رغم الوضع البائس جدا للقضية الفلسطينية فلا يوجد في الأفق أي بوادر حل للخلاف المستشري بين فتح وحماس على السلطة، فهناك عدم ثقة بين الطرفين، إضافة الى عدم ثقة بين الطرفين وأي وسيط يتدخل بينها، حيث يُتهم عادة بأنه منحاز للطرف الآخر وحتى خيار الانتخاب والاحتكام للشعب أصبح خيارا مرفوضا ويشترط ان يسبقه توافق بين الأطراف التي لا ترضى قط بأن.. تتفق..!
«من شاف ليس كمن سمع»، لولا المعابر الرسمية وسكوت السلطات المصرية ورضاها عن الأنفاق لاستسلم ومات القطاع، حيث لا زراعة ولا صناعة ولا عمل ولا مال هناك عدا ما تدفعه السلطة من رام الله من رواتب تمر عبر البنوك الإسرائيلية لعشرات الآلاف من الموظفين في غزة، البضائع القادمة من مصر مدعومة ورخيصة بعكس البضائع القادمة من المعابر الإسرائيلية حيث يباع لتر البنزين الإسرائيلي بـ 6 شيكل والمصري المهرب بـ 1 شيكل.
أسرّ لي احد الزملاء إبان زيارتنا لغزة بأن القياديين الثلاثة الذين التقيناهم من «الدكاترة» وكانت ملاحظتي هي الإعجاب بقدرتهم على التفكير والتنظير وتناغم أقوالهم، حيث لا تناقض بين ما يقوله هذا المسؤول أو ذاك، الا انني ذكرت الزميل بأن من أضاع غزة والقدس بالأمس ـ مع الفارق الكبير بالطبع ـ هم للمصادفة.. ثلاثة دكاترة!
ففي فبراير 1966 حدث انقلاب في سورية أوصل للحكم ثلاثة دكاترة أطباء جمع بينهم اشتراكهم في حرب تحرير الجزائر هم د.نور الدين الاتاسي رئيس الجمهورية ود.يوسف زعين رئيس الوزراء ود.ابراهيم ماخوس وزير الخارجية، وقد زايد ودغدغ وتشدد الثلاثة وأعلنوا بدء الحرب الشعبية لتحرير كامل التراب الفلسطيني وتحويل دمشق الى «هانوي العرب» ورفضوا الحلول الاستسلامية وصمت الرئيس عبدالناصر على مرور السفن الإسرائيلية عبر مضائق تيران مما جعله يأمر بإغلاقها وبدء حرب حزيران 67 التي أضاعت ما تبقى من فلسطين إضافة الى احتلال أراضي 3 دول عربية أخرى، والغريب ان تلك الحرب الشعبية التي يفترض ان يؤججها احتلال تلك الأراضي لم تبدأ بعد ذلك قط ولم يسمع بها احد.
استغرب كثيرون مما ذكرناه من وجود جسر ضخم فوق قناة السويس تمر من تحته السفن العابرة وقالوا انهم لم يعلموا بوجود ذلك الجسر الذي انشئ بدعم ياباني ويربط قارتي آسيا وافريقيا، وقد تم افتتاحه دون ضجة في اكتوبر 2001 بعكس ما كان يحدث ابان الحكم الثوري وطنطنته الكبرى تجاه مشروع السد العالي الذي هو في النهاية سد عادي يقام العديد من امثاله وأكبر منه في دول العالم الثالث كالهند والبرازيل وكازاخستان.. إلخ.
والحقيقة ان عدم الانجاز في مرحلة الثوريات التي تفرغت للحروب والنكسات جعلها تطبل وتزمر لمشروع السد غير العالي حيث لا يعد من الأعلى أو الأكثر تخزينا للمياه في العالم كما أتى في كتاب «Top 10» الموسوعي الشهير، اما حقبة الانتصار والانجاز القائمة فلا تجد لديها حاجة للتهليل والتطبيل لكل انجاز يتم حتى لو كان بحجم ذلك الجسر الرائع، وقديما قيل «من يتكلم لا ينجز ومن ينجز لا يتكلم».
آخر محطة:
من الأمور المستغربة هذه الأيام ان كثيرين مازالوا يلبسون الدشاديش البيضاء ونحن في عز الشتاء.