وصلت يوم الاثنين الماضي لديوان البابطين العام في النزهة متأخرا وكان رواد الديوانية قد غادروا ولم يبق الا احد السفراء العرب والذي كان يروي قبل مغادرته قصة قصيدة قالها في احدى الدول الثورية الثرية عندما كان يعمل بها والمبتلاة بنظام اباد الزرع والضرع وقتل الناس وكان السفير الفاضل يضطر للسفر للخارج لاحضار ضرورات الحياة كالخبز والزيت والبصل والطماط المفقودة هناك، وقد سعدت بأنه لم ينشر تلك القصيدة العصماء الجميلة على العلن في حينها والا كان قد اختفى كما اختفى كثيرون قبله ولقيل انه على الارجح قد استقل الطائرة الى روما وفقد الاتصال به بعد ذلك.
بقيت بعد ذلك مع الاخوين العزيزين عبدالعزيز وعبدالكريم البابطين نتبادل الحديث عندما اتى مبعوث يبلغهما بعزم فخامة رئيس جمهورية جزر القمر الصديقة زيارة الديوان رغم قصر مدة اقامته في البلاد، وقد حضر فخامته ومعه جمع من الوزراء والمرافقين من الديوان الاميري للديوان وكشف لنا منذ الوهلة الاولى انه من اصول يمنية ويتحدث العربية بطلاقة كما انه يعشق الشعر والادب مما فتح المجال واسعا للحديث الشائق معه والذي استمر ما يقارب الساعتين وقد قرر فخامته زيارة مكتبة البابطين للشعر العربي ان اتاح له الوقت ذلك قبل مغادرته صباح الامس.
وقد قرر الاخ عبدالعزيز البابطين في التو واللحظة بعد اعتذار فخامة الرئيس عن قبول دعوة الغداء في اليوم التالي نظرا لمغادرته البلاد ان يقدم بدلا منها تبني مؤسسة البابطين تدريس 10 طلاب من جزر القمر في اي تخصص يريدونه كالطب والهندسة والادب العربي واصول الدين من البدء حتى انتهاء رسالة الدكتوراه ثم يتلو بعثة العام الاول ارسال 5 طلبة من الجزر كل عام للدراسة في الخارج كحال سابقيهم العشرة وقد لقي هذا الكرم الكويتي الحاتمي استحسان الحضور وسعادة الوفد المرافق.
وقد جلست أتمعن فيما يقوم به هذا الفارس الكويتي الذي يخجلك بتواضعه واريحيته ونخوته وكرمه وحسن ملاقاته للآخرين فلم يكن هناك في الديوان ما يضطره للقيام بذلك العمل الخيري الانساني الرائع من حر ماله والديوان يخلو من الحضور وأعلم جيدا ان بوسعود اعتاد القيام بمثل تلك الاعمال الانسانية عند زيارة الآخرين له في ديوانه ويقوم بها كذلك عند زيارته للآخرين في دولهم.
ورغم ايماني بحسن نية من طعن بالبابطين بدلا من ان يشكره ويثني عليه خاصة انه بمثابة وزارتي خارجية واعلام كويتيتين شعبيتين قائمتين بذاتهما الا ان الحقائق الجلية تظهر مقدار الظلم الذي تعرض له ذلك الرجل العاشق لبلده وشعبه فالدولة على سبيل المثال في الكويت وغيرها تعطي كل من يرغب في بناء مشروع تنموي كمستشفى او مدرسة او جامعة او اسواق خاصة اراضي عامة يستغلونها وتحقق لهم عوائد مالية من تلك المشاريع وهو امر جيد سبق ان اثنينا عليه الا ان السيد البابطين بالمقابل قد استخدم الاراضي المستأجرة من الدولة لا لاقامة مشاريع تجارية بل لانشاء مكتبة عامة فريدة في الوطن العربي والعالم ترفع اسم الكويت عاليا دون مردود مالي منها بل على العكس من ذلك فهو من يشتري في كل يوم الكتب والمخطوطات الثمينة لها وهو من يدفع كذلك رواتب عشرات الموظفين واجهزة الانترنت فيها.
وفي انتظار وصول فخامة الرئيس استغللت الوقت لأسأل بوسعود اسئلة اكتشفت كم المغالطات التي اصابته، فالوقف الذي حكي عنه يبقى لوزارة الاوقاف لا للبابطين وارض الحديقة العامة سيتكفل هو بها وبالنصب التذكاري مع بقائها بالكامل ملكا للدولة بدلا من مخالفة القوانين المرعية وتحويلها الى عقارات اسمنتية يستفيد منها البعض المؤجج، كما ان عبدالعزيز البابطين وبعكس ما اشيع عنه لا يملك شركة الوقود بل اسهما قليلة فيها لا تزيد عما يملكه اي مواطن آخر.
في الختام بودنا ان ينتهي الإشكال ولربما سوء الفهم القائم بين ذلك الرجل الفاضل وبين من تعرض له بحسن نية قاصدا مصلحة الكويت التي هي بحاجة ماسة لدعم اهل الكرم والشجاعة والنخوة ممن يشرفون بلدانهم وشعوبهم، ولاشك في ان بوسعود هو احد هؤلاء الفرسان ممن تستحضر فيهم ذكرى عصورنا الذهبية الجميلة.