سامي النصف

اليمنية والإرباك القاتل

ضمن استراحة الجمعة التي خطها ه الرشيق الزميل والصديق د.محمد الرميحي على الصفحة الاخيرة لجريدة «أوان» وجه لنا تساؤلا حول الاسباب المحتملة لسقوط الطائ‍رة اليمنية، والحقيقة ان الوقت مازال مبكرا للجزم بالاسباب الحقيقية التي قد تتراوح ما بين خلل فني فادح وعمل ارهابي غير متوقع وبالطبع خطأ الطيارين المتجدد والذي يتسبب عادة فيما يزيد على 80% من حوادث الطيران.

أقلعت الطائرة المنكوبة من اليمن (142 راكبا منهم 66 فرنسيا + 11 طاقم) وتوقفت في جيبوتي ثم وصلت في ساعات الفجر الاولى الى مطار الأمير سعيد ابراهيم في جزر القمر وكان الجو صحوا، الا ان سرعة الرياح الجنوبية قاربت 60 كم/ساعة في غياب اجهزة النزول الآلي I.L.S على الممر 20 والتي تخفف عبء النزول اليدوي عن الطيار، خاصة أن عامل الارهاق يلعب عادة دورا كبيرا في المساعدة على ارتكاب الاخطاء غير المتوقعة.

ومن ذلك قد يكون الطيار قد تعرض ابان محاولته الهبوط للمرة «الثانية»، كما ذكر وزير النقل الفرنسي على ذلك الممر الصعب وضمن تلك الاجواء، الى ما يسمى عامل الارباك Spatial Disorientation الذي يجعله يفقد السيطرة على ذاته وحركته ومن ثم يمكن ان يتجه بالطائرة الى انحراف قاتل خطر ينتهي بها الى ان تهوي الى اعماق المحيط، خاصة أن الأمر لا يحتاج – في تلك الارتفاعات المنخفضة التي تسبق النزول او الاقلاع ـ إلا الى ثوان قليلة من الفعل الخاطئ وعدم الادراك المفاجئ.

وقد كان نفس السبب أي عامل الارباك المفاجئ للطيار هو سبب سقوط طائرة الايرباص الخليجية في 23/8/2000 في مياه الخليج وعلى متنها 143 راكبا، كما انه السبب الرئيسي لسقوط طائرة فلاش اير المصرية في 3/1/2004 بالبحر الاحمر وعلى متنها 148 راكبا منهم 139 فرنسيا بعد اقلاعها بدقائق، وجميع تلك الحوادث وقعت في ظلام الليل الدامس الذي يساعد على عملية الارباك لغياب الافق الحقيقي الواضح بالنهار والذي يساعد الطيار على معرفة درجة انحرافه.

وأحد الاسباب المهمة والملحوظة في تلك الحوادث هو عدم تدخل مساعد الطيار وهو يرى الخطأ القاتل يقع أمامه، وفي رحلة فلاش اير اكتفى المساعد عمر الشافعي وحتى المتدرب اشرف عبدالحميد بالاشارة للخطأ 3 مرات متتابعة قبل السقوط في البحر دون ان يفعلا ما تفرضه قواعد السلامة من اعطاء الامر للكابتن بالابتعاد عن الدفة وان المساعد هو من يتولى زمام القيادة عبر القول «I Have Control» وتصحيح المسار الخاطئ ثم معرفة ما اذا كان الكابتن يتعرض لإرباك طارئ بسبب الارهاق او ارباك دائم كحال اصابته بورم في الدماغ او مرض نفسي حاد وهي أمور اكتشفت في حالات مماثلة بعد انقاذ الطائرة.

ولا شك في أن الاعراف والتقاليد تلعب دورا مهما في هذا الصدد (التردد في مخالفة الاكبر سنا) وقد سبق ان تقدمت بورقة لاتحاد الطيارين الدولي المنعقد في زيوريخ عام 1984 حول هذا الامر بعد حادث الطائرة اليابانية التي اسقطها قائدها في البحر بداية الثمانينيات دون ان يتدخل المساعد، وحوادث ارباك الكابتن أو مساعده قد تحدث ولا يشعر بها احد متى ما قام الطيار الآخر بالتدخل الفاعل والسريع لإنقاذ الطائرة واكمال الرحلة بسلام.

آخر محطة:

(1) من المصادفات البحتة ان طائرة الايرباص 310 اليمنية المنكوبة هذا الصيف مصنوعة عام 1990 وهي نفس نوع وعمر الطائرة السودانية التي تحطمت ابان نزولها في مطار بورت سودان صيف العام الماضي، كما انها نفس نوع وعمر طائرة هابغ لويد الالمانية التي تحطمت قبل نزولها مطار ڤيينا بالنمسا صيف عام 2000.

(2) في عام 1980 أرسلت من قبل «الكويتية» وطيارين آخرين لتقرير ما اذا كانت طائرة الايرباص 310 افضل ام طائرة البوينغ 767، وكان قراري بعكس زملائي هو ان البوينغ افضل، بعد وقوع 9 حوادث للطائرة الاولى واثنين للطائرة الثانية، أظن أن قراري كان صحيحا آنذاك.

(3) سجلت قبل ايام لقاء مع الزميل محمد القحطاني حول سلامة الطيران سيعرض كما اخبرت في 7/7 على قناة «الصفوة» والقناة العامة في أوربت.

(4) بالنسبة للفتاة الناجية من حادث «اليمنية» قد تكون جالسة في المقاعد الخلفية الاكثر أمنا أو يكون للحظ أو الهدوء وسرعة البديهة دور في نجاتها.

(5) الحادث الحالي لـ «اليمنية» هو الأول في تاريخها مما يؤكد ما قلناه سابقا من ان عدم وقوع حوادث في الماضي لا قيمة له في علوم السلامة ولا يعطي أي دلالات مستقبلية.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *