في الثمانينيات قامت مجاميع إرهابية بزرع قنبلة صغيرة هنا أو هناك، ولم يتضرر الاقتصاد بشكل مباشر من مثل تلك الأعمال، إلا أن البلد أغلق تحت حجة ان الأمن أهم من الاقتصاد، وبذا حققنا للارهابيين ما أرادوا بأسهل الطرق، مما جعل من يقف خلفهم يدفعهم للمزيد من العمليات التي تؤدي للمزيد من الإضرار بالنفس.
إذا كان من الخطأ الفادح وضع الاقتصاد أمام الأمن وخلق معادلة غير عادلة توجب علينا اختيار أحدهما، فإن وضع السياسة أمام الاقتصاد كما ترى قلة من النواب وان لا مانع من تدمير الاقتصاد الوطني والاضرار بمئات آلاف المواطنين عبر تبخر مدخراتهم وأموالهم لتحقيق مصالح سياسية، أمر لا حكمة فيه.
فالاقتصاد ليس زوجة ثالثة أو رابعة بعد الأمن والسياسة، وما زلنا نذكر أن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، الذي حقق أكبر نصر في تاريخ أمريكا عام 91 دون خسائر والذي وصلت شعبيته في ذلك العام الى أرقام غير مسبوقة، قد سقط في انتخابات 92 بسبب تباطؤ الاقتصاد الأميركي حاله كحال السياسي الأكبر ونستون تشرشل الذي خلق انتصار الحلفاء في الحرب الكونية الثانية وسقط فور انتهائها بسبب عدم الرضا عن خطته الاقتصادية.
إن خسائر البورصة الكويتية في شتاء 2006 قد فاقت خسائر العدوان الاسرائيلي على لبنان في صيف هذا العام، كما أن أعداد متضرري انهيارات البورصة تفوق بآلاف المرات أعداد معسري الديون الاستهلاكية مع فارق ان الاخيرين تضرروا بمحض اختيارهم، بينما لا يد لمتضرري البورصة فيما حدث بها.
إن إبداء حسن النوايا بين السلطتين هو طريق ذو اتجاهين، واذا ما أشعلت الحكومة أصابعها العشرة لتلبية مطالب المعارضة من التحول للدوائر الخمس وقانون المتقاعدين والمنحة الأميرية، فالواجب أن تبدي كتل المجلس وأفراده حسن نوايا مقابلا، عبر عدم احراج الحكومة في قرارات تجعلها في مواجهة مع الناس أو تقوم بالمقابل بالاستجواب الظالم لوزرائها.
إن الفهم الصحيح لمرحلة كويت المركز المالي يعني دورا أكبر للقطاع الخاص والاستماع لملاحظاته فيما يخص التشريعات الحكومية المعرقلة والتصرفات المحبطة، وليس فقط الاستماع لوجهة نظر بعض الدوائر الحكومية ضده، فذلك طريق ذو اتجاهين ايضا.
لقد انتهى الى الأبد عصر «التأميمات» الذي دمر الاقتصاديات العربية عبر نقله الملكيات الخاصة للإدارات الحكومية، ونرجو ـ وقد خرج ذلك النظام البائد من أبواب الدول الأخرى ـ ألا يدخل علينا من النافذة، إن شركات القطاع الخاص وخاصة الناجحة منها التي تستثمر أموالها في بلدنا، والتي خلقت لنا المشاريع التي تحلم بشيء قريب منها الدول الاخرى كالمطار والكوت وسوق شرق والمارينا السوق والفندق وماجيك وايفنيو وغيرها، بحاجة الى الدعم والمؤازرة بالقول والفعل لا التضحية بها على مذبح اللعبة السياسية فتخرج الأموال وتخرج معها فرص العمل ويضيع مستقبل أبنائنا.. فالحكمة الحكمة.