كم مرة استمعنا جميعا من مخضرمي النواب ومن الخبراء الدستوريين لجملة «ان الاستجواب حق مطلق للنواب»، وكم مرة تساءل هؤلاء عن السبب في عدم وقوف رئيس الوزراء على المنصة ما دام الاستجواب حقا مطلقا خاصة انه كما يقولون لا يزيد عن سؤال برلماني مغلظ، فهل جميع تلك الاقاويل محقة وصادقة ام ان الامر على العكس من ذلك تماما؟
احكام المحكمة الدستورية الموقرة في تفسير نصوص الدستور نهائية وواجبة التطبيق، ومن ذلك حكمها الصادر في 9/10/2006 والذي اما انه يعلم به المخضرمون من نواب وكتاب ولا يصرحون به وتلك جريمة، واما انهم لا يعلمون وتلك جريمة أكبر، ويبدأ الحكم بالقول «لا يعقل ان يكون الاستجواب من غير ضوابط أو ان يكون حقا مطلقا لا يحوطه اي حد دستوري أو قانوني، وذلك تحت طائلة ان ينقلب هذا الحق الى ضده وفقدان صاحبه الحق فيه»، نذكّر بذلك من يدعي زيفا او جهلا أن الاستجواب حق مطلق للنائب لا ينازعه أحد فيه.
وقد وضع حكم المحكمة الدستورية 14 ضابطا للاستجواب لو جعلناها مسطرة للاستجوابات التي قدمت لسمو رئيس مجلس الوزراء، بل لاستجوابات العشرين سنة الماضية لما صمد واحد منها وهو ما يجعلنا نتساءل عن السبب الذي منع الحكومة من تحويل جميع تلك الاستجوابات للمحكمة الدستورية كي تبت فيها حسب حكمها السابق الصادر في عام 2006 وهو امر يدل على ضعف آليات دعم القرار الحكومي وقلة النصح الحكيم فيه.
فضمن ضوابط الاستجواب نجد انه ليس حقا مطلقا للنائب كما يشاع، بل «اذا أساء النائب حقه في الاستجواب فقد أحقيته به»، كما يرفض الحكم مقولة ان الاستجواب ما هو الا سؤال مغلظ بسيط لا ضرر منه، ويقول «يختلف الاستجواب عن السؤال البرلماني، حيث قد ينتج عنه طرح الثقة بالمستجوَب» كما يحذر الحكم التاريخي من ان «اللجوء المتكرر للاستجوابات يعد تضييعا لوقت المجلس وتعطيلا لأعمال الحكومة» كما ان في تكرار الاستجواب «خروجا عن مبدأ الرقابة الشعبية».
وفيما يخص من توجه اليه الاستجوابات هل هو رئيس الوزراء ام الوزراء، يصرح الحكم بالقول «لما كان اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة مجلس الوزراء دون أن يتولى اي وزارة فإن المسؤولية السياسية – والاستجواب احد آلياتها – انما تقع بصفة أساسية على عاتق الوزراء فرادى» اما مسؤولية رئيس الوزراء فهي عن «المسائل التي لأهميتها كانت موضوع بحث مجلس الوزراء»، وواضح ان الاستجوابات التي وجهت للرئيس لم تكن بالضرورة مواضيع بحث مجلس الوزراء بل كانت امورا في الاغلب اختص بها الوزراء المعنيون.
ويسترسل الحكم في اكثر من موضع لمنع عمليات التجريح الشخصي ضمن الاستجواب مما يسقط كثيرا من نتائج الاستجوابات التي قدمت فيما لو عرضت على المحكمة الدستورية الموقرة، كونها تضمنت الكثير من التعدي الشخصي والاتهام الكيدي لمن وجهت اليه الاستجوابات، كما يرفض حكم المحكمة ان يكون الاستجواب مجرد تسجيل للنقاط السياسية (أغلب أو جميع استجواباتنا لتسجيل النقاط السياسية) و«اذا كان للنائب حقه الدستوري بالاستجواب فإن للغير حقوقا قد تكون أولى بالرعاية والاعتبار» انتهى.
آخر محطة:
تكمن أهمية ذلك الحكم التاريخي في انه وبعكس لوائح وتشريعات وأنظمة الدستور قد أتى لاحقا لها وبعد تجربة وممارسة 44 عاما لذا فهو أدنى للأخذ والاستشهاد به من النصوص القديمة. يمكن لهذا الحكم ان يخلق آليات تطبيق ضوابطه عبر تفعيل دور مكتب المجلس لضمان تقييد جميع الاستجوابات المستقبلية به. لو احيلت استجوابات السنوات الثلاث اللاحقة لصدور حكم المحكمة الدستورية اليها، لوفرنا استقالة الوزراء وحل البرلمانات.