د.علي يوسف السند

شذوذ معارضة الأغلبية!

من أغرب الظواهر في عالم السياسة هو ما حصل عندنا في الكويت من وجود مجموعة سياسية تحمل اسم «الأغلبية»، وفي الوقت ذاته تمارس دور المعارضة وتحمل صفتها، فقيام الأغلبية في أي نظام سياسي بممارسة دور المعارضة يعتبر حالة شاذة!
وسبب الغرابة والشذوذ هو أن الوضع الطبيعي للمعارضة في كل الديموقراطيات هو أن تكون أقلية وليست أغلبية، أما الجماعة السياسية التي تستطيع أن تكون أغلبية في البرلمان فمن حقها أن تشكل الحكومة، وتتحول إلى موقع السلطة التنفيذية، وإلا فإن المشهد السياسي سيتحول إلى هرم مقلوب!
لعل هذه الظاهرة تكشف شيئاً من الخلل في منظومتنا السياسية التي لا تسمح لأي أغلبية بأن تشكل السلطة التنفيذية، وإلى الآن لا توجد قوانين تنظم العمل السياسي، بالتالي فإن الأحزاب والجماعات السياسية التي تمارس دور المعارضة ستبقى كذلك، دون وجود أفق لانتقالها إلى السلطة التنفيذية إلا بشكل فردي.
هذا يعني أن إطلاق وصف المعارضة في الواقع الكويتي فيه نوع من التجوّز، فالمعارضة التي لا يمكن أن تكون في يوم ما سلطة تنفيذية هي أقرب إلى الظاهرة الاحتجاجية، وحتى يمكن أن تحل محل الحكومة فلا بد أن تكون قائمة على الأحزاب السياسية التي تقدم برنامجا ورؤى متكاملة لإدارة البلد، وفي الوقت الذي تستطيع أن تشكل تلك الأحزاب أغلبية برلمانية ينتهي وصفها بالمعارضة لتقوم بأداء واجبها كسلطة تنفيذية.
إن وجود سلوك احتجاجي دائم، لا تتاح له الفرصة لممارسة دور المعارض الحقيقي كما في الأنظمة الديموقراطية، يؤدي إلى وجود طبقة سياسية غير مسؤولة، وغير مستعدة للمشاركة الحقيقية في الإدارة، ولا تحمل برنامجا سياسيا قابلا للتطبيق، وهذه نتيجة طبيعية، لأن ما يسمى معارضة في هذه الحالة تستمد شرعيتها وبقاءها من اصطياد الأخطاء وتضخيم الهفوات والاحتجاج من أجل الاحتجاج، من دون أن يكون في قاموسها مكان للحلول أو الرؤى البناءة، لأنها لن تُعطى فرصة تنفيذ برامجها على أرض الواقع.
في ظل وجود نظام ديموقراطي حقيقي تسعى المعارضة لتكوين حكومة ظل تضم كل الحقائب الوزارية، ويكون في مقابل كل وزير في الحكومة الفعلية وزير في حكومة الظل، وظيفته مراقبة أداء الوزير الفعلي، وتقديم رؤى بديلة، بحيث تكون حكومة الظل المعارضة مستعدة في أي لحظة لأن تحل محل الحكومة، وهذا يمثل مصدر إثراء وإنضاج للممارسة السياسية والحكومة، أما في الدول التي ليس لها حظ من الديموقراطية إلا بالتغني والتمني، والقائمة على المشاركة الشعبية المحدودة والمشوهة، فإنها ستظل تعيد إنتاج المشكلات ذاتها لسنوات طويلة، ليكون الدوران في الحلقة المفرغة هو سيد الموقف!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د.علي يوسف السند

دكتوراه فلسفة إسلامية – بكالوريوس شريعة – عضو هيئة تدريس/الدراسات الإسلامية – إعلامي وكاتب صحفي
twitter: @al_snd

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *