كيف ينفع الدواء متى ما فسد الملح الذي يعالج به؟! اذا كان فساد البلدية لا تحمله البعارين فإن الفساد الاداري في وزارة العدل تعجز عنه افيال الهند والسند مجتمعة، فتصديق الوكالة العامة او الخاصة الذي لا يأخذ في الدول الاخرى اكثر من 3 دقائق يحتاج في وزارتنا العتيدة الى مراجعة متواصلة لـ 3 ايام متتالية.
وتسجيل الاراضي والعقار الذي لا يزيد في الدول الاخرى عن انتظار يوم او يومين يحتاج في وزارة العدل الكويتية الى شهرين او ثلاثة اشهر من الانتظار والطلبات المتواصلة التي يفترض ان تطلب بشكل مسبق مع تقديم الاوراق، لا بعد ذلك بأسابيع او أشهر، والغريب اننا لا نسمع الا بانباء المطالب المالية التي لا تنتهي لموظفيها دون محاولة جدية لتحسين مستوى الاداء الوظيفي لهم.
ذهبت بالامس نحو الساعة الـ 11 للقسم المخصص لوزارة العدل في «الحكومة مول» لتوقيع عقد عمل كما تقتضي القوانين المرعية فإذا بـ «القيصر» الصغير الذي يفترض ان يعطي ارقام الدور للمراجعين قد قرر من تلقاء نفسه التوقف عن ذلك العمل رغم ان عدد المراجعين في الصالة لا يزيد على خمسة وباق على انتهاء الدوام اكثر من ساعتين وقد اخبرني احدهم بأن ذلك الموظف يقوم بذلك الفعل منذ الساعة العاشرة صباحا بقصد «تطفيش» المراجعين ثم يقوم بعد ذلك بفتح باب الدور (!)، كما لاحظت ان هناك عشرة موظفين آخرين لا يعملون شيئا على الاطلاق رفعت فوقهم لافتة «خدمات وزارة العدل»، والواجب التحول لمفهوم الموظف الشامل وجعل هؤلاء العشرة يقتسمون العمل مع زملائهم الآخرين.
وحتى لا يذهب اليوم سدى على هذه القضية البسيطة قررت الذهاب لمبنى وزارة العدل الرئيسي في مجمع الوزارات المجاور وهناك اخبرني شاب كويتي اسمر مسؤول عن توزيع الدور بأنه لا يستطيع اعطاء ارقام للمراجعين لكون «جميع» الـ 17 موظفا وموظفة العاملين في القسم قد تغيبوا دون عذر منذ الصباح كوسيلة لإطالة امد اجازة العيد الوطني والسفر خارج البلاد.
يقول رئيس وزراء ماليزيا السابق د.مهاتير محمد ان نهضة بلده قامت على تعزيز ما يسمى «الادارة بالزيارة» اي ارغام المسؤولين على ترك ابراجهم العاجية والنزول لمراكز العمل لمعرفة ما يفعله الموظفون من اباطرة وقياصرة وفراعنة بالبشر، واراهن شخصيا على ان موظفينا لا يعرفون شكل الوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدين حتى من بقي في موقعه لعشرات السنين لغياب التواصل والمراقبة والمتابعة بين المسؤول والعاملين لديه.
وهمسة لسمو رئيس مجلس الوزراء ان ذلك الاهمال والاذلال والفساد الاداري المتفشي في اروقة وزارات ومؤسسات الدولة هو ما يثير حنق المواطنين بشكل متواصل على الحكومة ويجعلهم يرفعون على الاعناق اي نائب يتصدى لها ويستجوب مسؤوليها، ويسقطون بالمقابل من يعلن اصطفافه معها، لذا فالحل الحقيقي للازمات السياسية المتكررة ينبع من العمل على الاصلاح من الجذور ونزع مشاعر عدم الرضا الدائمة لدى الناس.
وهمسة اخرى في اذن وزير العدل وباقي الاخوة الوزراء من الحاجة الماسة للالتفات للشق الاداري وليس فقط السياسي من العمل الوزاري عبر ضرورة تطوير مستوى الخدمات في الوزارات المختلفة وتعزيز احساس المواطن والمقيم بأن الخدمات الادارية تتجه يوما بعد يوم للافضل كما نرجو، لا للاسوأ كما نرقب.
آخر محطة:
يقوم على مشروع «الحكومة مول» اخوة افاضل غير مقصرين في عملهم الا ان بعض موظفي الوزارات المختلفة العاملين هناك هم اساس البلاء والفوضى وتعطيل المصالح ومن ثم التسبب في قتل مشروع «الحكومة مول» الواعد.