سامي النصف

الطيور المهاجرة وعبداللطيف الشميس

الشعوب العربية لها أصول واحدة وإن اختلطت دماؤها بشكل رائع وجميل مع الشعوب الأخرى المجاورة والبعيدة، فتعددت أشكال وألوان شعوبنا العربية من البياض الى السمار وحتى السواد، ومعها ألوان الأعين من اللون الأسود الذي في طرفه حور الى البني والأخضر والرمادي وحتى الأزرق الميتاليك.

كما تباينت العادات والصفات والتقاليد، فقد اشتهر ـ على سبيل المثال ـ عن المصريين والسعوديين تاريخيا عدم حبهم للهجرة والأسفار الطويلة، وعكس ذلك عند الشوام بشكل عام، والمغاربة واليمنيين والخليجيين وعلى رأسهم الكويتيون، إلا ان السنوات الأخيرة شهدت تغيرا ملحوظا ببعض تلك الصفات والخصائص.

أما الكويتيون فعكس الشوام والمغاربة واليمنيين، حيث توقفوا عن الهجرة وبدأوا بالتقوقع ضمن المساحة الجغرافية المحدودة لبلدهم، كبارهم قبل صغارهم، وتجارهم قبل معوزيهم، وحتى من فرض عليه عمله السفر للخارج بقي في محيط ضيق لا يختلط فيه بالآخرين، ولا يتنافس مع المتنافسين في الحصول على رزقه خارج وطنه، معتمدا بالكامل على أمه الرؤوم (الحكومة) التي توفر له العيش الرغيد من المهد إلى اللحد في بلده أو خارجه.

وفي زيارتي قبل أيام لقاهرة المعز لحضور معرض الكتاب السنوي وأثناء تجوالي في قلب البلد على بعد خطوات من مكتبتي مدبولي والشرق لفت نظري لافتة كتب عليها «مكتب عبداللطيف الشميس» وتذكرت على الفور ان احدا من الكويتيين كان لا يزور القاهرة في الستينيات دون التنسيق مع مكتبين عقاريين يوفران الفلل والشقق المفروشة للعائلات الكويتية، وهو النهج السائد آنذاك، هما مكتب المرحوم خليفة العسعوسي ومكتب العم عبداللطيف الشميس.

دلفت الى مبنى العمارة وصعدت الى الطابق الثاني لأجد مكتبا فسيحا به موظفون يعملون وسكرتارية ويقوم على رأسه رجل جليل هو العم عبداللطيف الشميس الذي روى مختصرا لقصة حياته التي تستحق ان تكون درسا وعبرة لأجيال ناشئة أصبحت تخشى المخاطرة وتعف عن المنافسة وتبتعد عن المجازفة، معتمدة كليا على مطالب لا تنتهي من الدولة لتوفير الدخل المالي دون عناء ثم بعد الحصول عليه يطالبون بالمزيد منه.

لقد بدأ العم عبداللطيف الشميس عمله التجاري في دبي ثم تاجر مع إيران وأتبعها بالسعودية، ثم استقر عام 1961 وحتى اليوم في مصر الحبيبة، حيث أضاف في حينها لعمله العقاري إنشاء شركة سينمائية اسمها «شميس فيلم» كانت تختص بتوزيع الأفلام المصرية، ومن يتابع أفلام الأبيض والأسود يجد ان كثيرا منها يشير الى ان حق توزيعه في العالم محصور بتلك الشركة او بشركتين اخريين إحداهما كويتية والأخرى للبناني هو صبّاح اخوان، ومازال العم عبداللطيف الشميس مستقرا في القاهرة حتى اليوم يدير منها أعماله بكفاءة واقتدار، حيث يشرف مكتبه على ادارة كثير من الأملاك الخاصة، اضافة بالطبع للأعمال الأخرى المنوطة بالمكتب.

آخر محطة:
كان بإمكان الأميركان والانجليز في العراق ان يتعلموا من الهجرات والغزوات العربية، فقد اشتهر عن العرب عدم مضايقتهم لسكان البلدان الأصليين في سكنهم بل يتم إنشاء مدن بديلة وجديدة يقيمون بها مثل بغداد والقاهرة والفسطاط وغيرها، وهو ما جعل شعوب تلك البلدان لا يتضايقون من القادمين الجدد ولا ينشئون حركات تحرر مقاومة لهم.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *