سامي النصف

استراحة منتصف الأسبوع

بعيدا عن الهم المحلي بودي أن نتطرق لما يحدث على حدودنا في العراق والفارق بين ما عمله الجنرال دوغلاس مكارثر في اليابان، وأدى الى وصولها الى ما هي عليه الآن وبين ما عمله بريمر ومن سبقوه، وأدى كذلك الى ما وصل اليه الحال في العراق هذه الأيام.

وصل مكارثر لليابان بعد سقوطها عام 45 وكان الوضع أسوأ كثيرا من حال العراق، فقد دمرت بالكامل وضربت بالقنابل النووية وعدد سكانها يتجاوز الثمانين مليونا دون أي موارد مالية أو مواد خام، ولم يكن هناك غذاء أو دواء بالمطلق، كما أن الثقافات العامة لم تكن تتقبل الغريب أو المفاهيم الدولية السائدة.

كانت أول برقية أرسلها مكارثر لواشنطن هي: ارسلوا اما طعاما لليابانيين أو رصاصا كي اقتلهم واخلصهم من عذابهم.

كما قرر الجنرال ان يعلم الشعب الياباني ما حارب ضده ـ أي الديموقراطية ـ حتى بالقوة، لذا خلق خلال اسبوع من وصوله دستورا للبلاد، ولما رفضه البرلمان الياباني أو ما تبقى منه قام بفرض تلك التعديلات عليه بالقوة ودعا لانتخابات جديدة تشارك بها المرأة للمرة الأولى في تاريخها وأعطى البرلمان صلاحيات وحريات متدرجة حيث لم يسمح في السنوات السبع الأولى 1945 ـ 1952 بنقد الاحتلال أو رفض الاصلاحات الجديدة.

واستخدم مكارثر الامبراطور شبه المقدس لتمرير قوانينه الاصلاحية للشعب الياباني وأبقى الاحتلال المباشر الذي فرض من خلاله ثقافة الانفتاح وعشق نمط الحياة والأكل الاميركي ومشاهدة الافلام الاميركية، ولم يكتف بإحضار الادوات الزراعية والصناعية من أميركا لإشغال الشعب الياباني بما ينفع، بل استورد معهم اليابانيين الاميركان، وعلم الشباب الياباني البايسبول وكرة السلة وكرة القدم الاميركية واحترام النساء كما طلب من الجنود الاختلاط الايجابي مع اليابانيين ومساعدتهم على تعلم اللغة الانجليزية والصــناعة والزراعة.

وقد أطلق سراح الجنود والاسرى اليابانيين الذين يتجاوز عددهم 5 ملايين جندي وساعدهم على الانخراط في عمليات البناء والتعمير، كما أرسل المتعلمين منهم للقرى الصغيرة مع الاميركان واليابانيين الاميركان لتعليمهم أصول الديموقراطية والحياة الجديدة، وقد حرص على الحفاظ على الانضباطية اليابانية وكل ما يمس حب الحياة من ثقافات وأعمال كالغناء والرقص الفلكلوري والمسرح.

وقد أرسل اليابانيين للشوارع لإقناع الناس والمارة بأن لا عيش مع التقاليد والعادات البالية التي يسود عليها حب الحروب في الداخل والخارج، كما فرض على البرلمان تشريعا لا يقر التسلح أو استخدام الجيش الياباني في الحروب كما طلب من الجنود الأميركان ان يكونوا في أجمل صورهم عند نزولهم للشوارع (Good Looking American) لذا فما انتهت السنوات السبع العجاف مع بداية عام 52 حتى كانت هناك ثقافة يابانية جديدة ساهمت بتعمير بلدها ومنعته من الحروب خلال النصف قرن اللاحق.. أين لنا بمكارثر آخر في العراق!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *