سامي النصف

المقالات الاقتصادية

الزوبعة الاقتصادية المالية التي تعصف بالعالم هي أشبه بعاصفة هوجاء اسقطت 200 شخص (أو دولة) في البحر، الجميع سقطوا في الوقت ذاته إلا أن خروجهم من الماء سيختلف طبقا لاختلاف القدرات بين شخص وآخر فالرياضي ومن يجيد السباحة سيخرج سريعا وسيتلوه من هو أقل قدرة قليلا منه وقد يبقى في اليم للأبد من ترهل فكره وجسده ففقد القدرة على العوم.

في أواخر التسعينيات سقطت جميع دول شرق آسيا في بحر الأزمة الاقتصادية وقد خرجت منها سريعا سنغافورة ثم ماليزيا وهكذا حتى انتهت بخروج إندونيسيا، إلا أنها نجت في النهاية كونها جميعا أمما تعرف السباحة ويقوم عملها على اقتصاديات راسخة وقوية ولا تأنف من مساعدة الآخرين لها على الخروج من أزمتها.

وعليه نعلم وبشكل مسبق أن الولايات المتحدة وأوروبا ودول شرق آسيا ستخرج من الإثقال المالي خلال أشهر أو سنوات قليلة كونها تملك اقتصاديات حقيقية ولن يدفع ثمن الأزمة إلا دول الاقتصاد الورقي أو الريعي القائم على مورد واحد تنخفض أسعاره مع كل إشراقة شمس.

ولو نظرنا للخليج لوجدنا أن دوله ستتفاوت في عملية الخروج بل اننا رقبنا ذلك التفاوت في مؤشرات البورصات الخليجية، حيث تحول البعض منها للأخضر والبعض الآخر حافظ على درجة نزول معقولة والبعض الثالث على درجة انحدار قوية ومؤشرات حمراء طوال الوقت ومعروف أن البورصات هي في نهاية الأمر انعكاس لأداء الاقتصاد العام وحسن أداء إدارات الشركات المختلفة.

ففي السعودية على سبيل المثال هناك اقتصاد حقيقي يقوم على مناطق صناعية ضخمة في الجبيل وينبع ومنتوجات زراعية وحيوانية وألبان تصدر لمختلف أنحاء العالم، إضافة إلى النجاح في تحويل السياحة الدينية من موسم حج قصير إلى موسم حج زاخر طوال العام عبر توسعة المناسك إضافة إلى تشجيع عمليات السياحة والاستثمار بشكل حقيقي في البلاد.

وإذا ما نظرنا إلى الإمارات وقطر والبحرين وعمان نجد عمليات تحول جادة لدول المركز المالي العالمي عبر الاستعانة بالخبراء الدوليين وتقليل البيروقراطية وترسيخ الاستقرار الأمني والسياسي وإنشاء شركات طيران (حكومية) تملك مئات الطائرات لإحضار عشرات المليارات من السائحين والمستثمرين للدول المعنية ومن ثم إن نجح مشروعهم بالاستغناء عن النفط عبر تشجيع الموارد البديلة كان بها أو يكفي أنهم قاموا بمحاولات شديدة الجدية في هذا الشأن.

يبقى بلدنا الذي توقفت المشاريع الحكومية به منذ عقود بسبب المشاحنات السياسية التي لا تنتهي والاتهام الدائم بأن في كل مشروع سرقة وفي كل تحرك خطأ، ثم امتد مشروع إيقاف المشاريع إلى القطاع الخاص، حيث سنت قوانين «الحقد والحسد» الشهيرة فهربت الأموال الكويتية من الكويت وتوقف البناء والتعمير ولم يبق لنا إلا اقتصاد ورقي زائف لا صناعة ولا زراعة ولا خدمات فيه مما يهدد ببقائنا في بحر الأزمة الاقتصادية إلى أجل غير معلوم بعد أن فقدنا القدرة على العوم الذي كنا الرواد والسباقين فيه.

آخر محطة:
من الأمور المضحكة المبكية التي سيحاسبنا التاريخ عليها أن كل المتغيرات السياسية والكوارث الاقتصادية لم توقف للحظة عمليات الابتزاز والهدم والتشاحن السياسي الذي لا يتوقف لدى أهل بيزنطة الحديثة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *