علي محمود خاجه

أساسيات

يخطئ صديقك في حقك ويخون الثقة التي تجمعكما، فتكون أبسط مطالبك أن يقرّ بالخطأ ويعتذر منك كي تسامح، ومع هذا قد تحتاج المسألة إلى مدة طويلة كي تبنى جسور الثقة مجدداً فيما بينكما رغم صداقتكما الممتدة. تلك هي طبيعة العلاقات الإنسانية في أضيق نطاق لها وبين الأصدقاء المقربين: خطأ فإقرار فاعتذار وإعادة بناء العلاقة مجددا. "حدس" و"الشعبي" و"الأغلبية" و"اتحاد الطلبة" وآخرون شكلوا ائتلافا للمعارضة بمطالب ثلاثة واضحة هي: حكومة برلمانية منتخبة، وحل المجلس القائم والدعوة إلى انتخابات بنظام الدوائر الخمس وأربعة أصوات، والمطلب الثالث المتمثل بـ"إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها". شخصيا أنا سعيد، بعيداً عن قناعة ائتلاف المعارضة بما كتبوا من عدمه، لكني سعيد جدا بأن ما كنا ننادي به من إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها أصبح مطلبا مكتوباً وموثقاً من قوى كانت تصف كل من يدعو إلى إطلاق الحريات بالمنحل والتغريبي والمتعدي على ثوابت الأمة، وغيرها من "خرابيط"، فها هم اليوم ينضمون إلى مطالبنا وبيان الائتلاف ورقة ستستخدم طويلا ضد بعض المتآلفين لإدانتهم حينما يتعدون على الحريات قريبا جدا. لكن لنفرض واهمين أن المتآلفين وتحديداً قوى الإسلام السياسي  "حدس" وتوابعها من اتحاد الطلبة والسلف وغيرهم، لنفرض أنهم مقتنعون فعلا بضرورة إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها، أفلا يتعين عليهم أولا أن يقروا بالخطأ الذي تأسسوا عليه أصلا من كبت للحريات وتعدٍّ على الخصوصيات، والأمثلة عديدة لا تحصى بمقال واحد، ولنا في مجلس فبراير المثال الأقرب، حشمة ومنع معرض فني، وملتقى، وإلغاء حفلات وغيرها من انتهاكات للحرية والدستور. وبعد الإقرار لا بد من اعتذار على كل تعدياتهم وانتهاكاتهم لحريات الكويت حتى تحولت بجهودهم مع الحكومات إلى "تابوت" كبير لا متسع فيه للفرح أبدا. المسألة ليست مجرد كلمات تملأ الأوراق، بل هي أبعد من ذلك بكثير، فلماذا يطلب منا أن نصدقهم وأفعالهم تكذب ما يكتبون، فنحن لسنا بمغفلين وإن رغب البعض بأن يستغفل بإرادته، فهذا شأنه ولكن بالتأكيد لن يكون هذا موقفي، ولن أقبل بأن أقرأ بعض السطور فأقتنع رغم مشاهدتي لأفعالهم المنافية للدستور والحرية في كل يوم. إقرار فاعتذار ومن ثم مدة زمنية لإعادة بناء جسور الثقة تلك هي أساسيات العلاقات الإنسانية في أضيق نطاق وبين الأصدقاء، ورغم أني لا أعتبر قوى الإسلام السياسي أصدقاء لكن يجمعنا وطن واحد، فلا بد أن يلتزموا بهذه الأساسيات كحد أدنى، ومن ثم من الممكن القبول بما خطته أيديهم في بيان ائتلاف المعارضة. ضمن نطاق التغطية: أسطوانة "مو وقته" وتوحيد الجهود ضد فساد الحكومات لا تجدي نفعاً، ولن تصلح الحال أبداً، فتجاوز وفساد وتعديات المعارضة بحجة محاربة فاسد آخر لن تنتج شيئاً إن نجحت إلا استبدال ظلم بظلم آخر قد يكون أخطر وذا مناعة أكبر، ولنا في مصر درس.

سامي النصف

بطل عربي أم خائن كردي؟

صدر قبل مدة قصيرة للدكتور عبدالرحمن عزام كتاب توثيقي عن القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي حاول من خلاله التفريق بين الحقيقة والخيال في سيرة تلك الشخصية الأسطورية الفذة والذي قيل ذات مرة في حقه ان انتصاره على الصليبيين في موقعة حطين جعله بطلا عربيا وأنه لو هزم في تلك المعركة لاتهموه بأنه.. خائن كردي!‍‍

***

تُظهر سيرة صلاح الدين الأيوبي أنه ولد عام 1137م في تكريت بالعراق وأن أول أعماله كان تقلده منصب قائد شرطة في دمشق وهو لم يتجاوز الـ 28 من عمره، وأولى معاركه تمت بعدها بعامين عندما هزم أمالريك الأول ملك بيت المقدس، ليتولى بعدها حكم مدينة الإسكندرية ثم يخلف عمه أسد الدين شيركوه في ولاية مصر إبان حكم الفاطميين، وبذا أصبح ـ كما يذكر الكاتب ـ كرديا في زمن الاتراك وأيوبيا في زمن الزنكيين وسنيا في عصر الإسماعيليين.

***

وتوفي القائد نور الدين محمود في دمشق ليصبح صلاح الدين حاكما لها وتنضم الموصل لإماراته، وبذا تتوحد العراق وسورية ومصر بمسميات الدول القطرية هذه الأيام وليتوجه صلاح الدين لمواجهة جيوش الصليبيين عام 1187 وهو في سن الـ 52 وينتصر عليهم في معركة حطين ويدخل بيت المقدس محررا، وتلقى أمامه خطبة الجمعة، إلا أنه يهزم بعدها بـ 5 سنوات أمام ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا في معركة إرسوف.

***

ويتطرق الباحث إلى كثير مما قيل في حق القائد بعد وفاته، ومنها أنه اعتنق المسيحية وأن والدته ذات أصول إنجليزية ويعتقد أن ترويج الغربيين لمثل تلك الأقوال بسبب إعجابهم به حيث عرف بالشجاعة والكرم وعدم الغدر أو الخداع والتواضع وحب العلم، ويكشف عزام عن حقيقة مذهلة وهي أن ذلك البطل بلغ حد كرمه وعطفه على الفقراء أنه عند وفاته في 4/3/1193 عن عمر لا يتجاوز الـ 55 عاما لم يترك خلفه مالا أو حتى بيتا وكان مدقع الفقر حتى انه لم يتوافر من ماله ما يكفي لسداد تكاليف جنازته أو حتى شراء كفنه.

***

آخر محطة:

إن كان هناك من يكرر أن القائد الفرنسي هنري غورو قد زار قبر صلاح الدين الأيوبي بعد سقوط دمشق إبان الحرب العالمية الأولى وأنه قال «ها قد عدنا يا صلاح الدين»، فيكشف المؤلف أن القيصر الألماني فيلهيلم الثاني زار مرقد صلاح الدين الأيوبي في دمشق عام 1898 وتأثر بالحالة المزرية للمرقد فأمر بترميمه على نفقته الخاصة وأن توضع لوحة مضاءة فوق رأسه بها سيرته العطرة.

احمد الصراف

طار الطير حط الطير

هكذا، من دون تخطيط ولا ترتيب، كالكثير من قرارات الحكومة، صدرت «أوامر» قبل بضع سنوات لبناء مبنى «تيرمينال» طيران جديد، أطلق عليه اسم «مبنى الشيخ سعد»! وقيل انه سيخصص لركاب الطائرات الخاصة والصغيرة، وهكذا أصبحنا، مثل بقية دول العالم «الكبرى» لدينا اكثر من تيرمينال. ثم قامت بعدها الشركة «الوطنية» للطيران، باستخدام ذلك المبنى في رحلاتها! وقد قلت وقتها لنفسي انها لا يمكن ان تستمر طويلا في استخدام ذلك المطار بكلفة تشغيله العالية، باسعار تذاكرها التنافسية، وهكذا لم يطل الأمر كثيرا ليرفع الجماعة أيديهم وارجلهم مستسلمين للقدر، وليتبخر حلم المبنى الثاني بسرعة بنائه نفسها، وليبقى خاويا وشاهدا على نوعية قراراتنا الخاطئة!
فان كنا بمثل هذا العجز والتخبط في التخطيط لبناء وادارة مبنى ركاب ثان متواضع الحجم والامكانات، فهل هناك عاقل يصدق أن بامكان هذه الادارة الحكومية الضعيفة التي ينخر الفساد في مفاصل الكثير من دوائرها، وبمجلس أمة لا ندري كيف نصفه، ادارة مشاريع قادمة بـ125 مليار دولار؟ هذا ان وجدت المشاريع او الخطة او النية او العزيمة أو القرار أو الرغبة أو الارادة أو أي شيء آخر يتعلق بحقيقة هذا المبلغ، الذي يعرف من صرح أنه لا يستند الى أي ارقام حقيقية فقد سبق ان صرحت وزيرة التخطيط نفسها أن الحكومة أنفقت ما يعادل 25 مليار دولار على المشاريع التنموية منذ اقرار خطة السنوات الخمس قبل أكثر من 3 سنوات، وحيث اننا لم نر شيئا على أرض الواقع على مدى أكثر من 3 سنوات فلن نرى شيئاً فيما تبقى من عمر الخطة، وبذلك تكون الـ7 مليارات قد تبخرت في مرحلة ما!
أما عن مطار الكويت الجديد، الذي يخطط لافتتاحه سنة 2020، وهي سنة سنلحق عليها عمريا، فلن يكون قد أصبح جاهزا طبعا، فهذا كلام آخر لا معنى له! والى ان يبت في مشروع بناء المطار العتيد الجديد، وترسيته من دون قيل وقال واعتراضات واتهامات برشى وعمولات، فستجري مياه فاسدة كثيرة تحت الجسور، وسيمر وقت طويل وستمر علينا احداث جسام، وفي النهاية ربما سيصبح مثل جسر الصبية (جابر) الذي حلمنا أو سمعنا به على مدى 15 عاما قبل أن تتم ترسيته على شركة كورية بكلفة تزيد على ثلاثة اضعاف تقديراته الأولية، ولنسمع بعدها من جهة أخرى أن لجانا برلمانية وربما قضائية تحقق في مدى صحة ترسية الجسر! أما عن جامعة الشدادية، التي ستمر سبع سنوات عجاف قبل ان تطأ مبناها قدم طالب وطالبة، وليتجه كل ذكر لمبناه الذكري، وكل انثى لمبناها الأنثوي، فتلك قصة اخرى وبلوى من البلاوي التي ان انتهت مبانيها فستكون الأغلى من نوعها في تاريخ البشر الحديث!

***
• ملاحظة: اطلقت ايران سراح المفكر احمد القبانجي وسلمته لحكومته، ولا يعرف ما سيواجهه من مصير، ولكن نتمنى ان يعود لمحبيه والمعجبين بأفكاره سالما‍‍! وللعلم فقط، سنغيب عن الوطن لفترة قد تطول، ولكن المقالات، كالعادة ستستمر.

أحمد الصراف