سامي النصف

نريد زواراً لا ثواراً

  أمضينا جل الاسبوع الماضي في صحبة طيبة وزيارة رائعة للاردن الشقيق وللضفة الغربية ومدنها الجميلة، ثم كان ختامها مسكا بالصلاة في المسجد الاقصى ومسجد الصخرة، وكان الوفد قد ضم 80 مهندسا ومهندسة من الكويتيين بقيادة رئيس الاتحاد الدولي للمنظمات الهندسية المهندس النشط عادل الخرافي وجمع من الشخصيات الكويتية الاخرى.

***

وقد حرص رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على ان يحضر مساء للضفة من سفرته للخارج ـ وهي سابقة لم تحدث من قبل ـ كي يستقبل الوفد الكويتي في صباح اليوم التالي، وقد كان كعادته كريما في ضيافته وكريما في وقته حيث خصص للوفد الكويتي أكثر من ساعة نقل خلالها سلامه الحار للقيادة السياسية ممثلة بصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، وللشعب الكويتي على دعمهم وتبنيهم للقضية الفلسطينية، كما اجاب خلال اللقاء عن اسئلة اعضاء الوفد فيما يخص آخر المستجدات المحلية والاقليمية والدولية.

***

وقد أقام الوفد الكويتي في رام الله بالضفة الغربية التي تمتاز عن كثير من الاماكن والمصايف العربية التي يزورها الكويتيون عادة بأمور عدة تحسب وبحق لأبي مازن وحكومته، منها ان الخدمات والبنى الاساسية جيدة فالكهرباء لا تنقطع على الاطلاق والامن خاصة في السنوات الست الاخيرة مستتب، والتقيد بأنظمة المرور يقارب الانضباط في المدن الاوروبية، والمباني والفنادق والاسواق جديدة وحديثة حيث تم بناؤها بعد تسلم السلطة للارض من اسرائيل منتصف التسعينيات، والطقس بارد صيفا ومعتدل اغلب الشتاء اضافة الى بقاء اهالي المصايف فيها كل العام، مما يجعل اسواقها ومطاعمها عامرة طوال الوقت بعكس الحال في مصايف بلاد الشام الاخرى التي تهجر من اهلها ما يقارب عشرة اشهر في العام وتعاني من انقطاع الكهرباء والفوضى المرورية وقساوة الطقس مع انتهاء اشهر الصيف.

***

وقد زار الوفد الاماكن المقدسة في القدس رغم بعض الصعوبات التي ذللها رجال السلطة الفلسطينية ممن اخجلوا الوفد بكرمهم ودماثة خلقهم، وقد كرر كل من التقيناه في الضفة والقدس دعوتهم للخليجيين والعرب والمسلمين لزيارتهم لدعم صمودهم فزيارة السجين ـ حسب قولهم ـ لا تعني الاعتراف بالسجان، في المقابل وللانصاف وللحقيقة لم يلق الوفد الكويتي اي اساءة من الحواجز الاسرائيلية القائمة على المعبر او على الطريق للقدس فحتى من تم رده مبدئيا عن دخول القدس بسبب عدم وجود الفيزا اللازمة تم التعامل معه باحترام كامل ودون اساءة.

***

ولا تخلو رحلة من الطرائف والغرائب، فضابط اسرائيلي من الدروز العرب أبدى اعجابه لاحد اعضاء الوفد بجاسم يعقوب وتساءل: لماذا لا تسمحون للاعب فهد العنزي بالاحتراف في اوروبا ـ واضح انه يعرف عن الكرة الكويتية أكثر مما يعرفه اغلب شعبنا عنها ـ عضو وفد آخر ادخل بطاقة السحب الخاصة به في ماكينة النقود بالقدس فامتنعت عن الصرف واخرجت له ورقة مكتوبا عليها بالعربي «نحن لا نحترم البطاقة الخاصة بك!»، مواطن فلسطيني مختص بتهريب العمالة للقدس عبر وضع سلم على الجدار العالي المحيط بها ما ان عرض خدماته على احدى المهندسات الكويتيات من شقيقات الرجال حتى اخرجت قفازات بيضاء ولبستها وكأنها تقول اين السلم للبدء في عملية العبور والامر لم يكن بالطبع الا مزحة وطرفة منها، احد اعضاء الوفد تساءل عن عدد المستوطنات المسماة «بنيامين» لكثرة ما شاهد ذلك المسمى، والحقيقة لم تكن هناك الا مستوطنة واحدة بذلك الاسم الا ان الامر التبس عليه بسبب كثرة اللف والدوران التي قام بها منذ الصباح على المعابر المختلفة لاجل الدخول.

***

آخر محطة:

 1 – الشكر المحلى بالشّكَر (السكر) للاخوة المهندسين المنظمين للرحلة ونخص بالذكر مهندس الفكرة وعراب الاتصال والتنفيذ عادل الخرافي والامين العام المساعد لمنظمة المدن العربية م.احمد العدساني والمهندسين صالح المطيري وحسن بن طفلة وعلي دشتي وفارس العنزي واحمد الطحيشل وحمود الزعبي على حسن التنظيم والمتابعة والرعاية، كما نخص بالذكر والشكر المهندسات الكويتيات ممن عكسن صورة ناصعة للمرأة الكويتية.

2 – أخبرني احد اعضاء الوفد بأنه شاهد عجوزا فلسطينيا في القدس قال له لقد تعلمنا من تجارب ومآسي الماضي لذا نريد هذه الايام «زوارا مسالمين لا ثوارا مسلحين» فقد شبعنا حتى الثمالة من دعاوى مدغدغة خارجها حلاوة وطلاوة وداخلها عذاب ودمار.. ويا لها من حكمة ما بعدها حكمة..!

احمد الصراف

نعمة الإنترنت ونقمته

يصعب بعد اليوم تخيل حياتنا من دون الكثير مما انجزته العبقرية الغربية، وما طورته واضافت له عبقرية نمور جنوب شرق آسيا وأسودها من منتجات فائقة الذكاء والفائدة، وربما تكون الإنترنت، أو ستصبح قريبا، أفضلها، ووسيلة الاتصال الأسرع والأقل كلفة في العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بكم المعلومات الهائلة التي لا حد لها التي يمكن الحصول عليها بلمسة زر! وقريبا سيقاس تقدم اي أمة بعدد مستخدمي الإنترنت فيها، وليس بعدد رؤوس الشيشة التي تدخنها! لم تتوافر حتى الآن احصائيات حديثة عن مواقع الإنترنت واعداد مستخدميها في النصف الأخير من هذا العام، ولكن في 2010 أرسلت أكثر من 17 تريليون رسالة إلكترونية عبر هذا النظام. كما بلغ عدد مستخدمي الإنترنت 2 مليار، من أصل 7 مليارات سكان الأرض، ولا يضير هذه الوسيلة، أو يقلل من أهميتها العظمى، أنها تستخدم في غالبية الأحيان لغرض ترويج تجاري أو دعائي أو حتى سياسي، فان يكون عدد حسابات الإنترنت مليارين يغري اي شركة لاستخدامه لأغراضها الخاصة، ولكن هذه الخدمة عليها قيود ومحاذير كبيرة، فتستغل جهات عدة حاجة الشركات لعناوين المشتركين، فتقوم بالحصول عليها بشتى الطرق، ومنها ما هو غير أخلاقي، كاللجوء لإرسال نداءات تطلب من مستلميها إعادة إرسالها لآخرين لكسب الأجر لما تتضمنه من أدعية، او للمساعدة في البحث عن طفل مفقود، وغير ذلك. كما تقوم جهات أخرى بشراء ملفات شركات محددة أو سرقتها، للاستفادة مما تتضمنه من عناوين إلكترونية تصلح لترويج مختلف المنتجات أو لاستخدامها في عمليات الاحتيال عن طريق الإنترنت.
كما استفاد بعض «العباقرة الصغار» من خدمة الإنترنت وحققوا المليارات من وراء خدمات، مثل الفيسبوك والتويتر، التي يتزايد أعداد المشتركين فيها بالملايين يوميا، فقد بلغ عدد مستخدمي الفيسبوك مثلا في 2010 أكثر من 600 مليون. كما يمكن الاطلاع على أكثر من 30 مليار رابط وملاحظة وصورة على النت، وهذه تتطلب من الشخص أن يمتد به العمر لخمسة آلاف سنة لكي يطلع على جزء منها، إضافة لــ 2 مليار مقطع فيديو تشاهد يوميا. المهم في كل ذلك أمور ثلاثة. أولا عدم تصديق كل ما يرد على الإنترنت وهناك طرق ووسائل يمكن من خلالها التحقق من صحة الخبر أو المعلومة. ثانيا: ضرورة الاستفادة القصوى من المواد التي تتوافر على الإنترنت، فليس من السهل ابدا الحصول عليها من اي مصدر آخر بالسهولة نفسها. وثالثا: الإيمان بمبدأ أن ليس هناك، كما يقال، عشاء مجاني. فلا تصدق من يعرض عليك أمرا أو بضاعة أو صفقة مجانية من دون ان يتوقع مقابل ذلك شيئا أعلى بكثير مما يعرضه.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

الأسرة الحاكمة… والساكند هاند

كتبت مقالة اليوم، واسترسلت فيها، وفي منتصف المشوار تذكرت أنني سبق أن كتبت شيئاً مشابهاً، الخالق الناطق، فعدت مهرولاً إلى الأرشيف، وفتحت خزائنه، فإذا بالمقالة هذه يكسوها الغبار. وهأنذا أعيد نشر فقرات منها، إذ لم يتغير شيء منذ نشرها قبل عامين إلى اليوم:
كذاب ابن نصاب من يقول إن حال شيوخنا يسرّ الناظرين. دجّال ابن محتال ومن سلالة أفاقين من يوهمهم أن وضعهم طبيعي، وأن سبب الأزمات المتوالدة في الكويت هو البرلمان، وأنهم لا دخل لهم بكل هذا الغبار المثار، ولا خوف على مستقبلهم ومستقبلنا معهم.
الحق أنهم يتحملون المسؤولية الكبرى في الفوضى هذه. فما الحل؟ هل نردد خلف فيروز: 'يصطفلوا، شو ما صار يصير، خلّي هالزير بهالبير'؟ أم ماذا نفعل؟
صادقاً أقول: لا يمكن أن يجف معين أسرة الصباح كما يظن بعض البسطاء. لا يمكن أن تصفرّ أشجارهم وتموت فلا تؤتي ثماراً. غير صحيح أن من نراهم الآن على الشاشة هم الأفضل. بالتأكيد هناك أكفاء لم يتعاون معهم الحظ فبقوا خلف الكواليس الصامتة. وليس من المعقول ولا من المنطق أن أهم شروط الحصول على الفرصة أن تبدأ بالصراخ وتكسّر الزجاج وتلخبط أثاث الصالة، وتفقأ عين ابن عمك وتشج رأس ابن خالك كي يلتفت ذوو القرار إليك ويحرصوا على إرضائك وإسكاتك. وليس من الذوق أن تنافق هذا أو ذاك، أو ترتبط بنسب مع ذيّا أو ذيّاك، كي ينتشلك من بحور الظلام.
ولا أدري على أي أساس يتم اختيار الشيوخ لتقلّد المناصب، لكنني متأكد أن طريقة الاختيار الحالية لا علاقة لها بالكفاءة، ولا بالحيادية، ولا بالنهج المؤسسي… وهنا يجب أن نتوقف، فأي لخبطة تتم في مقصورة الأسرة، سيتأثر بسببها جمهور الملعب، من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثالثة. لذا ومن أجل ذا وُلِدَت هذه المقالة المُحِبّة.
شيوخنا، فضلاً أغلقوا موبايلاتكم التي لا تنقل لكم الصدق الموجع، وخذوا الأمر بجدية، وليجتمع حكماؤكم – والحكمة لا تعني كبر السن بالطبع – بهدوء وسرية، ليتدارسوا كيف يمكن إنشاء "نظام مؤسسي عادل" لاختيار الأكفأ من شبّان وشابات الأسرة للمناصب العامة. نظام حيادي يتيح المجال للطامحين من أبنائكم للالتحاق به، من سن الدراسة الجامعية، مثلاً، أو بعد التخرج، أو أي مرحلة ترونها الأنسب.
على أن يكون شباب الأسرة الراغبون في المناصب والراغبون عنها، على علم بهذا النظام، ولكل منهم حينئذ الاختيار. فمن كان منهم يطمح إلى منصب، فليمرّ من خلال البوابة الرئيسية، بوابة "النظام"، فقط، ليتقرر وقتذاك دخوله أو عدمه.
أعلم أن مقترحي هذا "أفلاطوني"، مثالي، خيالي، لا تلامس قدمه الأرض، كما يتوهم الضعفاء العاجزون، بينما هو مقترح منطقي، ضروري، قابل للتطبيق في عيون العقلاء المستشعرين خطورة الوضع وخطورة المستقبل، والمدركين أن الأوضاع اليوم وغداً تختلف عن الأوضاع في أمسِ والذي قبله.
حكامنا منكم، لا أحد منا يقبل النقاش في هذا. ودستورنا يرفع سبابته محذراً كل من في نفسه مرض، ونحن معه نرفع سباباتنا وبنادقنا. لكنه، أي الدستور، لم يفرضكم علينا قياديين في الوزارات والإدارات والهيئات. مكانتكم في قلوبنا فقط هي التي تدفعنا لقبول ذلك، وحبّنا لكم هو الذي يرغمنا على تجاوز أخطائكم. لكن التمادي في الأخطاء الكارثية، بسبب فاقدي الكفاءة منكم، سيكون له فاتورة باهظة، وأنتم أدرى بالذي يجب عليه إخراج محفظته ودفع قيمة الفاتورة. ففكروا جيداً وجدياً في هذا المقترح، أو أي مقترح آخر، قبل وصول الجرسون.
هذا ما جاء في المقالة قبل عامين، فأفتوني بالله عليكم: هل تغير شيء؟ أم أن الأسرة الحاكمة أدمنت استخدام "الساكند هاند"؟

حسن العيسى

الدينار مصدر السلطات

هل أصبح الدستور ضيقاً على جسد النظام السياسي في الكويت، أم أنه ما زال صالحاً ويتسع لحريات أكثر للأفراد، وضمانات أكبر للسيادة الشعبية، وعلى ذلك فالعيب ليس في مواد الدستور، وإنما في الممارسة السياسية للسلطة، بعد أن أفرغت الدستور من مضامينه وروحه!
د. أحمد الخطيب كرمز كبير، وأيقونة الحلم الدستوري، ينصح أهل الكويت في مقال افتتاحي في "القبس" بالتمسك بالدستور، كي لا يصبح مجلس الأمة حكومة في حكومة كاملة الدسم، في حين أن زملاء مثل أحمد الديين في "عالم اليوم" وحمد الجاسر في "الكويتية" يخالفان هذا التصور، فالدستور لم يعد صالحاً لضبط الانفراد بالسلطة، فحكم الدينار أضحى أقوى من حكم القانون والدستور، والحد الأدنى من الحقوق والحريات الديمقراطية التي تضمنها الدستور ضاعت وخنقت تحت واقع أن "الدينار مصدر السلطات"، والسلطة الحاكمة تحتكر مخازن الدينار تحت الأرض، ومن ثم، فإنها قد استأثرت بالحكم، وإما بضغوط القوى الدينية المتطرفة التي ولدت في الكويت وبقية دول الوطن العربي من رحم السلطات الحاكمة وتفردها بالحكم!
هل المشكلة في نصوص الدستور بعد أن شاخت ولم تعد تناسب الحاضر، أم أن العيب ليس في النصوص الدستورية بحد ذاتها، وإنما القصور في ممارسات السلطة! فالنصوص الدستورية واسعة وفضفاضة، لكن لم تأت تشريعات تعمق الممارسة الدستورية، أو قد يكون الأمر معكوساً، فتصدر تشريعات تنتهك روح الدستور، فالدستور، مثلا، لم يحرم تشريع الأحزاب وسكت عنها، والأصل أن السكوت يعني عدم الحظر، فأصل الأمور الإباحة، والدستور لم يحرم المرأة من حقوقها السياسية في السابق، ولكن القانون والممارسات "الفعلية" هي التي تصادر الحقوق والحريات للمرأة والمواطن والإنسان، والدستور أكد حق الإضراب والتجمعات وغيرها، ولكنه فوض الأمر في تنظميها إلى التشريع، فجاءت التشريعات لتأخذ باليد اليمنى ما منح الدستور باليد اليسرى!
لكن على الوجه الآخر للعملة ينص الدستور على أن الأمة مصدر السلطات، بينما يقرر قبل ذلك أن الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح، وثلث أعضاء مجلس الأمة من الوزراء، وهم من تعينهم السلطة الحاكمة، وكان ذلك في النص الدستوري، وفي حقيقة "النص الواقعي" فإن الثلث الثاني من نواب الأمة يعينون أيضاً بطريق غير مباشر عبر تفويض "الدينار مصدر السلطات"، فماذا بقي للأمة والصوت الآخر!
لا توجد إجابة بنعم أو لا لتعديل الدستور، أو الإبقاء عليه، ولكن يقيناً الآن أصبح الدستور الكويتي، وبعد خمسين عاماً، نصوصاً في "دساتير من ورق"، وهذا عنوان كتاب لنيثان براون عن الدساتير العربية، لينتهي آخر الأمر إلى أن الإصلاح لا يأتي من النصوص ومن الشكل، بل من المعنى والمضمون، عبر إرادة وعزم الشباب ووعيهم بحاضرهم ومستقبلهم، وهناك ومضات أمل نشهدها في تجمعات ساحة الإرادة، إلا أن ضوءها ما زال خافتاً، ولم يسطع حتى الآن.

احمد الصراف

زكرتي رمضان

دعاني صديق «زكرتي» لتناول الافطار معه في شهر رمضان الماضي. دخلت البيت واذ بصوت مقرئ القرآن يملأ أرجاءه. ما ان حل الافطار حتى تناول الجميع بضع تمرات وأردفوا شفة من كوب لبن وراءها، وترك المضيف طاولة الطعام ليؤدي الصلاة، فاضطررنا، احتراما له لانتظاره، ولكنه عاد في الوقت المناسب، وقبل أن نموت من الجوع. بعد انتهاء الافطار جلسنا بعدها جميعا، أنا واهله، في صالة رحبة، وكان صوت مقرئ القرآن لا يزال يملأ المكان رهبة وخشوعا، وان بدرجة أخف. ثم جاءت الحلويات والشاي والقهوة، فتناولنا منها ما لذ وطاب وتبادلنا، وأيضا ما لذ وطاب من حديث، وتطرقنا لأحداث الساعة وجاء عرضا ذكر كتاب «الأمير» للداهية الايطالي «مكيافيللي» وكيف أنه نصح أميره، وولي نعمته، ضمن ما نصح، بأن يكون كرمه مع شعبه قليلا ومتقطعا، ليستمر شكرهم على نعمه، وان يتعامل معهم عكس ذلك عندما يريد انزال الشدائد بهم، وهنا نظر الي صديقي المضيف وقال انه لم يقرأ كتاب مكيافيللي من قبل، ولكنه يطبق سياسته بحذافيرها في عمله. فهو مثلا «مجبر» في أحيان كثيرة على دفع رشى لهذه الجهة أو تلك، ولكنه يصر دائما ألا يدفع الرشوة مرة واحدة، بل على دفعات أو أقساط، لكي يستمر ولاء تلك الجهة له واستعدادها لتقديم الخدمة التي يريدها منها. وهنا حان وقت المغادرة، فودعنا الصديق الزكرتي جدا، بمثل ما استقبلنا به من حفاوة وتكريم وترحاب وترحال، وهرول داخلا بيته ليؤدي صلاة العشاء، قبل فوات أوانها.

أحمد الصراف

سامي النصف

مُنع من تقلّد الوزارات.. فكيف يحاسب عليها؟!

  حسنا فعلت الحكومة بإحالة الاستجواب الأخير للمحكمة الدستورية التي أتى حكمها مطابقا للمنطق ولصحيح القانون والدستور ومتناسبا مع حكمها السابق عام 2006 الذي جعل الاستجواب حقا لا يجوز التعسف فيه كي لا يفقد مقاصده الخيّرة، كما جعل مساءلة رئيس الوزراء مختصة بالسياسات العامة للحكومة ولا يجوز معها استجواب رئيس الحكومة ـ أي حكومة حاضرا او مستقبلا ـ على أعمال يقوم بها وزراء آخرون كي لا يعصموا من المساءلة السياسية فيفسدوا حيث إن السلطة المطلقة مفسدة ما بعدها مفسدة!

***

وواضح ان ذلك الحكم يتماشى كذلك مع العقل والمنطق فكيف لرئيس وزراء ان يعلم ما يدور في كل ساعة وكل دقيقة من اعمال وقرارات للوزراء المختلفين حتى يحاسب عليها؟! وهل يعتقد احد للحظة ان الوزراء لن يمارسوا اعمالهم اليومية الا بعد ان يتصلوا برئيسهم أولا بأول قبل اصدار القرارات اللازمة كي يحاسب بعد ذلك على أخطائهم؟ وهل من العدل ان يحاسب انسان على اعمال انسان آخر لا يعلم عنها؟! الإجابة واضحة!

***

ان السماح باستجواب رئيس الوزراء بسبب أخطاء الوزراء الآخرين يعني ابتكار ممارسات سيئة جديدة تضاف للممارسات السيئة السابقة التي شوهت وجه الديموقراطية الكويتية، ومن ذلك انها ستسمح لمن يريد من الوزراء بأن يسقط من يريد من رؤساء الوزارات عبر تسريب أخطاء وزارته لبعض النواب وكوسيلة لحماية ذاته وفي ذلك توسعة وتكرار لاستجواب وطرح الثقة في الوزراء بسبب تآمر بعض إداريي وزاراتهم عليهم، ان محاسبة الرئيس على أخطاء الوزير تعني قلب الهرم السياسي، حيث سيصبح الإداري أقوى من الوزير والوزير أقوى من الرئيس وبقاء القلاقل السياسية وعدم الاستقرار الحكومي الى أبد الآبدين، ناهيك عن الخطأ الحسابي الشنيع فيه، فبدلا من ان يستجوب 15 وزيرا على 15 خطأ في وزاراتهم سيستجوب الرئيس 15 مرة على أخطاء لم يرتكبها، وكم رئيس سيبقى ضمن تلك المعادلة المدمرة التي أبطلها حكم المحكمة الدستورية الأخير؟!

***

ولو عدنا للآباء المؤسسين وهم بالقطع الأكثر فهما للدستور ومعانيه فسنجدهم قد قاموا بتحصين رئيس الوزراء ايا كان شخصه من المساءلة البرلمانية حفاظا على الاستقرار السياسي في البلد عبر عدم طرح الثقة فيه وعدم توليه أي وزارة كحال جميع الديموقراطيات الأخرى التي تجيز لرئيس الوزراء ان يتقلد ما يشاء من الوزارات فكيف يقوم البعض هذه الأيام بمحاولة محاسبة رئيس الوزراء على أعمال الوزارات التي منع من تقلدها في الأساس حماية له من المحاسبة؟! لست أدري!

***

آخر محطة: حتى لا يزايد أحد على أحد إليكم بعض ما جاء في محاضر المجلس التأسيسي ـ التي لا يقرأها أحد ـ حول ضرورة النأي برئيس مجلس الوزراء عن المحاسبة البرلمانية حفاظا على الاستقرار السياسي وعلى لسان الخبير الدستوري «الشعبي» د.عثمان خليل عثمان وليس الخبير «الحكومي» محسن عبدالحافظ: ص172 «الكتل السياسية تسعى جهدها لإسقاط الوزارة القائمة لا للمصلحة العامة، ويبطل مفعول مناوراتها وخطرها إذا ما اقتصرت المسؤولية البرلمانية على «الوزير» دون رئيس الوزراء»، وص173 «النظام الأكثر كفالة للاستقرار هو بأن يكون رئيس الوزراء غير مسؤول عن اي موضوع تنفيذي أمام مجلس الأمة دون تولي وزارة».

احمد الصراف

هل سنقبض من دبش(*)؟

أتاحت الحرية السياسية والصحفية النسبية في العراق والكويت الفرصة لأطراف عدة للتربح من تأجيج الخلافات بين البلدين، إن بكتابات حاقدة أو تظاهرات فاسدة، بغية ادامة الخلاف بين الطرفين، وبالتالي تحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية أو طائفية من وراء ذلك! ولو علم هؤلاء، ولا شك يعلمون، بأنهم في نهاية الأمر لا يتسببون إلا في ادامة تخلف المنطقة والإضرار بمصالح الشعبين وتهديد أمنهما ورخائهما، اللذين لا يمكن أن يتحققا ويستمرا من دون تحقيق السلام بينهما، من خلال نبذ الخلافات وتنمية موارد البلدين الطبيعية والبشرية، في المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية كافة، والدخول بقوة في مشاريع استثمارية توفر فرص العمل لمئات الآلاف! ولكن جميع هذه الأمور تلقى من فئة محددة معارضة شديدة، وخاصة في العراق، ولكل بطبيعة الحال أسبابه، فرفع مستوى معيشة الشعب العراقي سيصب في نهاية الأمر في رفع مستواه التعليمي، وهذا ليس في مصلحة زعامات محددة، فهؤلاء، ووراءهم عشرات الآلاف من المشتغلين بالتجارة الدينية، من المستفيدين من بقاء الجهل واستمراره، فتسيير الملايين كل عام في مواكب دينية أصبح سهلا ومصدر دخل كبير للبعض، ولكن ما الذي جناه العراق من كل هذه المسيرات غير تعطيل أعمال الناس وتأخير كل تقدم؟ إن مستقبل العراق والكويت يكمن في تعاونهما، وليس هناك جار للعراق أفضل من الكويت، التي يمكن أن يستفيد منها سلميا لأقصى درجة، وليس هناك من طريقة أفضل للعيش بتآخٍ وسلام من إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة، فالحرب العالمية الثانية التي قتلت اربعين مليون أوروبي نتج عنها أكبر اتحاد سياسي، بعد ان أتعظ هؤلاء أن الكراهية والخوف لن ينتج عنهما سوى الخراب! وعلينا بالتالي أن نضع شكوكنا جانبا، ونبعد الشك ونبدأ بالتخطيط للمستقبل، فالعراق مثلا بحاجة لخمسة موانئ بحجم ميناء مبارك، ومعارضة البعض لإقامة الكويت لمشروعها لا تستند إلى أي حجج قوية. كما أن البلدين بحاجة لإنشاء منطقة حرة بينهما، ومناطق خدمية وصناعية مشتركة، ومشاريع مياه ومد خطوط حديدية، وتوليد الكهرباء وإنشاء السدود لري أكبر قدر من الأراضي الزراعية التي يمكن أن يعمل بها مئات الآلاف من العاطلين عن العمل الآن، والمشاركة في انتاج مختلف المواد السهلة الصنع وغير ذلك! قد يجد الكثيرون أن كل هذه مجرد أحلام لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، ولكنها احتمال قابل للتطبيق، ولا يحتاج لغير الإرادة، فليس هناك من وسيلة لرأب الصدع بين البلدين واسكات أصحاب النوايا السيئة وخنق الفتن في مهدها من إقامة مثل هذه المشاريع الكبيرة التي ستعود بالفائدة على شعبي البلدين.
***
ملاحظة: (*) يشترك العراقيون والكويتيون في استخدام المثل «اقبض من دبش»، للدلالة على صعوبة أو استحالة الحصول على الأجر أو الدين. وقد فسرت سيدة المثل بقولها ان «دبش» كان يهوديا عراقيا أسمه «عزرا ساسون دبش»، وكان يعمل مديرا لميناء البصرة، ويقوم بالأعمال كافة، ومنها دفع الأجور. وبعد انتشار حوادث سلب ونهب بيوت وممتلكات اليهود (الفرهود)، بعد إعلان قيام دولة إسرائيل بفترة قصيرة، هاجر «دبش» الى إسرائيل، وأصبح مديرا لميناء حيفا حتى وفاته في 1962. وبعد أن ترك العراق صار العمال في ميناء البصرة يسألون عن أجورهم، وكان الجواب دائما «أقبض من دبش»، كناية عن عدم وجود أي أجور، لأن الذي كان يدفعها قد رحل ولا أحد يقوم بما كان يقوم به!
***
فهل سيقول لنا اعداء التعايش بين البلدين: اقبض من دبش؟!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

أول الغيث من تونس

عندما تعطي الناس الحرية في الاختيار من دون ترهيب أو ترغيب.. فانهم يختارون الفطرة. وعندما تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم.. فانهم يعبرون عنها بالفطرة. وعندما تطلب منهم ان يحددوا اتجاهاتهم.. فانهم يتجهون إلى الإسلام.
هذا بالضبط ما حدث في تونس أمس الأول عندما سُمح للناس أن يختاروا.. من دون قيود.. وبحرية كاملة.. فاختاروا راية الدين.. راية الإسلام.
ثمانون عاماً من فصل الدين عن الحياة اليومية.. أكثر من نصف قرن من تربية الناس على العلمانية.. أكثر من نصف قرن من تشويه صورة المسلم الملتزم بوسائل اعلام رسمية وغير رسمية.. أجيال تعاقبت ونشأت في هذه الأجواء المعادية لكل ما يمت للدين بصلة.. غيروا المناهج الإسلامية.. ألغوا مفاهيم شرعية ثابتة.. أصّلوا لعادات غربية ليس لها علاقة بالدين الإسلامي.. ومع هذا.. ومع أول فرصة للتعبير عن الرأي بحرية.. أظهر الناس المارد المختبئ في وجدانهم طوال تلك السنين من الكبت والقهر.. وأعلنوا للعالم أنهم شعب مسلم يعتز بإسلامه ويتشرف بانتمائه للدين.
فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس هو أول الغيث.. فعندما توجد الحرية يختار الناس الفطرة.. ويعودون إلى أصالتهم.. «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه».
وما حدث بالأمس في تونس روّع خصوم الدين من أجانب وعرب.. لانهم كانوا يتوقعون ان يكون الزمن أثر على شعب تونس وغير من آرائه، خصوصاً أن تونس دولة أقرب ما تكون إلى أوروبا في انفتاحها وحضارتها وثقافتها طوال عقود مضت. ولكن السؤال الآن: هل سيستمر الغرب وأعوانهم في بلادنا في مدح التجربة الديموقراطية في تونس ام ان نجاح الاسلاميين سيعتبرونه وأداً للديموقراطية، كما حدث في الجزائر عندما اسقط الشعب حقبة من الدكتاتورية وجرت اول انتخابات حرة ونزيهة، ولكن عندما أظهرت النتائج فوز جبهة الانقاذ الاسلامية انقلب الباطل ع‍لى الحق، ودعم الغرب المتحضر تدخل الجيش والغاء الانتخابات وهلل علمانيو العرب لهذا الاجراء وظهر الوجه البشع لمدعي الديموقراطية والحرية؟!
اذاً هم يريدون ديموقراطية وفقاً لمقاسهم وتتناسب مع توجهاتهم، وعذرهم ان الاسلاميين يلغون الآخر! لذلك هم ألغوا الاسلاميين! وها هي الجزائر منذ ذلك التاريخ لم نجد هذا «الآخر» ولم نسمع عنه.
أول الغيث من تونس..
ها هو رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي يعلن الشريعة الاسلامية مصدر التشريع في المرحلة المقبلة.. وهذا الاعلان لم يكن من فراغ، بل لانه يدرك ان هذا الاعلان يتفق مع ما يريده الشعب الليبي.
وها هم الاخوان المسلمون في مصر يستعدون لحصد %30 من مقاعد مجلس الشعب ليؤكدوا ما ذهبنا اليه في اول هذا المقال، من ان الشعب مع الاسلام اذا سُم.ح له بالتعبير عن رأيه بحرية، وها هم زعماء العلمانية والانظمة الليبرالية اعداء الدين يتساقطون واحدا تلو الاخر غير مأسوف عليهم وبلا رجعة باذن الله.
انهم الاخوان المسلمون..
هذا الاسم الذي تم تشويهه بوسائل الاعلام الغربي والعربي طوال نصف قرن.. وألبسوه تهما وجرائم هو منها براء.. وألصقوا به العذاريب وخوفوا الناس من الاقتراب منه! ها هو المارد يعود اليوم بقوة ليعلن للعالم «ويمكرون ويمكر الله».. «والله غالب على أمره».
وفعلا.. ما يصح.. الا الصحيح.

محمد الوشيحي

الصفراء أم شطفة

الذاكرة ما الذاكرة؟ تتساقط منها أحداث لا حصر لها، وتحتفظ ببعض الكراكيب… وكنت طفلاً عندما قيّض لي الحظ أن أشتري حذاءً أصفر، فردته اليمنى مشطوفة، شكله غريب مريب، اشتريته بفلوس مكافأتي من والدي لحفظي "سورة عبس وتولى" من القرآن الكريم، وكانت مكانة الحذاء في قلبي تفوق مكانة الألماس البلجيكي، وكنت وأنا أحمله في يدي لا أغبط السلطان بلقيه في قصره، ولم أخش شيئاً إلا تدافع المعجبين إذا انتعلته وخرجت به إلى الشارع، وأسئلتهم التي لن تنتهي: "من أين حصلت عليه؟ وما هو شعورك؟ وهل تسمح لي بتجربته؟ ووو"، كان الله في العون، هذه هي ضريبة بو شطفة.
وخرجتُ بالحذاء الكريم… ومضت دقيقة، تبعتها دقيقتان، وعشر، وكرّت مسبحة الدقائق، ويا للهول، لم يتدافع المعجبون، ولا حتى معجب واحد ولو بالمصادفة، سحقاً لهم، ولم يسألني أحد ما هو شعورك، وخنقتني العبرة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقررت أن أبادر أنا بعرض "الأصفر أبو شطفة" على المارة وعابري السبيل، فانتظرت أول عابر، وكانت عجوزاً تسكن في آخر الشارع، وجهها هو المصدر الرئيسي للتجعيد، فيه سبعون خطاً ويزيد، ورحت أمشي بالقرب منها، علّها ولعلها تسألني عن شعوري أو تستجديني تجربته، لكنها لم تلحظ شيئاً، فاضطررت إلى رفع طرف دشداشتي كي يظهر الحذاء وتظهر الشطفة، لكنها "ولا في البال"، فلم أجد مناصاً من لفت انتباهها بالتصريح بعد أن فشل التلميح: "ما رأيك بشطفة حذائي؟" وأشرت إليه، فأجابتني بأدب: "إذا لم تحمل شطفتك وتبتعد عن طريقي فسأقطعها على دماغك"، فابتعدت عن طريقها، لا خوفاً على دماغي بل على حذائي.
وانتظرتُ مرور غيرها من أهل الخير وذوي القلوب الرحيمة، علّ أحدهم يقدّر قيمة هذه الشطفة المباركة، لكن بادرة أمل واحدة لم تلح في الأفق، فلم يعد أمامي إلا أن أطرق الأبواب لأستعرض حذائي أمام أقراني الذين ناموا استعداداً للمدرسة صباح غد. وبدأت حملة طرق الأبواب، ففتح لي والد أحدهم، وما إن رآني حتى تجهم وصرخ: "نعم؟"، فأعطيته جانبي الأيمن وأنا أتبسم بزهو، ورفعت رجلي وكأنني مضطر إلى حك قدمي، عسى أن يرى الشطفة فينبهر فيفتح معي حديثاً مطولاً مليئاً بالأسئلة التي تبدأ من: "ما هو شعورك؟" ولا تنتهي إلا بطلب تجربته، وكنت سأسمح له بتجربته، لكن المثل يقول "خيراً تعمل شراً تلقى"، فبدلاً من الانبهار بحذائي، شدني من ياقة ثوبي فخنقني فبكيت، وراح يشتم ويسأل: "ابن مَن أنت؟ اعترف… ماذا تريد من ابني؟" ودون أن ينتظر إجابتي ركلني بكعب رجله على ظهري ففقدت أنفاسي وكدت أموت.
ولا يأس مع "الأصفر أبو شطفة"، لكنني خفت من فكرة طرق الأبواب، فقررت أن أوقظ صديقي من دون أن يستيقظ والده، فرميت شباكه بحجر كما كان يفعل عبدالحليم حافظ مع شادية، لكن صديقي ليس شادية، لذا انكسر شباكه لعنه الله، فولولتُ ولطمت رأسي، وحملت أبوشطفة في يدي وأطلقت لساقيّ العنان، ولم أتوقف إلا على مشارف الفحيحيل لشدة الهلع.
وجلست مستنداً إلى سور إحدى المدارس أستجمع ما بقي من أنفاسي وأعيد ترتيبها وأوقف نزيف الدم من قدميّ الحافيتين… وتوالت المحاولات، لكنّ أحداً لا يريد أن يعطي أبوشطفة مكانته التي تليق به، إلى أن علمتُ لاحقاً أن الشطفة ليست إلا عيباً مصنعياً، بدليل أن الفردة الأخرى تخلو من الشطفة.
ويخرج الشعب الكويتي بديمقراطيته الصفراء أم شطفة، يستعرض بها أمام المارة من الأوروبيين والدول المحترمة، عل أحداً يسأله عن شعوره، ولا أمل، فيطرق الأبواب ويكسر الشبابيك ويهرب إلى مشارف الفحيحيل، ويكتشف لاحقاً أن ديمقراطيته بشكلها هذا ليست إلا عيباً مصنعياً، بدليل أن حريته مرتبطة بمزاج السلطة، وحكومته التي تقرر مصيره لا يختارها.

حسن العيسى

سلع للبيع

إذا لم تكن هذه المحسوبية بجسدها وروحها النتنة، فماذا تكون إذن؟! الخبر الذي جاء بالصحافة أن عدداً من الذين رفضتهم إدارة الفتوى رفعوا دعاوى أمام المحكمة الإدارية طالبوا فيها بإلغاء قرار تعيين 22 قانونياً بإدارة الفتوى والتشريع على سند أنهم حصلوا على شهادات من جامعات غير معترف بها من الحكومة وبمعدل أقل من المطلوب! طبعاً، هي الحكومة ذاتها الوصية على روح العدل والمساواة في الدولة، والتي يتنطع أربابها وحواشيهم دائماً بالاستقامة السياسية في إدارة الدولة ورسم "سياستها العامة".
وأياً يكون الرأي الذي ستنتهي إليه المحكمة في تلك الدعاوى، فإن هذا الواقع المخجل يشهد كيف تدير السلطة أمور الدولة، وكيف ينبض بالحياة على أرض الواقع مفهوم "السياسة العامة" لمجلس الوزراء الذي تحصنت سلطاته إزاء مجلس الأمة بعد حكم المحكمة الدستورية الأخير.
المحسوبية هي الواسطة، وهي الفساد يمشي على قدمين، وليت القضية حصرت في جماعة محددة من المجتمع مثل الذين رفضت طلباتهم إدارة الفتوى، أو جماعة أخرى غيرهم لمسوا الظلم باليدين ورفعوا أمرهم إلى القضاء، فعندها سنقول إنها واقعة أو وقائع محددة لا يمكن القياس عليها وسينتهي أمرها حين تطرق أبواب قصر العدل، لكنها ليست كذلك، هي ممارسة عامة للسلطة في جل شؤونها، وهي عرف وأعراف السلطة و"سياساتها العامة".
هي السياسة العامة للسلطة التنفيذية ليست فقط في التعيينات بجهازها الكسلان والمترهل، بل بكل صغيرة وكبيرة في دولة "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر"، وما أكثر الذين عشقتهم عيون السلطة، هم من المعارف والمقربين، هم شعراء المديح وكتاب التبرير، وهم الذين لا يتنازلون أبداً عن شعارهم القديم المقدس الذي كان بالأمس تحت عنوان "الشيوخ أبخص"، واليوم بشعار "الحكومة أبخص". فهي أبخص حين تفصل المناقصات والمزايدات على مقاس "ربعها"، وهي "أبخص" حين تعين أقارب ومعارف "اربيعها" في الوظيفة العامة، وهي أبخص حين تشرع كوادر الهدر المالي وحرق المستقبل لجماعتها وتتناسى غيرهم ومن هم أحق، هي حكومة "البخاصة" المسكينة التي لا تعلم (وحسن النية مفترض) كيف قفزت أرصدة نوابها إلى خانة الملايين بين يوم وليلة، وكيف تفجرت منابع الثروة بالأمس ـ وحتى اليوم- فجأة للعارفين بدروب الخير ومسالك الصالحين في أرض النفط وزمن "من سبق لبق".
هل هناك أي أمل بالإصلاح! وهل ستخيم على أحلامنا كوابيس "البوعزيزي" بتعبير "الشال"، ونضع أيدينا على قلوبنا كلما امتد بنا العمر ونظرنا إلى أطفالنا وماذا يخبئ لهم قدرهم في دولة "سيروا على البركة"! الاجابة غير متفائلة، فمادام سعر برميل النفط ظل مرتفعاً فستبقى معه ضمائر الكثيرين سلعاً للبيع  في مزادات السلطة.