سامي النصف

المفاوض الكويتي في «الداو» وغيرها

قرأت ذات مرة ان الكويت تخسر سنويا ما يزيد على 600 مليون دولار بسبب ضعف قدرات المفاوض الكويتي مقارنة بالمفاوض الآخر وهو أمر سيبقى ما بقيت التعيينات الحكومية ـ وحتى الخاصة ـ في المراكز القيادية التي لا تعتمد على الذكاء والكفاءة والقدرة بل على التوجهات السياسية والانتماءات الاجتماعية.

واشكالات المفاوض الكويتي تنبع من شقين، الأول ضعف قدراته الذاتية وقلة احترافه وندرة القراءة والاطلاع لديه وفقدانه لعنصر التحضير الجيد الذي يحتاج لسهر الليالي في الاعداد لمثل تلك اللقاءات، الشق الثاني سببه الغرور الزائف لدى المفاوض الكويتي الذي يجعله لا يستعين بالمستشارين الاجانب شديدي الاختصاص والاحتراف وحتى ان فرضت عليه الاستعانة بهم يقوم عادة بتجاهل توصياتهم او العمل على النقيض منها كي يظهر نفسه بأنه افضل منهم.

ومن الأمور المهمة التي ساعدت على ديمومة ظاهرة ضعف المفاوض الكويتي ان احدا لا يحاسبه قط متى ما اخفق في عملية التفاوض التي قام بها او تسبب ضعفه في جعلنا ندفع اضعافا مضاعفة مما يدفعه المشترون او الشركاء الآخرون خاصة في غياب فهم لحقيقة الطرف المقابل شديد الاحتراف والقدرة كونه يستخدم اذكى الناس ويقوم بعمليات بيع وشراكة طوال الوقت بينما لا يمارس الطرف الكويتي عملية التفاوض الا مرة كل عقد من الزمن.

وأذكر في هذا السياق ما قاله لنا مستشار اجنبي مختص بتخطيط الاساطيل وشراء الطائرات تستعين به عادة شركات الطيران الكبرى عند تفاوضها مع الشركات المصنعة للطائرات كاعتراف منها بمحدودية قدرتها على الحصول على افضل الاسعار والمزايا من ان شراء طائرة واحدة يحتاج الى ما يقارب العام من التفاوض وتبادل المعلومات والتحقق منها، بالمقابل قام مسؤول مواصلات سابق بقيادة عملية تفاوض مع الشركات المصنعة للطائرات بعد عملية اعداد وتحضير لم تتجاوز نصف الساعة كاد الفنيون الحاضرون معه ان يذوبوا على كراسيهم خجلا مما يشاهدون ويسمعون وانتهى الأمر بفضيحة كبرى وخسارة المال العام لـ 2.2 مليار دولار وتدمير مؤسسة عريقة عامة ومعها سمعة الكويت التي لم تعد تحترم في المنتديات الدولية.

وأحد الأسباب الرئيسية لنجاح الكويت في الستينيات ان وزراء ونواب تلك الحقبة كانوا يعترفون بمحدودية قدرتهم امام المتغيرات السريعة التي يمر بها البلد، ما جعلهم يستمعون لنصائح المستشارين الأجانب الذين تم احضارهم لمساعدتهم وهو ما خلق النهضة الكويتية الباهرة آنذاك في كل المجالات، وكان نواب الأمة يستمعون للخبراء والمستشارين الدستوريين المتواجدين في الجلسات وتحت قبة البرلمان ولم تبدأ النكبة الا عندما استغنينا في امورنا عن المختص وسلمناها للجاهل.

وقد ضمني ذات مرة مجلس كان متواجدا فيه مستشار يعمل في احدى الشركات الاستشارية العالمية الكبرى وقد انتقدت توصيتهم فيما يخص احد المشاريع فقال ان جميع دول العالم تستعين بنا وتستمع لاستشاراتنا وتوصياتنا وإلا لماذا تم احضارنا ودفع المبالغ الباهظة لنا ماعدا دولتكم، حيث يتم تقييد أيدينا ورفض جميع توصياتنا ماعدا مسارا واحدا يطلب منا التوصية به وهو ما نقوم به بعد ان نضيف جملة «عدم مسؤوليتنا عن تلك التوصية».

آخر محطة:
بعد مقترحه الرائع الأخير، نقترح قيام عملية تبادل أسرى مع العراق الشقيق نسلمهم خلاله المجاهد الأكبر مبارك البذالي ونتسلم منهم ابنه القاصر المغرر به.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *