أثبتنا في مقال الأمس وعبر أمثلة صارخة ان كثيرا من قضايا الاستجوابات والتهديدات الساخنة التي توقف حال البلد تنتهي بإقصاء خبرات كويتية نحن في أمس الحاجة إليها، ولنضف لتلك الأمثلة قضيتي الدعوة لإغلاق المدارس بسبب إنفلونزا الخنازير والاعتراض على إزالة المخالفات التي شوهت صورة البلد ونتساءل لماذا لا يعتذر من أضاع الأوقات الثمينة للمجلس بالاعتراض على أمور أثبت الوقت خطأ اعتراضه عليها خاصة انه يدعو لأمور لم يقم بمثلها احد في العالم؟ بودنا أن يلزم كل نائب يتقدم بمقترح بإظهار أنه معمول به في الدول الأخرى حتى لا نصبح «أضحوكة» و«مسخرة» العالم.
وهل لنا ونحن في مطلع عام جديد ان ندعو بعض النواب للعمل هذه المرة فيما ينفع البلد عبر التركيز على قضايا التشريع والتنمية على حساب الدور الرقابي الذي يجب ان تتكفل بالجزء الأكبر منه القيادة السياسية عبر إعفاء وإقالة المخطئين من المسؤولين قبل أن يثور النائب وقبله الناخب عليهم، ولنأخذ مما تتناقله الأخبار من جدة ودبي والدوحة وغيرها الأمثلة على ضرورة المحاسبة.
لو فكرنا في السبب الأهم لكل مصائبنا وتأخرنا في العقود الماضية لقلنا: عدم المحاسبة التي تطورت وأصبحت «المحاسبة المعاكسة» أي توجيه العصا والعقاب للمبدعين والمنجزين والمخلصين، ومنح الجزرة وبكل أريحية لمحدودي القدرات ومخرومي الذمم من محاربي أصحاب الإبداعات.
والحقيقة أن عدم المحاسبة هو سر ابتعاد الأكفاء والأمناء، والصعود السريع لمن لا يأتمنهم احد في الدول الأخرى حتى على قطيع من الأبقار أو الأغنام، فلو فعلت المحاسبة لابتعد كل من تولى مركزا «يخب» عليه وتوقف الشعار الكويتي الفريد بضرورة وضع الرجل غير المناسب في المكان الذي يناسب غيره ولاختفى على الفور من يتسببون في الدمار والانهيار والتخلف الذي نشهده على جميع الأصعدة.
إن أفضل ما نفعله ونفعله منذ اليوم لخدمة الكويت ووضع قاطرتها على السكة التي توصلنا للمستقبل الباهر الذي يحلم به الجميع هو تفعيل أداتي «المحاسبة» و«التغيير» فبقاء نفس الأشخاص وبقاء نفس المنهاج كفيل بأن يتكرر في عام 2010 وما شهدناه في العقود الماضية من إخفاقات يتولد عنها غضب وإحباطات يمكن ان تستغل في حشود الشوارع ومن ثم اقترابنا خطوة أخرى من الوقوع في الهاوية أو.. المساس بالخط الأحمر.
لفهم مغزى ومعنى الخط الأحمر الذي نحذر منه، نعلم ان العام الذي مضى لم يشهد اندلاع حرب أهلية في العراق أو سويسرا فهل الدولتان على درجة واحدة من الأمن السياسي والاجتماعي؟! الحقيقة أن هناك خطا أحمر متى ما وصلت إليه المجتمعات أو الدول بدأت فيها عمليات الانفلات والفوضى والحروب الأهلية لذا فالفارق بين الدولتين سالفتي الذكر هو ان سويسرا تعيش بعيدة جدا عن ذلك الخط لذا لا يهم إن حدث بها اختراق أمني أو أزمة سياسية أو اقتصادية كونه لن يوصلها الى تحت ذلك الخط، أما العراق الشقيق فهو ومثله بعض دول المنطقة يعيش قريبا جدا من ذلك الخط لذا قد لا يحتاج الأمر إلا لحادث أمني لتعم الفوضى وتحترق البلد.
آخر محطة:
علينا ألا نعيش وهم الأمن الكاذب القائم على أن شيئا لم يحدث في الماضي، لذا فإنه بالقطع لن يحدث مستقبلا ولنستبدل ذلك الوهم بـ «التغيير» للأفضل وتفعيل «المحاسبة» حتى لا نصل لحافة الخطر ومن ثم نجاح من يريد دفعنا إليها.