

يرجع انخفاض تكلفة الخدمة إلى انخفاض التكاليف المتوسطة للتوصيلة الواحدة بالنسبة لـ “أوبر”، لأنها ببساطة لا تستثمر في أسطول السيارات الهائل الذي يتبعها، ولا تتحمل أي تكاليف تشغيلية لها، فهذه يتحملها مالك السيارة الأصلي، الذي من جانبه ينظر إليها على أنها تكلفة يدفعها لتملك سيارته الخاصة، وليس لتشغيلها لدى “أوبر”. مالكو هذه السيارات يعملون كسائقين في أوقات فراغهم، ولكي تضبط “أوبر” سلوكهم وتقيم أداءهم أتت بفكرة ذكية، وهي جعل المستخدم هو الذي يحدد التقييم الذي يحصل عليه السائق بعد الانتهاء من التوصيلة.

هناك فارق كبير بين صناعة التاكسي التقليدية ونموذج “أوبر” وأخواتها. فمن الناحية التنظيمية، لا يتطلب تقديم الخدمة من خلال “أوبر” سوى استيفاء شروطها، بينما يتطلب تقديم خدمة النقل بالتاكسي الحصول على تراخيص للسائق والسيارة من جانب الحكومة وبالتالي استيفاء متطلبات الحصول على هذه التراخيص من رسوم وضرائب وغيرها، لهذه الأسباب ينظر إلى نموذج أعمال “أوبر” وأخواتها بأنه لا يتوافق مع النظم الرسمية، كونها تعمل بعيدا عن أعين الحكومات. لذلك أعتقد أن انتشار “أوبر” وأخواتها على هذا النحو الذي نشاهده حاليا يشكل تحديا للمنظمين لصناعة نقل الركاب بالأجرة في العالم.

ويمكن القول إن انتشار “أوبر” وأخواتها سيدمر صناعة نقل الركاب التقليدية، حيث يضع الأخيرة في موقف لا تحسد عليه، لأنها مطالبة بالاستثمار في أساطيل سياراتها وتحمل رسوم وضرائب وتكاليف تشغيلية أخرى بينما تعفى “أوبر” وأخواتها من ذلك، ما يعني أن المنافسة مع “أوبر” وأخواتها تصبح غير عادلة.

من جانب آخر، فإن الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها “أوبر” وغيرها سنويا لبسط سيطرتها على خدمة نقل الركاب تجعل من “أوبر” وأخواتها تشكل نموذج احتكار قلة Oligopoly، في سوق نقل الركاب. في المقابل فإن سوق نقل الركاب التقليدية تتمتع بدرجة كبيرة من المنافسة، وهو ما يؤثر بالطبع في حجم الإيرادات والأرباح التي تحققها “أوبر” وأخواتها في مقابل صناعة نقل الركاب التقليدية، وهناك تقارير تشير إلى تراجع إيرادات صناعة التاكسي بصورة جوهرية نتيجة لانتشار “أوبر” وأخواتها. فهناك عدد ضخم جدا من سائقي السيارات الخاصة في العالم يريد الحصول على دخل إضافي بالعمل لبعض الوقت على سيارته الخاصة، بينما الدخل الذي يحصل عليه سائقو التاكسي هو مصدر دخلهم الأساسي، لذلك تتصاعد احتجاجات هؤلاء لدى حكوماتهم في مدن العالم بشكل متزايد حاليا.

أعتقد أن تنظيم أعمال “أوبر” وأخواتها هو تحد كبير للمنظمين في العالم، لأن نموذج أعمال الصناعة يصعب السيطرة عليه، لكن يظل عدم التزام “أوبر” بالقواعد التنظيمية لصناعة نقل الركاب هو الحجة الأساسية في المطالبة بحظرها. حيث تضع “أوبر” وأخواتها صناعة التاكسي التقليدية في موقف سيئ، فالسائقون والسيارات التي تستخدمها “أوبر” ليست مرخصة لهذه المهمة، ولا تنطبق عليها القواعد التي تطبق على الصناعة التقليدية، ما يجعل الأخيرة في موقف تنافسي أضعف في مواجهة “أوبر” وأخواتها. الواقع أن الحكومات اليوم في موقف حرج، فتنظيم أعمال “أوبر” وأخواتها سيؤثر بالتأكيد في درجة رفاهية المستهلكين لخدماتها، والذين تعودوا على خدمة أسرع وجودة أفضل بتكلفة أرخص. في الوقت الذي يترتب على إهمال تنظيم هذه الصناعة التأثير سلبا في صناعة نقل الركاب الرسمية.

نظرا للنجاح الكبير الذي تواجهه “أوبر”، فإن قيمة أصولها ترتفع بصورة سريعة من عام إلى آخر. على سبيل المثال وفقا لـ “وول ستريت جورنال” فإن القيمة السوقية لـ “أوبر” في 2010 بعد إنشائها لم تكن تتجاوز عدة ملايين من الدولارات، وفي 2014 ارتفعت القيمة السوقية إلى 18 مليار دولار، وفي 2015 قفزت إلى 51 مليار دولار، ووفقا للصحيفة فإن القيمة السوقية للشركة في حزيران (يونيو) 2016 “قبل الاستثمار فيها من جانب صندوق الاستثمارات العامة” بلغت 68 مليار دولار. من الواضح إذن أن القيمة السوقية للشركة تتزايد بصورة صاروخية، ويتوقع الكثير من المراقبين أن امتداد أعمال الشركة في المزيد من مدن العالم سيرفع القيمة السوقية للشركة بصورة أكبر في المستقبل.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

أ.د. محمد إبراهيم السقا

أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت
[email protected]
@elsakka

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *