سامي النصف

هل هي مشاريع مدفوعة الأثمان من الخارج؟!

سبق أن اشتكينا من قلة الاحتراف وخفية التعامل مع قضايا البلد المصيرية من قبل بعض النواب بسبب عدم وجود دورات تأهيلية مسبقة للعمل التشريعي، ما يزيد الطين بلة ندرة الاطلاع والثقافة السياسية لدى ذلك البعض، ومن ذلك ما شهدناه من حملة هتلرية ـ ستالينية للتحول للدوائر الخمس «قمعت» وبشكل غير ديموقراطي كل الآراء الأخرى، وقد عاد نفس الأطباء لوصف روشتة خاطئة أخرى أكثر ضررا من سابقتها هي مشروع «الدائرة الواحدة» التي ستحيل كما يقول علماء السياسة النزاعات والمنافسات الظاهرية الصغيرة التي تدور ضمن محاور المناطق المختلفة إلى نزاعات مسلحة حقيقية على مستوى الوطن وقد يكون هذا وبحق المطلوب تحقيقه رغم فظاعته.

إن خيار الدوائر الخمس لم يعط الوقت الكافي لتجربته وإذا كانت هناك حاجة للتعديل والتغيير فيجب أن يتناغم مع ما هو قائم في العالم أجمع من «زيادة» عدد الدوائر لا تقليلها خاصة بعد الأمور السالبة الكبرى التي تمت مع عملية «التقليل والتكبير» وما رأيناه من نزول الجيش وقوى الأمن للشارع إبان العملية الانتخابية ووصول البلد للمرة الأولى في تاريخها لحافة الهاوية، ان خيار الدائرة الواحدة غير معمول به في «جميع» الديموقراطيات الأخرى عدا إسرائيل.

وإسرائيل للعلم بلد شديد التقدم اقتصاديا والتطور علميا والقوة أمنيا، إلا أنها شديدة الضعف والتشرذم سياسيا كأحد مخرجات نظام الدائرة الواحدة، حيث تمتلأ لعبتها السياسية بالفساد وعدم الاستقرار ـ رغم وجود الأحزاب ـ واختطاف التوجهات المتطرفة للقرار المصيري في الدولة، والعجب ممن لم يجعل من الإنجاز الإسرائيلي في الاقتصاد والبحث العلمي والتعليم والقوة العسكرية قدوته واكتفى بتقليد أسوأ ما فيها.

ومعروف أن كلفة الحملة الانتخابية قد ارتفعت ضمن الدوائر الخمس إلى ما يقارب 200 ـ 250 ألف دينار وبعملية جمع حسابية بسيطة نعلم أن التحول للدائرة الواحدة يعني أن كلفة الحملة الانتخابية لتغطية الكويت من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها ومدنها القديمة والجديدة ستصل إلى مليون دينار مما سيفتح الباب واسعا لأموال السفارات والمخابرات والقوى الاقتصادية الكبرى وسيمتنع بالتبعية الاكفاء والامناء عن الترشح ناهيك عن الفوز.

لقد ساهم تقليص الدوائر في اختفاء منطقة كبيرة ضخمة كالجهراء من التمثيل في مجلس الأمة ولا شك في أن التحول لخيار الدائرة الواحدة سيساهم في اختفاء مناطق وشرائح وطوائف وقبائل وتوجهات سياسية بأكملها ضمن لعبة سياسية يعتقد من يملك 51% أن من حقه الغاء حق من يملك 49%، لقد ضمنا قبل أيام لقاء على قناة «الصباح» وكان الضيف الآخر هو أحد مقدمي مشروع الدائرة الواحدة وقد أقر بأنه لا يملك أي دراسات أو أرقام عما سيحدث فيها لو طبق اقتراحه.. وهذا هو اللعب غير المسؤول بمستقبل البلاد والعباد ولّا بلاش.

آخر محطة:
 
1 ـ بدأنا وبحق نشك في وجود مخطط خارجي مدفوع الثمن يهدف لتدمير الكويت سياسيا بعد أن دمرت اقتصاديا تحت رايات ظاهرها رحمة وباطنها عذاب من قبل نفس القوى ونفس النواب القابضين فلا يمكن أن يصل الجهل بهم إلى هذا الحد.

2 ـ يتعلل البعض بوجود فوارق في أعداد الناخبين بين الدوائر كعذر للتحول للدائرة الواحدة ونقول إن تلك الفوارق أقل كثيرا مما هو قائم في «جميع» الديموقراطيات الأخرى التي تؤمن بأن الديموقراطية تتحقق بالتمثيل الشرائحي الذي يضمن تواجد جميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي والاقتصادي تحت قبة البرلمانات حتى لو تباينت الأعداد بين الدوائر.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *