عندما يختلف العرب فإن أول ما يضحون به هو الحقيقة، وهذا تماما هو ما تم في الخمسينيات ابان الصراع القومي ـ الإسلامي، حيث اتهم الاسلاميون القوميين بأنهم من ثار واسقط الدولة العثمانية رغم ان السلطان العثماني عبدالحميد الثاني هو من رفض بيع فلسطين لليهود، اي بمعنى تحميل القوميين ممن كانوا يرفعون شعار تحرير فلسطين آنذاك مسؤولية ضياعها.
كان العرب تاريخيا الأكثر اخلاصا للدولة العثمانية من باقي رعاياها وفي 27/4/1909 أفتى شيخ الإسلام التركي محمد ضياء الدين بجواز خلع السلطان عبدالحميد مما جعل جمعية الاتحاد والترقي الطورانية المسيطرة على مجلس الأعيان ترسل وفدا من اربعة اعضاء هم ايمانويل قراصو وآرام واسعد طوبطاني وعارف حكمت لإبلاغ السلطان قرار الخلع، والملاحظ ان الوفد تكون من ممثلين عن القوميات المكونة للدولة العثمانية ولم يكن بينهم عربي واحد.
قام الاتحاديون بعد ذلك (وقبل اتاتورك بسنوات) بتوجيه الدولة وجهة قومية تركية لا دينية واستهدفوا خلالها العرب بالاضطهاد والعنصرية والاحتقار وتم عزلهم من المناصب وكان آخر ذلك عزل وزير الاوقاف العربي واستبداله بتركي، واوقفوا العمل باللغة العربية وقد حاول بعض الزعماء والضباط العرب اواخر 1909 التوجه للاستانة وحل الاشكال الا انهم اهينوا من قبل بعض غلاة الاتحاديين امثال احمد اغايف ويوسف قسورة مما قضى على آمال المصالحة بين الترك والعرب.
وأنشأ الاتحاديون جمعية طورانية عظمى سموها «ترك اوجاغي» جعلت غايتها محو الإسلام وتتريك العناصر العثمانية وقد تفرع عنها عدة جمعيات منها «ترك يوردي» لتطهير اللغة التركية من الكلمات العربية، كما قررت نزع اسماء الصحابة من الجوامع كونهم عربا كما طعنوا من على المنابر في الخلفاء الراشدين وساهموا في نشر كتب الكفر والإلحاد في الدولة مما آذى شعور العرب المحافظين.
فما أن اعلنت الحرب الأولى في اغسطس 1914 حتى اصطف العرب، رغم ما جرى، خلف الاتحاديين الحاكمين في الاستانة وارسل جمال باشا السفاح (علي كيماوي عصره) الى بلاد العرب بعد تدبيره مذابح الأرمن في أضنة فنصب المشانق للأحرار وتسبب في مقتل مئات الآلاف من العرب عبر عمليات التهجير القسري والمجاعات التي اختلقها وقد اتهم العرب بالخيانة لتبرير التنكيل بهم بينما كشف البلاشفة بعد ثورة 1917 عن رسائل سرية ارسلها السفاح لقيصر روسيا يعد بها الحلفاء (الأعداء) بأن ينحاز لهم لقاء القبول به ملكا على الشام والعراق ولأبنائه من بعده، وليست بعد تلك الخيانة العظمى خيانة.
لذا قرر من نجا من مذابح السفاح التوجه للحجاز وإعلان الثورة من هناك تحت راية الشريف حسين ومما جاء في نص خطاب الشريف للاستقلال والانفصال عن حكومة الاتحاديين «ان صحيفة «الاجتهاد» الاتحادية وصفت سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأنها شر سيرة (!) وان الحكومة الاتحادية ألغت قوله تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين) فساوت بينهما في الميراث، وانها امرت جنودها في المدينة ومكة والشام بإفطار رمضان للمساواة بينهم وبين المقاتلين على حدود الروس وفي ذلك هدم لأحد اركان الإسلام الخمسة» كما عدد جرائم الاتحاديين ببيع اراضي ودول الإسلام في البوسنة والهرسك لحكومة النمسا واراضي طرابلس الغرب وبرقة ومقدونيا وجزيرة كريت وجزر الارخبيل للإيطاليين.
آخر محطة:
قام الاتحاديون بعد يوم من خطاب الشريف حسين بإطلاق المدفعية على الكعبة المشرفة فوقعت احدى القذائف فوق الحجر الأسود والثانية تسببت في التهام النار لأستار البيت حيث هرع آلاف المسلمين لإطفاء لهيبه وهم ينتحبون، وسقطت القذيفة الثالثة على مقام ابراهيم گ فهل يجوز الترحم على ذلك الحكم الطوراني (لا العثماني) المتعصب وهل يلام العرب على الثورة عليه؟!