محمد الوشيحي

أبشروا ببيض الصعو

 

بعد غياب طال قليلاً، عليّ أنا أكثر ممن سألوا مشكورين عن أسبابه، ها أنذا أعود لأمسك القلم الذي لم يعرفني للوهلة الأولى، فتمنّع وتدلّع، ثم قاوح، ثم في محله راوح، وحرنَ كما تحرن حمير البصرة، وفعل كما يفعل تجار البخور «البهرة» (1)، فلم يعرض بضاعته الثمينة أمامي كما اعتاد واعتدت، بل أشار إلى ما هو معروض للعامة وعابري السبيل وهو يتثاءب: «دونك المفردات هذه… التولة بربع»، فنهرْته ومن ياقة قميصه جررته: «يا ابن الكربون الملعون، هل أنا مضطر إلى إظهار بطاقتي المدنية كي تعرفني… افتح حقائبك المخبوءة، فلا شيء يميزك عن أبناء عمومتك الأقلام إلا ما في حقائبك التي لا يعرف طريقها إلا القلة، افتح خزائنك وانثر أمامي ثمينها، ولا تخف، فأنا من هواة الدفع نقداً وفوراً».
وبعد لأي شديد وتفحّص أشد… هداه الله ففتحها، فانتقيت وكتبت:
لطالما سمعنا عن سيطرة بعض اللصوص على الحياة السياسية، عبر خوضها والنجاح فيها بسهولة مهولة، أو عبر استخدام «الجراوة» التي تبرك عند أقدامهم كلما ضربوا بأيديهم على الأرض وهم يرددون لها: «قيس قيس قيس قيس»(2)، فيمسحون على رؤوسها، ثم يرمون لها العظام فتهرول لتلتقطها… كل هذا لتنبح تنبيهاً لهم أو دفاعاً عنهم.
ولطالما سمعنا عن غسل الأموال في الكويت، وكنا نظن أن القبض على «الغسالين» والرشاة والمرتشين في هذا البلد «مثل بيض الصعو»، نسمع عنه ولا نراه. وأنا أتحدث عن الكبار لا الصغار.
أما بعد أن نشرت جريدة «القبس» خبر النائبين اللذين حصلا على 25 مليون دينار (نحو ثمانين مليون دولار) بطريقة فيها «إنّ» فللموضوع تتمة. واللغة العربية تؤكد أن لـ»إنّ» اسماً منصوباً وخبراً مرفوعاً، لذا سيتحرك الناس بحثاً عن «خبر إنّ» بعد أن سئموا الحديث عن كان وخبر كان.
وكانت المعضلة هي عدم العثور على «إنّ»، أما بعد أن تم العثور عليها، ونُفضَ الغبار عنها، فسترشدنا هي بنفسها إلى «خبرها المرفوع».
لذا سيتحرك الناس احتفاء بـ«إن» واحتفالاً بها، والتحرك سيكون على اتجاهين متوازيين، طبعاً بعد التنسيق مع المحامين المختصين في أمور كهذه… الاتجاه الأول هو تقديم شكوى إلى الجهات المحلية المختصة، والثاني تقديم شكاوى إلى الجهات الدولية المعنية لتساعد الجهات المحلية، فربما كان مصدر الأموال خارجياً، أو له علاقة بالإرهاب، أو تبييض أموال المخدرات وغسلها، أو تجارة الرقيق، من يدري، أو لعله كنز عثرا عليه في كهف، أو أو أو… لا أحد يمكن أن يجزم إلا الجهات المناط بها التحقيق والتدقيق.
وأظن أن الجهات المحلية المعنية ستكون سعيدة بمساعدة الجهات الدولية لها في التحقيق.
على أن يواكب ذلك حملات إعلامية تنتشر في وسائل الإعلام، لحماية الكويت من الفساد وسوء السمعة. ونعتقد أن الحكومة، وتلفزيون الدولة، والجهات الرسمية كلها، ستقف في الصف الأول دفاعاً عن سمعة الكويت وحماية لها من الفساد أو الإرهاب أو غير ذلك، وستقود تحركاً يفوق تحركاتنا الشعبية. هكذا أظن، وإذا كنت أحلم فأيقظوني وسأردها لكم في مناماتكم.
على بركة الله بدأ التحرك مساء الجمعة الفارط، ولن ينفرط إلا بعد الوصول إلى خبر إن، وإلى البئر التي تضخ المياه الملوثة، وبعد أن نمسك «بيض الصعو» بأيدينا ونحتضنه على صدورنا ونحن نمسح دموعنا ونتمتم: «أخيراً».

(1) البهرة: جالية هندية من أكثر الجاليات أدباً وأمانة وصدقاً.
(2) قيس: تنطق بكسر القاف، وتقال بتكرار للكلاب الوفية لا الضالة.

احمد الصراف

شكر متأخر

تواجه كثيرين منا مشكلة عند محاولة اختيار هدية لصديق، فالغالبية تقريبا تمتلك كل ما يمكن أن يهدى بطريقة معقولة، ولكن قلة تفكر في إهداء الآخر كتابا، فهذا ليس من عاداتنا ولا من تقاليدنا!
كتبت في 9 مايو الماضي مقالا عن رواية «كتاب خالد»، كونها أول رواية يكتبها عربي باللغة الإنكليزية. وقد كتب لي الأستاذ عبدالله الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية رسالة في اليوم نفسه صحح فيها معلوماتي، المتواضعة اصلا، وقال ان «كتاب خالد» سبق ان ترجم للعربية، وأرفق بالكتاب هدية، وهي نسخة من «كتاب خالد»، مع مجموعة من إصدارات المركز، منها «الكويت وروسيا، في عهد الشيخ مبارك الصباح»، و«رحلة سمو الشيخ أحمد الجابر التاريخية إلى لندن عام 1935»، و«فريا ستارك في الكويت»، وهي مشاهدات وانطباعات رحالة بريطانية زارت الكويت مرتين في ثلاثينات القرن الماضي، و«رسائل ماري فان بيليت (خاتون مريم)»، وهي أول ممرضة تطأ قدماها الكويت في 1920 قبل أن تغادرها في 1937، وسجلت في رسائلها تجربتها وخواطرها. كما تضمنت الهدية كتابين آخرين لرسومات مائية للفنان خالد نمش النمش بعنوان «الإبحار على خطى ابناء السندباد»، و«لوحات من مدينتنا القديمة»، وكانت هناك أيضا نسخة من «رسالة الكويت»، وهي دورية تضمنت عدة مواضيع مثيرة للاهتمام.
تأخرنا في شكر الأستاذ الغنيم على هداياه يعود بصورة رئيسية لوجودنا، طوال الأشهر الماضية، خارج البلاد. وبهذه المناسبة نتمنى على مركز البحوث الإعلان بشكل أوسع عن منشوراته، والذهاب بها إلى القارئ، فنحن، بشكل عام شعب ملول، وكسول، وغير قارئ! وهنا اقترح على المركز الاتصال بالشركات المساهمة، الكبيرة بالذات، ومحاولة اقناعها بتضمين هداياها السنوية، مجموعة من منشوراته، مساهمة في نشر المعرفة من جهة، ودعم موارده من جهة أخرى.
* * *
ملاحظة: قبل افتتاح ملتقى في الأزهر لدعم سوريا، عزف السلام الوطني المصري والسوري، فقام الجميع، من رجال دين وغيرهم، احتراما، الا ثلاثة نواب من الكويت، بأشكال معروفة، اختاروا البقاء جالسين في الصف الأول، استهتارا!
الشرهة او اللوم على منظمي الملتقى الذين لم يرموا بهم خارج الصالة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الفرصة الأخيرة

القلم الصحفي يدل على شخصية صاحبه وليس فقط على فكره وخطه السياسي، ومن خلال هذا القلم ندرك ان كان هذا الكاتب يعاني ظروفا اجتماعية قاهرة أو مشاكل نفسية متوترة أو غيرها.
لكن بعض الأقلام تدرك أن وراءها أشخاصا أعمى الله بصيرتهم وطمس على قلوبهم من شدة حقدهم الدفين على الإسلام وكل ما يتعلق به من عبادات وعادات ومنتمين. ان أعمى القلب هذا فتك الحقد في شرايينه، وتشربه قلبه، وأصبح خصما لكل شيء ينتمي إلى هذا الدين!! فإن وجد مسلماً ملتزماً شكلاً كره رؤيته، وان سمع طرحاً أو رأياً من منطلق ديني عارضه وسخر منه، بل انه يحمّل الدين كل مشاكله ويلقي بمآسيه وتخلفه على وجود متدينين بالقرب منه.
آخر هذه الشطحات من عميان البصيرة عندما طرح أحدهم طرحاً غريباً في إحدى المقالات تعليقاً على الأزمة الاقتصادية ومحاولة سمو الأمير معالجتها بدعم تشكيل لجنة خاصة بتداعياتها وآثارها، حيث قال ان المشكلة ليست في الاقتصاد والبذخ في الصرف، بل المشكلة اجتماعية وتتمثل في وجود جماعات التخلف الديني!! اذاً هو يريد ان يمسح من أسماهم بجماعات التخلف الديني من الوجود، مع أنه يعيش بعيداً عنهم بآلاف الأميال، الا ان عمى البصيرة جعله يتخيل انهم يجثمون على صدره.
يذكرني هذا المتطرف في الطرح بآخر لا يقل عنه في تطرفه من ممارسة الحقد والكراهية للدين والمنتمين إليه، حيث انه يكتب دائماً لتذكير الناس ان سبب تعطيل التنمية في الكويت وجود إسلاميين في معظم مرافق الدولة وأنماط الحياة، وبسبب وجود عادات وتقاليد ومواريث دينية!!
ولن أتجنى عندما أقول ان أحد هؤلاء قال في إحدى زواياه ان كثرة الغبار في الكويت هذه الأيام نتيجة كثرة وجود ملتحين في شوارع الكويت!! هكذا.
أنا أعلم جيداً ان العاقبة لهذا الدين وأتباعه«وإن جندنا لهم الغالبون»، وأعلم كذلك ان كثرة أهل الباطل في هذا الزمان ليست دليلاً على صحة باطلهم «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله»، وأدرك جيداً ان الهداية من الله وانه سبحانه غير عاجز عن جعل كل من على هذه الأرض مسلمين ملتزمين «ولو شاء الله لهدى الناس جميعا»، ولكنه الابتلاء في الدنيا «فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين»، ومؤمن بأن من يضحك علينا اليوم ويسخر من عاداتنا وتقاليدنا سيأتي اليوم الذي نضحك عليه «فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون»، وأعلم انه سيأتي اليوم الذي يدركون فيه ان من كانوا يظنون انهم من الأشرار هم في الحقيقة من الأخيار «وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى ر.جَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مّ.نَ الأشْرَار. * أَتَّخَذْنَاهُمْ س.خْر.يًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ * إ.نَّ ذَل.كَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْل. النَّار.» صدق الله العظيم.
نعلم كل ذلك، لكننا نعطف عليهم لان منهم الكثير ممن تربطنا بهم قرابة وصحبة وجيرة!
ونتمنى لهم ان يهديهم الله قبل فوات الأوان، وها هي العشر الأواخر تطل علينا عل وعسى ان فيها عبرة وفرصة قد تكون لبعضنا ولبعضهم أخيرة!!

احمد الصراف

الاحتيال في شهر الصيام

قلة فقط لم تفاجأ بما ورد في الصفحة الأولى من جريدة الوطن (8/15) عن عدم صلاحية مياه زمزم التي يقوم البعض ببيعها في الكويت للاستهلاك البشري. جاء ذلك في تصريح لوزارة التجارة أعلنت فيه أن محالا وافرادا يقومون ببيع مياه «زمزم» أو تعبئتها محليا، وأن هذه المياه غير صالحة للاستهلاك البشري، وأنهم أحيلوا لجهات الاختصاص، وأن مختبرات وزارة الصحة أثبتت ذلك، وصدر قرار بمنع تداولها وبيعها. كما ورد في تصريح الوزارة أن مثل هذه المياه قد تحول بيعها من المحلات الى الافراد في المساجد والديوانيات، مع علم هؤلاء بحظر تداولها. وحذر مصدر من السكوت عن بيع هذه المياه التي اثبت الفحص انها غير صالحة، داعيا المواطنين والمقيمين الى ابلاغ وزارة التجارة عن اي عمليات بيع لها لإحالة المخالفين لجهات الاختصاص.
لقد كتبنا عدة مرات عن هذه المياه، وعن عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، وكان آخرها عندما كان السيد محمد شايع القصيمي رئيسا للمجلس البلدي، قبل 12 عاما تقريبا، عندما اتفقت مختبرات الصحة والبلدية على رفض التصريح ببيع مثل هذه المياه، ولكن السيد القصيمي، بصفته الرسمية، أشّر وقتها على نتيجة الفحص بما يعني أنها مياه مقدسة ولا تخضع للفحص بالطرق التقليدية، وصرح بالتالي ببيعها، ولكن كان لوزارتي التجارة والصحة رأي مخالف لرأيه وبالتالي منع بيعها.
إن ما يقوم به البعض من بيع لهذه النوعية من المياه في الكويت، مستغلين مناسبة شهر رمضان، وسذاجة البعض الآخر، من طالبي الأجر، لا يختلف عما يقوم به غيرهم من تجميع للأموال بأكثر الطرق جهنمية، وأيضا مستغلين هذه المناسبة الدينية لتحقيق كسب سهل. وعليه فإن على وزارتي التجارة والبلدية مسؤولية إرسال تحذيراتهما للمواطنين عن طريق الخدمة الهاتفية، فغالبية شعبنا إما أنه «ما كاري» أو لا يقرأ التصريحات الرسمية، ولكن الجميع تقريبا لديه هاتف نقال ويقرأ ما يرد اليه من رسائل.
ملاحظة: افتتح الملك عبدالله اخيرا مشروعا لتنقية مياه زمزم كلف مئات ملايين الريالات، وهذا دليل آخر على أن مياه البئر كانت بحاجة للتنقية!

أحمد الصراف

احمد الصراف

من منهاتن إلى الصومال

عندما وقعت «غزوة منهاتن» غير المباركة، أحسست وقتها، وأنا في أميركا، ومن دون أن يكون لدي أي دليل مادي غير ما أعرفه عن طريقة تفكير الجماعات الإرهابية، ان واحدا منا يقف وراء تلك الجريمة. بعدها بايام، وبعد ان اتضحت الصورة قليلا، معززة شكوكي، التقيت بمن خالفني استنتاجاتي، مبديا استغرابه من الطريقة الجهنمية التي نفذت بها العملية، قائلا إنها لا شك من وضع دولة كإسرائيل، أو على الأقل جهاز سري كوكالة المخابرات المركزية، بغرض توريط العرب وتشويه سمعتهم (!!) قلت له إن لا جهة أو جماعة، غير «جماعتنا»، تمتلك كل هذه السادية في القيام بمثل هذه الأعمال من دون هدف مقبول. كما لا تمتلك أي جهة غيرنا القدرة على «غسل مخ» أو الأصح «اتلاف مخ» كل ذلك العدد من الشباب المتعلم، والمترف معيشيا، ودفعهم إلى القيام بمثل هذه العمليات العبثية، وتوريطهم في عمليات انتحارية جماعية مخيفة ينتج عنها فقدهم، وهم بكامل رضاهم، لحياتهم، وحياة آلاف الأبرياء، من دون أن يرف لهم جفن، وهذا ما أعتقد أنه حدث، فنور الإيمان الشديد يجمد أحيانا الجفون ويمنعها من….الرف!
أكتب ذلك بعد أن طلب مني قارئ التنديد بما يشاع من اتهامات عن قيام «جماعة الشباب الصومالي» بمنع وصول المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء، إلى ملايين المحتاجين من مواطنيهم! وقال إنه يشك أن في الأمر شيئا غير مقبول، وان لا أحد يمكن أن يتصرف بمثل هذه الطريقة اللامسؤولة، وأن هذا ليس من الدين في شيء، وهناك ما يريب! لم أرد عليه بانتظار أن يكتشف بنفسه الحقيقة يوما ما، فعندما يتولى المتشددون دينيا أمور أي أمة أو وطن أو حتى حي صغير، فلا يمكن، وفي جميع الأحوال، توقع إلا الأسوأ منهم، وأيضا في جميع الأحوال، ومن دون اي استثناء، والأمثلة من حولنا وفوقنا وتحتنا أكثر من أن تحصى، واللبيب يكفيه التلميح!
ملاحظة: ببادرة إنسانية من السيد جورج عون، مدير عام فندق جي دبليو ماريوت، وبالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، قامت إدارة الفندق بالطلب من عملائها الموافقة على إضافة نصف دينار لفاتورتهم، لمساعدة آلاف الأطفال المحتاجين في أفريقيا. فله الشكر على بادرته الإنسانية.

أحمد الصراف

عادل عبدالله المطيري

الثورة السورية والدرس الليبي

أستغرب عندما أستمع إلى التصريحات الدولية بشأن ما يحدث في العالم العربي من ثورات ووقفات احتجاجية ضد الأنظمة الديكتاتورية القابعة على صدر الشعب العربي، وخاصة تلك الدعوات الدولية التي تطالب النظام السوري ومن قبله النظام الليبي بأن يقوم وعلى الفور بإصلاحات سياسية جذرية وإعطاء الشعب حقوقه وحفظ كرامته.

هل من الممكن أن يتنازل النظامان السوري والليبي عن السلطة التي يعتبرها كل منهما من ممتلكاته الشخصية، أي نظام منهما يقبل بإجراء انتخابات ديموقراطية ونزيهة، وهو يعلم علم اليقين انه سيخسرها حيث لا قبول له في المجتمع رغم طول مدة حكمه له وان أي انتخابات حقيقية ستأتي بقوى المعارضة وستكون نهاية الديكتاتور إما إلى محاكمة قضائية أو أن يسحله شعبه كما كان يفعل مع من سبقهم.

إذن تلك الدعوات الدولية ما هي إلا تعبير ديبلوماسي عن غضب المجتمع الدولي، وتشجيع للحراك السياسي والمعارضة.

فعلى مر التاريخ ينتهي حكم الديكتاتور الدموي بطريقة دراماتيكية ومأسوية، فأي إصلاح يرتجى من أنظمة حكمت بالحديد والنار عقودا من الزمن، ويمكن للمعارضة السورية ان تتعلم من الدرس الليبي حيث استطاع الثوار الليبيون ورغم قساوة ووحشية القذافي، أن يسقطوا العديد من المدن وعلى رأسها بنغازي التي جعلوها عاصمة للثوار ولم يكتفوا بذلك، بل أسسوا مجلسا للثورة الليبية اعترفت به أغلب القوى الدولية ودعمته ماليا وعسكرا، إذ يجب على الثوار السوريين أن يتوحدوا وان يؤسسوا مجلسا للثورة وأن يكثفوا مجهوداتهم لإسقاط إحدى المدن السورية الكبرى لتكون مركز تجمع للثوار والمنشقين من الجيش وعندئذ يستطيع المجتمع الدولي أن يخطو خطوات عملية لدعمهم وإسقاط نظامهم الوحشي.. ولنا في السنن الكونية والقرآنية خير دليل، إذ يقول الحق تعالى في محكم تنزيله (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

احمد الصراف

من هي الفرقة الناجية؟

أعلن 36 نائبا في البرلمان العراقي قبل فترة عن تأييدهم لحملة وطنية تهدف إلى فصل الدين عن السياسة. وبالرغم من اتساع التأييد للحملة بسبب ما ستؤدي إليه من خلق عراق متحضر وديموقراطي، وهو حلم يراود مخيلة الكثيرين، إلا أن القيادات الدينية المسيطرة بقوة على عقول غالبية العامة وأفئدتهم لا يمكن أن تسمح بحدوث ذلك، فتأثير مثل هذا الفصل على سلطاتهم ونفوذهم سيكون قاتلا، وبالتالي لم يكن مستغربا قلة تعاطفهم مع هذا الاتجاه، الذي شارك فيه مسؤولون ومهنيون ومثقفون وكتاب وشيوخ عشائر. والحقيقة أن من الصعب تخيل وجود حل للكثير من مشاكلنا المستعصية بغير فصل الدين عن السياسة، ولكن ما الذي سيحدث لمكانة وسطوة وسيطرة مراكز الفتوى والحل والربط الدينية التي تستمد سلطتها وتترسخ مكانتها في بقاء الأوضاع على ما هي عليه، فقوتها تكمن في ذلك وفي التحذير المستمر من خطر الآخر، حتى لو كان ابن الوطن نفسه، وهم فوق هذا وذلك بحاجة إلى أموال أتباعهم وزكواتهم وأخماسهم وأسداسهم لتعينهم على استمرار التفريق.
إن مقترح الفصل هذا لا يمثل الحل الوحيد أمام دولة كالعراق، بل هو ما يجب أن تعمل كل دولة عربية، ومسلمة بالذات للوصول إليه. فقد عانت دولنا، طوال قرون، من التشابك الحاصل بين المؤسسة الدينية «الروحية»، والمؤسسة السياسية «الدنيوية»، وهذا ما ادركه الغرب قبل اكثر من قرنين وسعى إلى تلافيه، وكانت تلك بداية تقدمه وازدهاره.
إن رفض مبدأ فصل الدين عن السياسة يعني رفض الآخر كمواطن، ولو فرضنا اتفاق مسلمي العراق على التخلص من مسيحييه وصابئته وشبكه وغيرهم، وتحقق لهم ذلك لداروا بعدها على الأكراد وقضوا عليهم، ومن بعد سيدورون على بعضهم البعض، ويتقاتلون حتى تنتصر «الفرقة الناجية»!! ولكن عندها سيكتشف هؤلاء أن عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف فقط، بعد أن أنهى التقاتل بينهم حياة الملايين منهم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

أخلاقية الغرب

أقرت بريطانيا أخيراً قانوناً جديداً ضد الرشوة يهدف الى مقاضاة الجهات التي تقوم بدفع أموال أو هدايا قيمة لمسؤولين في دول خارجية بغية الحصول على وضعية تنافسية أفضل، وبالتالي كسب عقود التجارة والمقاولات والاسلحة وغيرها. وتضمن القانون عقوبات مشددة تصل إلى السجن لفترات تصل الى عشر سنوات، وغرامات مالية لا حدود لها، في حق من يدان. واعتبر القانون تقديم رشوة لمسؤول في الخارج ممارسة غير قانونية، وشمل ذلك جميع المؤسسات والشركات المحلية والأجنبية التي تعمل في بريطانيا، وحتى الأفراد.
ولو تمعنا في الجانب المادي لهذا القانون لوجدنا انه يقلل من قدرة الشركات البريطانية على منافسة غيرها، وبالذات الأوروبية الكبرى، خاصة تلك التي تنشط في دفع رشى لمسؤولي الدول الأجنبية، التي لا تجرم قوانينها مثل هذه الأفعال.
والأهم من ذلك ما لهذا القانون من جانب أخلاقي لا يمكن إغفاله، وهذا ما يبرز عظمة الغرب ومكانته الأخلاقية الرفيعة، علما بأن دولا عدة في اسكندنافيا، إضافة للولايات المتحدة، سبقت بريطانيا في إقرار مثل هذا التشريع.
إن هدف هذا القانون ليس فقط حماية الدول الأخرى، والمتخلفة بالذات، من الفساد الإداري، بل وحماية الدول المشرعة من تفشي الفساد فيها، ولكي لا يصبح دفع الرشوة أمراً يسهل قبوله والتعامل معه. وعلى ضوء ما أصبحت الإدارة الحكومية تشتهر به في الكويت من انتشار الفساد المالي في أروقتها، فمن المتوقع جدا أن تقل حصة الشركات البريطانية من مختلف عقود الإنشاء والتوريد المدني والعسكري.
هذا ما نحتاج لتعلمه من الغرب، وليس التركيز على التافه من الأمور وكأن ليس لديهم ما يشكرون عليه!

أحمد الصراف

احمد الصراف

جامعتان في واحدة

لو أردنا تلخيص سبب كل مآسينا وحروبنا العبثية واختلافاتنا حول القضايا العرقية والطائفية والدينية في كلمة واحدة لما وجدنا كلمة أكثر دقة من «الجهل»! ولو علمنا اننا نعيش في بداية الألفية الثالثة من التاريخ الحديث، التي بإمكان أي فرد فيها، تقريبا، الحصول على ما يحتاج من علم ومعرفة من مصادر عدة، لوجدنا أن بقاء مجتمعاتنا جاهلة جريمة لا تغتفر. وليس هناك من وسيلة للقضاء على الجهل بصورة فعالة غير طريق التعلم النظامي، الذي يمكن أن يكون طريقا، في مرحلة تالية، للقضاء على الجهل!
وعلى ضوء فشل كل مؤسسات الدولة التعليمية العليا في استيعاب مخرجات ثانوية هذا العام، دع عنك الأعوام القادمة، فإن هذا يشكل أكبر دليل على فشلنا، أو ربما عدم رغبتنا، في القضاء على الجهل، وهو الهدف الذي ربما كان في بال من أسسوا المدرسة المباركية قبل مائة عام. فبعد عشرة عقود من التعليم النظامي لم نستطع ترسيخ حس المواطنة الحقيقي في أفئدة أبنائنا، وبالتالي بقي جهل كل طائفة وفريق وفريج بمن يجاوره أو يشاركه الحي نفسه هو السائد. فكيف يمكن، وبعد قرن من التعليم النظامي، وصرف عشرات مليارات الدولارات على التعليم، أن نصل لهذا المأزق التعليمي؟ أليس الجهل بحقيقة أوضاعنا التعليمية وتطورنا السكاني واحتياجاتنا من مخرجات الجامعات هو السبب؟ وإن فشلنا بعد كل سنوات «الجهاد والاجتهاد» هذه في معرفة أن الجهل هو عدونا الحقيقي، فمتى سنعرف ذلك؟ وكيف يمكن أن يقبل أي عاقل على صرف أكثر من مليار دولار، من المال العام، على بناء جامعة جديدة في الشدادية تتسع بالكاد لثلاثين ألف طالب، في الوقت الذي يمكنها استيعاب 60 ألف طالب بكل سهولة، إن قمنا برمي قانون منع الاختلاط في سلة القمامة؟
إن قانون الفصل الجنسي هذا لن يصمد لسنة التطور إلى ما لا نهاية، لأنه، ببساطة، يخالف المنطق والعقل والفطرة البشرية، فقد اعتاد الناس العيش بعضهم مع بعض، وهذا هو الطبيعي وهو الأساس، وفصلهم هو الشاذ، وما نحتاجه هنا هو بعض من عودة الوعي لدى السلطة، التي بإمكانها تغيير القانون بمرسوم، ودفع مجلس الأمة في مرحلة لاحقة لإقراره!
ملاحظة: في ديسمبر 2011 ستحل الذكرى المئوية لتأسيس المدرسة المباركية، فهل ستتولى جهة ما مسؤولية الاهتمام بهذه المناسبة العظيمة؟.

أحمد الصراف

حسن العيسى

مع آيمي

 ابتدأت ديان جونسن عرضها ونقدها لكتاب «آيمي شوا» (أميركية من أصول صينية) وأستاذة القانون في جامعة ييل الرصينة بعبارات اقتبستها من مذكرات الرئيس أوباما (أحلام من والدي)، فالرئيس يتذكر أن والدته حين كان طفلاً في إندونيسيا كانت توقظه الساعة الرابعة صباحاً، وتبدأ معه دروس اللغة الإنكليزية مدة ثلاث ساعات قبل أن يذهب هو للمدرسة وتغادر هي للعمل، وحين كان الصغير أوباما يبدي امتعاضه ورفضه لهذه القسوة التربوية، كانت ترد عليه: «هذه ليست رحلة متعة بالنسبة إلي أيها الشقي»… شدة وصبر انتجا لنا محامياً وأستاذاً عريقاً في كلية حقوق هارفارد، ثم رئيساً للولايات المتحدة…! لنعود الآن لعرض ونقد آيمي شوا في كتابها «معركة أنشودة الزفاف للأم النمرة»، فآيمي شوا تتحدث في هذا الكتاب عن تجربتها في تربية ابنتيها «لولا» و»سوفي»، واحدة عازفة كمان والثانية عازفة بيانو من الدرجة الأولى، وهما متفوقتان في الدراسة بمعدل لا يقل عن «اي» وهو القمة، وتستعدان للتقدم  لجامعة هارفارد، تمضي هذه الأم وتقرر أنه رغم مشاغلها كأستاذة قانون في «ييل»، إلا أنها تقضي ساعات طويلة يومياً مع ابنتيها، تدرس معهما مواد الرياضيات والتهجئة، ثم قراءة النوتة والعزف الفني، وتقرر الأستاذة «آيمي» انه عند الصينيين هي كارثة عندما تقل الدرجات عن الكمال، فمعدل «بي» غير مقبول أبداً، وبغير ذلك لن يكون لنا مكان تحت الشمس.
شغل كتاب آيمي جدلاً كبيراً في الولايات المتحدة، فالبعض امتدحها والبعض الآخر انتقدها وطالب بمحاكمتها بجريمة استغلال الأطفال. المعارضون الأميركيون يقولون إن طريقة آيمي في التعليم تقضي على روح المبادرة والاستقلال لدى الأطفال، والتركيز لأكثر من أربع ساعات على نوتة فنية فيه إرهاق شديد لعقل وروح الطفولة! ترد آيمي بأنه «ليس هذا وقت التنظيرات التربوية، فنحن كصينيين لا نكترث للدافع النفسي، وإنما نريد الجهد والنضال فقط، نبحث عن القوة وليس الضعف، اقلبوا العملة سترون أنه بالجهد الدؤوب سيبني الطفل ثقته بنفسه».
لن أمضي في عرض وجهات النظر «مع» أو «ضد» آيمي، فردها الأخير كان قاطعاً بمقولة: «انظروا أين وصلت الصين اليوم، وأين هي الولايات المتحدة؟ بالعمل والعمل الدؤوب فقط تعتلي الأمم المجد، وكنت سأتطرق إلى أزمة التربية في البيت الكويتي والخليجي، مثلاً هل سألنا أنفسنا في الماضي لماذا أبناء الفلسطينيين كانوا يحتلون المراكز الأولى في الثانوية العامة، واليوم أبناء مصر، رغم الظروف الصعبة لكل من الجاليتين، فلا دروس خصوصية، وأمهات (وهن الأساس التربوي) لن تجدهن يتسكعن في مولات الحداثة في «مدن الملح» أو يسرن برؤوس مائلة لليمين أو اليسار من طول المحادثات التلفونية، مجرد شقاء ومعاناة أنتجا هذا التحدي الكبير… إلا أنني تذكرت أن اليوم «كركيعان» وسأفتح الباب بعد قليل لأجد جيشاً من الأطفال تحيط بهم جيوش أعظم من الفلبينيات… قد تكون الأستاذة آيمي واحدة منهن، فكلهن من آسيا، ورحم الله أمهاتنا، وأجيال ما قبل حداثة النفط.

ملاحظة: تجدون عرض الكتاب ونقده في «نيويورك بوك رفيو» العدد الأخير.