سامي النصف

الشبرة والغرفة ومشروع الدولة الورقية

هناك ما يقارب الاتفاق على ان تخلفنا عن الآخرين قد بدأ قبل 30 عاما مضت، مما يأخذنا حسابيا الى العام 1979 او ما حوله، فما الذي حدث في ذلك العام؟ وما المفاهيم التي تغيرت في حينها فتحولنا من التقدم الى التندم ومن الريادة الى «الربادة» ومن الاخلاص للوطن للاختلاس منه؟!

مع عصر النهضة الكويتية الحديثة، تكونت في البلد مجموعتان اقتصاديتان ـ سياسيتان متنافستان اضيفت لهما بعد ذلك اذرع اعلامية ممثلة في جريدتي «القبس» و«الأنباء»، وقد اتفق على تسمية الفريق الاول بتجمع الغرفة بقيادة العم عبدالعزيز الصقر، والثاني بتجمع الشبرة بقيادة العم خالد المرزوق.

وكان تنافس المجموعتين يصب في مصلحة تنمية الكويت وتقدمها وتطورها، فقد انشأ رجال المجموعة الاولى البنوك كالوطني والشركات الرائدة كالناقلات، قابلها لدى المجموعة الثانية انشاء البنوك كالعقاري والشركات الرائدة كعقارات الكويت التي اقامت في حينها مجمعات اسواق لا مثيل لها في الخليج او المنطقة العربية، كما اعلن عن فكرة احاطة الكويت بـ 6 مدن لآلئ بحرية كانت ستسبق مثيلاتها بالمنطقة بما لا يقل عن 10 اعوام.

ومن نافلة القول التذكير بان المجموعتين المتنافستين لم تغلقا الطريق امام الآخرين لتكوين انفسهم وانشاء المشاريع الاقتصادية الخاصة بهم والتي تضيف لبلدنا الكثير، فبرزت اسماء مثل جواد بوخمسين ومبارك الحساوي وعيسى اليوسف وحسين مكي جمعة وشاكر الكاظمي والعشرات من الاسماء الناجحة الاخرى.

وما ان هدد قبل ذلك الطاغية عبدالكريم قاسم الكويت، حتى حشد الجانبان صفوفهم للدفاع عن بلدهم، فجزء استغل علاقته مع مصر والآخر مع السعودية، ولم يملأ احد سيارته بالوقود او يحول امواله للخارج استعدادا للرحيل، بل شوهد كبارهم وهم يحملون السلاح على الاكتاف ويتجولون ليلا بين المناطق تحسبا لغدر الزعيم الذي لا ينام ومن كان يسمي نفسه «ابوالمباغتة».

ان نكبتنا ونكستنا ابتدأت في ذلك العام 1979 ـ 1980 عندما أطّر ونظّر البعض لفكرة انتهاء دور تلك القوى الاقتصادية والسياسية، وبالتالي ضرورة خلق قوى سياسية ـ اقتصادية جديدة قام عملها في النهاية على الاقتصاد «الورقي» والمضاربات «المناخية» والتي اعتبرت الكويت بلدا زائلا لا يصح الإعمار والبناء فيه ومهدت للقبول بالتضحية بمصالحه وكينونته لاجل الولاءات البديلة، وبدأ منذ ذلك اليوم مشروع الدولة الورقية التي احترقت سريعا فجر الخميس 2/8/1990، والحديث ذو شجون.

آخر محطة:

انشأ رجال المجموعتين جريدتي «القبس» و«الأنباء» وقبلوا في الوقت ذاته ان تمثل ضمنهما جميع الآراء، ففي «الأنباء» كان خالد قطمة، رحمه الله، يطرز المقالات التي تشيد بالرئيس عبدالناصر بينما بدأت شخصيا الكتابة بـ «القبس» في يناير 1980 بسلسلة مقالات قوية تهاجم خط عبدالناصر ونهجه الثوري وتدخله في شؤون الدول العربية الاخرى.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *