سامي النصف

الجلوس في طائرة متجهة للأعماق

مع بداية الإجازة الصيفية المتأخرة هذه الايام واغلاق ابواب الصخب والاثارة في المبنى الواقع امام ساحة الارادة، نرجو للطيور المهاجرة ـ وما اكثرها ـ رحلات مريحة حيث مازال الطيران هو الوسيلة الاكثر امنا للنقل ولسبب بسيط جدا هو ان عالم الطيران يتعلم من الاخطاء والحوادث منعا لتكرارها وهي قضية لو طبقناها على الحياة السياسية في الكويت لكنا البلد الاكثر هدوءا وتقدما وانجازا في العالم بدلا مما نراه من تكرار اخطائنا حتى قيام الساعة!

لا يبحث الانسان عن الارخص عند صرفه نقوده لشراء حاجياته المختلفة او حتى عند اختياره لاماكن سكنه في اجازته رغم ان الخطأ في تلك الاختيارات ليس مرتبطا بقضايا الحياة والموت، اما عند الترحال فيبحث كثيرون عن الناقل الارخص سعرا حتى ولو بدينار او دولار واحد دون الاهتمام بقضايا السلامة رغم ان ذلك الاختيار قد يكون فيه الفارق بين ان تحيا او ان تصبح اشلاء مقطعة تبحث عنها الغواصات في اعماق المحيطات، ولا يعرف المرء خطأ اختياره عادة إلا في الثواني الاخيرة قبل الارتطام بالصخور او الغوص في اعماق البحور.

وللباحثين الجادين عن السلامة عند التنقل اليكم بعض نصائح الخبراء، ومنها ان تختار الشركة التي تنقلك، دون توقف، للبلد الذي تنوي زيارته حيث ان الحوادث تقع في الاغلب ابان لحظات الاقلاع والنزول لذا فكلما قلت محطات التوقف قلت معها فرص وقوع الحادث، كذلك فالرحلة النهارية اقل عرضة للحوادث من الرحلات الليلية المرهقة للطيار ولمراقبي الحركة الجوية.

وينصح الخبراء بالاستماع جيدا لارشادات السلامة قبل الاقلاع بل وينصحون بتكرارها قبل الهبوط بدلا من قراءة الجرائد و«الهذر»، كما ينصحون بأن يحفظ الراكب اقرب مخرج طوارئ له في الطائرة او حتى في الفندق حيث قد يضطر للوصول اليه في الاغلب دون رؤية بسبب الدخان، وينصحون كذلك بألا تضع اشياء ثقيلة فوق كبائن الرأس، كما ينصحون بربط الاحزمة طوال الوقت، فحتى الطيار لا يعلم احيانا متى تقع المطبات الهوائية العنيفة، واخيرا لا تشرب ام الكبائر على الطائرة فنقص الاوكسجين يزيد من تأثير الخمر المدمر ولن يستطيع الشارب ان يخلي الطائرة في اقل من 90 ثانية خاصة اذا كان لا يستطيع الوقوف اصلا.

ويعتقد البعض ان الاهتمام بالسلامة هو ترف مكلف يجب ان تختص به شركات الطيران المملوكة للدول وليس الخاصة، والحقيقة هي العكس من ذلك تماما فالشركات الحكومية تستطيع تحمل كلفة وقوع حادث، اما شركات القطاع الخاص فيكفيها حادثا مروعا واحدا لافلاسها كما حدث مرارا في الماضي حيث تتكالب عليها الكلفة المباشرة وغير المباشرة للحوادث التي تصل في بعض الاحيان الى عشرات الملايين من الدولارات وتزداد معها كلفة التأمين بصورة رهيبة، ومن يعتقد ان سلامة الطيران مكلفة فعليه ان يجرب كلفة حادث طيران واحد، فالسلامة اولا والسلامة قبل كل شيء!

آخر محطة:
ابان إحدى رحلاتي الاخيرة على احدى شركات الطيران العربية، عرفني مساعد طيار شاب بنفسه ثم اشتكى لي من ان حرصه على السلامة ودقة العمل جعل بعض قادة الطائرات يشكونه لمرؤوسيه الذين طلبوا منه بدورهم السكوت مهما شاهد ورأى، نصيحتي ونصيحة كل خبراء الطيران لكل الشركات العربية هي شجعوا المساعدين الشباب على الاعتراض بشدة على الاخطاء وساهموا في تقوية شخصيتهم بدلا من قمعهم فقد تكون تلك الجراءة والشجاعة هي الفيصل الوحيد بين الحياة والموت كما تخبرنا حوادث الطيران المتكررة ومن لا يتعلم من اخطاء غيره سيتعلم بعد دفع الدم الغالي من اخطائه الذاتية.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *