سامي النصف

دبي.. هبة الطيران!

لا أزور دبي كثيرا، إلا أنني كلما زرتها ذهلت مما أرى، فدبي بنظري الخاص على الاقل هي معجزة إنسانية فريدة مازالت في طور الخلق، لذا لا نشعر بعظمتها بدرجة كافية حالنا كحال من عاش زمن بناء الأهرامات أو سور الصين وغيرهما من عجائب الدنيا السبع، حيث لا يقدّر أحد من أنجز عظمة الإنجاز في حينه.

***

وقد تتفوق أعجوبة دبي في نهاية تكوينها على العجائب التاريخية السبع والتي هي في مجملها عمران وبناء حجر يعكس حضارة بشر، حيث لا يمكن فصل الاثنين ولا يمكن تصديق ما يقوله بعض الحاسدين والحاقدين من أن الانجاز الخليجي قام على العمران لا على الإنسان وبيد الآخرين لا الخليجيين، وهو مقياس لم يستخدم مثله تجاه الحضارات الانسانية الأخرى التي لم يسأل عن جنسية من قام بالبناء فيها، وما إذا كانوا من الشعوب التي نسبت لها الحضارة أم بيد العبيد والأسرى الذين تم إحضارهم من البلدان الاخرى.

***

ومن مزايا المعجزة العمرانية الخليجية المتمثلة في دبي انها وبعكس عجائب الدنيا الأخرى قد وضعت لخدمة الانسانية جمعاء بينما اقتصرت المباني السبعة على خدمة أعداد محددة من الأفراد إما كمعابد أو كقبور لهم في الأغلب، الأمر الآخر هو أن العجائب الأخرى قامت ضمن بلدان تملك مقومات الحياة من أنهر وأمطار وأراض زراعية شاسعة وشعوب مستقرة بينما قامت معجزة دبي على مساحة صحراوية محدودة شديدة الحرارة والرطوبة لا زرع ولا ضرع ولا بترول أو ذهب فيها، لذا فالتحدي أكبر والإنجاز أوفر.

***

وإذا كانت مصر الخالدة هي هبة النيل، فدبي هي هبة علوم الطيران الحديثة، فلولا شركة طيرانها التي تحضر الملايين من المستثمرين والزائرين والسائحين لما تحققت وتوسعت المعجزة الاقتصادية والعمرانية والانسانية، وفي هذا السياق أثلج صدري ما سمعته من مختصين أوروبيين وأميركيين أخيرا من أن دبي وبعض دول الخليج قد سبقتهم بتحويل علوم الطيران الى جزء مهم من التنمية الاقتصادية عبر خلق شركات طيران عملاقة وإنشاء البنى التحتية اللازمة لخدمتها مثل المطارات المتطورة ذات السعات الضخمة والمترو والفنادق والمطاعم… إلخ، ومنا للقائمين على خطة التنمية في الكويت!

***

آخر محطة: من يعتقد أن دبي خيرها لغيرها مخطئ حتى النخاع، فعمليات التعليم «الذكي» والتدريب «المتواصل» وبرامج تنمية «الكفاءات» للمواطنين قائمة على قدم وساق كي تتم عملية إحلال «نوعي» ذي قيمة مضافة للبلد والاقتصاد لا «كمي» مدمر للبلد والاقتصاد.

 

حسن العيسى

مكابرة ضد الزمن

استيقظ روبرت لويس ستيفنسون من نومه بشعور غامر من النشاط والطاقة المتفجرة، على غير حالته العادية، وهو الذي كان يعاني دائما الخمول والإعياء الملازمين لجسده الضعيف، وأمسك ستيفنسون بالقلم والأوراق، وأخذ يكتب عشرات ومئات الصفحات دون تعب أو كلل، وحين انتهى قدّم مسودة رواية "الحالة الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد" لزوجته فامتعضت منها، عندها ألقى الكاتب بالمسودة في نار المدفأة، وبدأ يعيد كتابة الرواية من جديد وانتهى من رائعته في ثلاثة أيام! ما سر تلك القوة الملهمة التي هبطت على الروائي ستيفنسون بعد حلم ربما كان كابوساً ترجمه الكاتب إلى عمل فني أصبح منذ عام 1886 نموذجاً ومثالاً حياً عند علماء النفس في سبر أغوار مرض ازدواج الشخصية النفسي!
في كتاب "تحولات منتصف العمر في الأدب والأفلام" (لم يترجم) يستعرض الباحث ستيفن ووكر حالات التغيرات التي تحدث للبشر عند منتصف العمر بمنظار العالمين النفسيين كارل يونغ وإريك أريكسون، فكارل يونغ تلميذ فرويد بداية، ثم خصمه في ما بعد، يرى أن الإنسان في مرحلة منتصف العمر يمر عادة بلحظات توهج روحي، تلهمه وتغير من شخصيته (هذا ما حدث مع كاتب د. جيكل ومستر هايد)، في تلك المرحلة يبدأ الفرد يرى الأمور بمنظار روحي متسام للبشرية والنفس الإنسانية، فهو قد تخلص من نزق مرحلة الشباب والتمحور حول الذات التي تصاحبها عادة، وقد يشرع ذلك الشاب وهو في طريقه إلى الشيخوخة بعشق جديد وولادة جديدة تهز في وجدانه روح الشباب وجنوحها وعنفوانها الإجرامي، أوليس جنون وفوران شخصية "مستر هايد" هو الوجه الآخر المخفي لركود وتؤدة الدكتور جيكل؟! وألم يكن  الروائي ستيفنسون بكتابة الرواية بعد حلمه كان يترجم ذاته وروحه بعد أن بلغ منتصف العمر؟!
ويمضي "ووكر" في عرض الأعمال الأدبية والفنية الكبرى في التاريخ، وكيف كان أبطالها يولدون من جديد في منتصف أعمارهم "بتجديد" يقرع أجراس مرحلة الشيخوخة والأفول… هنا يذكرنا الباحث بعبارة يونج الشهيرة بأننا لا نستطيع أن نحيا فترة ما بعد الظهيرة بعقل فترة الصباح.
في مسرح سوفوكليس، نرى أوديب الشاب المغامر الذي قتل الوحش سفينكس عند أبواب طيبة، يدخل منتصراً ليقتل الملك ويتزوج امرأته وينجب منها، ليعرف في ما بعد أنه قتل أباه وأنه تزوج أمه وخلف منها دون أن يدري… فيفقأ عينيه ويهيم كالمجنون في المدينة، أوديب الشاب وصل إلى مرحلة منتصف العمر فيداهمه الأسى والحزن على صنيعة قدره البائس وينهش من روحه ذلك الضمير البائس (حكمة الشيخوخة) وتلك مرحلة عمر تعدت فورة الشباب كي تدق أجراس النهاية.
الأمر لا يختلف، في "أوديسة" هوميروس وحكايات بطلها "أوديسوس"… فهناك غيوم منتصف العمر حين تغطي ألوانها الداكنة شمس الشباب ويلج اليأس الحكيم في عقل الإنسان.
أما العالم النفسي الذي قسم الحياة وأطوارها المختلفة إريك اريكسون (عالم نفس من غير شهادة طبية) فهو يرى أنه ليس بالضرورة أن تتوهج الروح لفترات في مرحلة منتصف العمر وبداية الشيخوخة، فهناك من البشر من يرفض التأقلم مع واقع الحال، ويرفض مكابرة سنة التغيير والتبديل، عند هؤلاء تنطوي الروح على ذاتها، ويصيب التحجر والجمود أصحابها، وكأنني أقرأ هنا رواية أوسكار وايلد "صورة دوريان غري" فالصورة تشيخ وتهرم، أما صاحبها دوريان فيظل على شبابه وجماله، حتى اللحظات الأخيرة من عمره يدرك الحقيقة المقلوبة، فروحه هي التي كانت تشيخ وتذوي، بينما الصورة كجماد هي على حالها كانعكاس لجمال الشباب في زمن مضى.
هل كان دوريان وحيدا في ذلك القرن (التاسع عشر) أم مازالت نماذجه تحكم عالمنا العربي وتضج شوارعنا ومؤسساتنا بصور دوريان غري العربي الذي يرفض التغيير والتبديل وسنن الكون؟… لنفكر قليلاً.

احمد الصراف

عندما غاص «الإخوان» في الوحل

كنا، ولا نزال، من «أشد» مؤيدي وصول أحزاب الإخوان المسلمين، التابعين للتنظيم السري العالمي، للحكم في الدول العربية التي لا يزال فيها من يعتقد أن في نواصي هؤلاء يكمن الخير! وسبب تأييدنا نابع من أنه يصعب إقناع اي متحمس من هؤلاء او جاهل بحقيقتهم بعدم صلاح أي فكر ديني أو مذهبي، في زمننا المعقد المتعدد الديانات والمذاهب، لحكم اي دولة، وتجربة إيران مع الحكم الديني خير مثال! وحيث اننا أمة لا تقرأ التاريخ، ولا تتعظ حتى، فكان لا بد من دفع ثمن غال وإتاحة الفرصة للإخوان للوصول للحكم ليعرف الناس خيرهم من شرهم، وتسليمهم الحكم هو الأسلوب الأمثل لإظهار خواء ما يتصفون به من فكر تآمري وفراغ مذهبي، وعدم قدرة على إدارة دولة، سواء بسبب منطلقاتهم «الدينية» الضيقة، أو لاضطرارهم لحصر السلطة بايديهم من دون اعتبار لغيرهم. وقد جاء زلزال اغتيال النقابي التونسي، صديق صدام القديم، شكري بلعيد، ليهز اركان حكم الإخوان في تونس، ويدفعهم لعزل رئيس الوزراء الإخواني والإتيان بآخر غيره، وقبول المرشد الغنوشي التخلي عن جميع الوزارات السيادية في الحكومة الجديدة لغير الإخوان! كما أن قبول تولي الإخوان حكم دولة بمثل حجم وتعقيد مصر لم يكن سهلا، حيث كان من الضروري قيام دولة ما بدفع ثمن التجربة لينكشف هؤلاء! ووضعهم هنا يشبه وضع ذلك الأب الذي كان ابنه المراهق، البسيط الذكاء، يلح عليه في السماح له بقيادة مركبته، وبأنه يعرف القيادة جيدا. وبالرغم من كل جهود والده لإقناعه بأنه لم يبلغ السن القانونية وسيصاب حتما بحادث وسيعرض السيارة للتلف، وسيسبب الخطر المميت لغيره إلا ان الابن كان مصرا على موقفه، وبالتالي لم يكن امام الأب من خيار، خوفا من قيامه بقيادة السيارة دون علمه، والتسبب في كارثة، من قبول طلب ابنه، مع يقينه بأن هذا سيتسبب حتما في وقوع حادث لهما، ولكن أي شيء أهون من فقد الابن كليا، فالتجربة كانت ضرورية ليعرف الابن، البسيط الذكاء، وابناء الحي المتحمسون لفكرته، بأنه غير كفؤ لقيادة مركبة لا في ذلك اليوم ولا في أي يوم آخر، بسبب قلة خبرته وقصوره العقلي!
وبالتالي لم يكن غريبا انهيار تحالف الإخوان مع الحزب الديني الآخر، حزب النور، ووقوع الطلاق السياسي بينهما، بعد أن كشف رئيس «النور» تراجع مرسي عن الاتفاق الذي تم بينهما، والذي نص على قيام الأخير بطرح مبادرتهم على جلسات الحوار الوطني، ولكن ذلك لم يتحقق لأن تعليمات وردت من مكتب إرشاد الإخوان منعت ذلك! ثم جاء أخيرا حكم محكمة القضاء الإداري، الذي أوقف تنفيذ قرار الرئيس المصري المتعلق بإجراء انتخابات مجلس النواب في 22 ابريل المقبل ليشكل ضربة أخرى للإخوان ودليلاً آخر على تخبطهم. فقد شكل هذا الحكم، وسلسلة التراجعات والانتكاسات الرئاسية الدليل رقم 100 بعد الألف على عدم قدرتهم على الإمساك بزمام الأمور. ولا نود هنا الشماتة بأولئك الذين سبق أن ضربوا الدفوف وزغردوا لوصول الإخوان للحكم، فيكفيهم ما أصيبوا به من «فشلة»، لا ندري كيف لم يتوقعوها!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

د. حاكم نريد بالمكث… ما تريد بالحث

استمعت الى المحاضرة القيمة التي ألقاها الدكتور حاكم عبيسان رئيس حزب الامة يوم الخميس الماضي والتي برر فيها اسباب رفضهم الدخول مع ائتلاف المعارضة الجديد. ومن يستمع الى حديث الدكتور حاكم وتنظيره للقضايا والمواقف من ناحية شرعية وربطها بواقع الحال الذي نعيشه اليوم، لايملك الا ان يكبر في هذا الرجل سعة افقه وعلمه في الجوانب الشرعية والتأصيل الشرعي. ولقد بين الدكتور في خطابه ان السبب الرئيسي في رفض المشاركة بالائتلاف هو ان منهج الائتلاف يدعو الى الرجوع الى النظام السياسي السابق اي العمل بدستور 62، وهذا مرفوض لأنه عودة الى الوراء وتراجع عن المكتسبات التي حققها الحراك السياسي حتى الآن والمدعومة بتداعيات الربيع العربي!
أنا اعتقد ان كلام الدكتور حاكم سليم في توجهه العام باعتبار ان المفروض بعد كل هذه التضحيات ان يتمخض الحراك عن ديناصور وليس فأراً! ولكن ألا تعتقد يا دكتور ان المفاهيم الشرعية التي ذكرتها تحتاج الى وقت لتهيئة الناس وتقبلهم لها؟ ألا يمكن ان نصل الى المفاهيم التي ذكرتها وطالبت بها من خلال التطبيق السليم لدستور 62؟! خذ مثلا مفهوم «نرفض ان تكون السلطة اقوى من الشعب ووصية عليه»، الا يدعو الدستور الحالي الى هذا المفهوم «الامة مصدر السلطات – مادة 6؟!»، خذ مثالا لمفهوم آخر بعد ان ذكرت رفضك للدستور الحالي بحجة انه «يشترط موافقة الامير لتعديله»، الا تعتقد ان الدستور الحالي يعطي للشعب سلطة اقوى من سلطة الامير نفسه؟ من الذي يختار الامير؟ أليس هو الشعب الذي يشتAرط الدستور موافقة ممثليه على تعيينه ولياً للعهد؟! واذا اقر نواب الشعب قانونا ورفضه الامير، الا يملك ممثلو الشعب ان يمرروه باغلبية خاصة دون موافقة الامير؟! وفي حالة عدم توافر هذه الاغلبية الخاصة أليس في وسع المجلس ان يصبر عدة اشهر ثم يمرر القانون بأغلبية بسيطة ويصبح القانون نافذا منذ التصويت عليه دون الحاجة الى موافقة الامير؟!
عزيزي الدكتور حاكم، المشكلة ليست في الدستور، المشكلة في من يطبق الدستور! وانا اعتقد باننا نستطيع ان نحقق كل ما نريد من خلال هذا الدستور ان اردنا وعرفنا الطريق الى تحقيقه، حتى تطبيق الشريعة نستطيع ان نتمكن من الوصول الى حالة الكمال فيها ان اردنا! فالدستور يقول: «دين الدولة الاسلام والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، ومعنى رئيسي اي لا أذهب الى المصادر الثانوية الا ان تعذر علي الحصول على حكم بالمصدر الرئيسي! ثم لنفرض ان الشعب من خلال ممثليه بالمجلس قرر اصدار قانون اسلامي او تعديل قانون غير اسلامي، من يستطيع ان يمنعه؟! اثبتنا ان الدستور يعطي المجلس صلاحيات اقرار ما يريد حتى لو رفضت السلطة ذلك، اذن اين الخلل؟!
الخلل يا دكتور في قانون الانتخاب الذي يفصل بطريقة تتمكن فيه الحكومة من السيطرة على الاغلبية داخل مجلس الامة! لذلك الاولوية يجب ان تكون في تغيير هذا القانون حتى يصل الى المجلس من يمثل الشعب حقيقة وليس من يمثل عليه!! ولهذا السبب استماتت السلطة كي يأتي مجلس بوصوت واحد من خلال تغيير آلية التصويت في قانون الانتخاب.
دكتور حاكم.. المعركة المقبلة بين تيارين: تيار يريد ان يلغي هذا الدستور، الذي يعطي للشعب صلاحيات اقوى من السلطة، ويأتي بدستور مقلم الاظافر يجعل السلطة صاحبة الكلمة الاخيرة تحت قبة عبدالله السالم! وتيار آخر يريد ما تريده انت، يريد تطوير العمل البرلماني والسياسي من خلال المحافظة على وجود اغلبية واعية تحقق هذا الهدف! لكن اليوم اصبح الهدف ليس التطوير بل اولا المحافظة على الموجود الذي من خلاله اطور واقفز للامام. لذلك اعتقد ان خروج حزب الامة من الائتلاف سيضعفه ويضعف الائتلاف! وسيؤخر تحقيق الهدف الذي تريده انت بالحث والعجلة ويريده الائتلاف بالمكث والتأني! ارجع الى الجماعة ومن داخلها، حاول ان تقنع الآخرين بافكارك فهم اقرب الناس للتوافق معك وان عجزت عن اقناعهم فلن تتمكن من اقناع غيرهم، فاصبر واحتسب فلعل في رأيهم الحق الذي لم يظهر لك بعد! انا اعلم ان الدستور الحالي ليس هو الطموح الذي ننشد، لكن الظروف اليوم تستلزم علينا المحافظة عليه باعتباره الحد الادنى المقبول.

سعيد محمد سعيد

نفر… كبير!

 

تُرى، ما الذي يمكن أن يحصل حينما تتحدث الشخصيات البحرينية من تجار وعلماء دين وأساتذة جامعات وإعلاميين وكتّاب وينقلون إلى كبار المسئولين في الدولة حقيقة الأوضاع في البلد؟ وما الذي يريده المسئولون؟ هل يريدون الإصغاء فقط لكلمات الترحيب والمديح والإطراء، وأن كل شيء على ما يرام مصحوباً بقائمة مملة متعبة مجوّفة من العبارات المكرّرة ذات الطابع النفاقي؟ أم يريدون من أولئك أن يكونوا على مستوى المسئولية الوطنية وأن يتحدثوا بصراحة، وينقلوا هموم الناس ومعاناتهم وشئونهم دون استخدام مفردات التملق السيئة؟

ثم، ما الذي يمكن أن يصيبهم فعلاًً إذا فعلوا ذلك لوجه الله ومن أجل الوطن والمواطن؟ وهل من المعقول أن كبار المسئولين لا يستمعون فقط إلا لكلام دغدغة العواطف؟

وإذا قال قائل: «المناصحة في السر»، من قال له إن الناصح بإمكانه الوصول «بالسر» والجلوس مع كبار المسئولين «بالسر» ومناصحتهم «بالسر»؟ وكيف أيقن أن الأبواب مفتوحة فعلاً وليست مجرد تصريحات صحافية؟.

بصراحة، وأرجو من الجميع أن يمعنوا النظر فيما سأقول، هو أننا في المجتمع البحريني، ومع شديد الأسف، وجدنا في «بعض» الشخصيات البحرينية سلبيةً لا مثيل لها، وقلّما.. أقول قلّما.. تجد واحداً منهم، حين يلتقي بكبار المسئولين في الدولة، ينقل الحقائق ويتحدّث عمّا يصلح العباد والبلاد؟

«كلش كلش.. يراكض على روحه وعلى ربعه!» وهذا فعل شائن قبيح وقد انتشر بشكل كبير، وأصبح المواطنون، من الطائفتين الكريمتين ومن كل الطبقات، يشعرون بأن هناك مداً متوالداً هو ذاته، يصل إلى المسئولين، وبدلاً من الكلام النافع، يكتفي بالتطبيل!

ألا تحتاج البلد، ويحتاج كبار المسئولين، إلى من يكون صادقاً في ولائه لهذه البلاد العزيزة ويسعى لخيرها وخير أهلها جميعاً، ويمتلك الشجاعة لوجه الله، لكي يقول الحقائق التي «تُعمّر» ويترك النفاق والتملق الذي «يُدمّر»؟ أليس من الخطأ الجسيم أن يشجع بعض المسئولين نماذج التمصّلح وذوي الولاءات الوطنية التجارية الذين لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية ومصلحة من يلف لفهم؟

يبدو المشهد في غاية «الوجع»، حين تجد شخصيات بحرينية لها مكانتها، تجلس في حضرة مسئول كبير ولا ينطق لسانهم إلا بما يرون أن فيه «السلامة»!

فإذا غضب المسئول، حسب ظنهم، فعليهم السلام؟! يا جماعة، ليس بالضرورة أن تتقيد شخصيات عليها مسئولية شرعية ودينية ووطنية بفكرة أن هذا المسئول قد يذيقهم الويل إن قالوا قولاً صريحاً عن أوضاع الناس.

أصلاً المسئول الصادق الحريص على الوطن يهمه أن يستمع بكل صراحة إلى الحقيقة، لا إلى النفاق والتلوين والحرص على تحقيق مكسب شخصي، والمسئول الذي يقرب أولئك النفر إنما يشجّع شكلاًً من أشكال الفساد.

نصيحتي لهذا النوع من المسئولين:

شخصيات النفاق… أقصى ما تستطيع فعله هو أنها «تكشخ وتتزقرت ليك… وتقص عليك).

***

يستطيع بعضهم أن يتحدّث عن الأوضاع السيئة جداً في «هونولولو»، ويخطب آخر على منبره ويبكي على الأوضاع في «الواق واق»، ويقتحم أحدهم، وبكل شجاعة أوكار الدعارة في لاس فيغاس، ويزبد رابع في الصحافة وفي المجالس عن معاناة الناس في «كنفاشاريا»، ويبكي خامس على الفساد في «باتستونا»، لكنه «ما عمره» تحدّث عن معاناة أهل بلده؟ وصدق صاحب الأهزوجة الشعبية :»راحت رجالٍ ترفع الدروازة.. جتنا رجال المطنزة والعازة.. راحت نساءٍ همها في عيشتها.. وجتنا نساءٍ همها في كشتتها».

***

أما المستشارون في الوطن العربي، وعموم الدول الإسلامية، فهم في غالبهم، بعيدون عما يمليه عليهم دورهم الحقيقي!

بالمناسبة، قرأت للكاتب غسان شربل مقالاً جميلاً بعنوان: «مستشار حليف الإعصار»، ولعل القارئ الكريم يتلقى الفكرة بكل دلالاتها من فقرة واحدة كتبها شربل تقول: «ليتنا نعرف ما قال المستشارون للحكام الذين دهمهم الإعصار.. ليتنا نعرف ما دبّجه قادة الأجهزة قبل وصوله! سألت السيد المستشار إنْ كان نَصَحَ الحاكم، فأجاب مبتسماً: كنت أحاول أن أمرّر إشارات خجولة وبعيدة لكنها لم تستوقفه، والحقيقة أنه اختارني لأمدحه لا لأنصحه. أشعرني منذ اللحظة الأولى بأنه يعرف ما لا أعرف، وبأنه جائع دائماً إلى المزيد من المدائح.

يخطئ الحاكم حين ينام على حرير التقارير ومدائح المتملقين. الطمأنينة المفرطة تعني انتظار الانهيار. والمستشار الذي أعماه الولاء الكامل…

حليفٌ للإعصار».