ان ترك الخلافات ضمن المجتمعات الآمنة تكبر وتستفحل، ينتهي بأن تصبح اطرافها لا تطيق رؤية الآخر، لذا ما ان تقع حادثة بسيطة حتى تصبح اقرب لعود كبريت يرمى على حقل بارود، فيتفجر بركان الاحقاد الخافي وتشهد الشعوب المبتلاة حقبة جنون حقيقية تحفل بأحداث قتل وابادة وقطع رؤوس هي في العادة الاشنع في التاريخ الانساني.
وقد لاحظ علماء الاجتماع السياسي ان جميع القيم الانسانية تضعف وتقل قبيل او اثناء اشتعال الحروب الاهلية، فلا احترام للدول او لمؤسساتها الوطنية او للكبير او للجار، بل ان اول ما يقوم به الجار في تلك الحروب هو نحر عائلة جاره المنتمي للجماعة الاخرى كما تبدأ عمليات التهجير القسري والقصف العشوائي والتفجير الانتحاري بالتجمعات البشرية المنتمية للآخر الذي يجب ان يموت بشكل جماعي كي يحيا الطرف الأول.
وبعد سنوات من الجنون والقتل والحروب القائمة على الكراهية، تبدأ مقولات الانقسام والتشطير مثل: مادمنا لم نستطع تهجيرهم او القضاء عليهم جميعا فلماذا نشاطرهم الوطن؟ ولماذا لا ننشئ دولة جديدة تضمّنا نحن فقط على اراضينا تقوم على مبادئ الاصلاح والعدل والمساواة والرقي والتي توفر الثراء لجميع ابنائنا فـ «الآخر» دائما هو المسؤول عن الفساد والسرقة وتعطيل عجلة التنمية.. الخ؟
وضمن ثقافات الحروب الاهلية وتفعيل ايديولوجيا الكراهية والحقد، الاستحضار الخاطئ للتاريخ بهدف اعادة تشكيل عقول التابعين والمنضوين الذين يشبههم احد المختصين بأن عقولهم تضحي كالدار التي اغلقت ابوابها ونوافذها في وجه ما يقوله الآخر وفتحت كوة في سقفها لتتلقى فقط ما يقوله مسؤولوها الذين لو قالوا ان الشمس تشرق من الغرب لصدقهم الاتباع.
وللاعلام دور مؤثر في تلك الحروب الدامية الضارية بدءا من شعراء القبائل في عصور الجاهلية العربية او ممثلي المسارح المتنقلة في عهود حروب البروتستانت والكاثوليك ابان العصور الوسطى بأوروبا، او ما يأتي من الاذاعات ومحطات التلفزة «المؤدلجة» في الحروب الاهلية الحديثة، ويتساوى حامل الدكتوراه والامي في تصديق كل ما يأتي من وسائل الاعلام تلك دون مناقشة، فالحق كل الحق هو ما تقوله وسائل اعلام جماعتنا، والباطل كل الباطل هو ما تقوله وسائل الاعلام المعادية التابعة للشركاء في الوطن.
يتبقى ـ وهذا المهم ـ : اننا لا نعني بالمقال اننا على شفا حرب اهلية في الكويت، والعياذ بالله، الا ان علينا في المقابل ان نوقف على الفور عمليات تحريض بعضنا على بعض والتي تمتلئ بها الصحف ومنتديات الانترنت، وان نجرم عمليات نشر «ثقافة الكراهية» ضمن المجتمع الواحد وان نخلق عمليات انفراج واسعة في البلد، حيث قل ان ترى حضرا في دواوين ابناء القبائل والعكس بالطبع صحيح، ولا شك ان الحديث المتكرر عن التجنيس وازدواجية الجنسية مضر ولا يقل عنه ضررا الاستمرار في الانتخابات الفرعية المجرّمة التي يعلم الآخر انها تهدف الى اقصائه، والحديث ذو شجون، وحفظ الله الكويت واهلها من كل مكروه.
آخر محطة:
احد اخطاء اخوتنا العراقيين التي يجب ان نستفيد منها انهم لم يفعّلوا دور تنظيمات المجتمع المدني التي تضم دون تفرقة كل الوان الطيف الاجتماعي والسياسي العراقي. التخندقات القائمة هي اقرب للشرر الذي ان تجاهلناه كبر واحرق، وان «لحّقنا عليه» صغيرا سهل معالجته، ولم يفد النعامة قط اخفاؤها لرأسها في الحفرة.