قررت المعارضة النيابية أو ما يسمى بالمعارضة، إن صح التعبير، أن تقاطع لجان مجلس الأمة بحجتين؛ الأولى، هي سوء الإدارة الحكومية، وهو أمر متفق عليه ولا يستطيع أن يتغاضى عنه عاقل، والأمر الآخر هو وجود نواب “قبيضة” كما تمت تسميتهم، وهم المحالون إلى النيابة بسبب تضخم حساباتهم البنكية بشكل غير اعتيادي، وعدم إمكان تعاون نواب ما يسمى بـ”المعارضة” مع “القبيضة”. وقبل الدخول في صلب الموضوع والتعليق على هذا الأمر، فإنه يجب علي أن أطرح تساؤلاً مهماً على ما يسمى بالمعارضة، هل “قبيضة” اليوم هم أول “قبيضة” يدخلون مجلس الأمة في عهدكم؟ الإجابة طبعا لا، وقد شاركتم القبيضة السابقين سواء في اللجان أو الوفود أو حتى الاستجوابات في أحيان كثيرة، ولكن قبل أن تقولوا “اللي فات مات” أنتم مازلتم تشاركون “القبيضة” من غير النواب في معارضتكم، بل وتصفقون وتطبلون له أيضاً، فمن قبض “الوسيلة” هو أحد رموز المعارضة اليوم، وهو ما يعني أن حجة انسحابكم من اللجان لكي لا تجتمعوا بـ”القبيضة” متناقضة مع تصرفاتكم السابقة والحالية أيضاً. عموما ما سبق هو هامش الموضوع أما الجوهر فهو يتمثل في التالي: “ينبغي أن يشترك كل عضو من أعضاء المجلس في لجنة على الأقل”… تلك فقرة من نص المادة 45 من اللائحة الداخلية للمجلس تلزم عضو مجلس الأمة سواء كان “قبيضاً” أو موالياً أو معارضاً بالمشاركة في لجنة واحدة على الأقل، وإلا فإنه يخل بعضويته وأداء مهامه في تمثيل الأمة بأسرها.
وقرار ما يسمى بـ”المعارضة” بعدم المشاركة في اللجان يعني أنهم يتعدون ويتجاوزون اللائحة الداخلية من أجل تسجيل موقف لإثبات أن الحكومة و”القبيضة” لا يحترمون الدستور والقانون واللوائح، بمعنى آخر أن من يسمون بـ”المعارضة” يتجاوزون القانون لرفضهم تجاوز الحكومة و”القبيضة” للقانون! فضلا عن أن رواتب الأعضاء المقاطعين للجان تعد غير مستحقة بحكم أنهم لا يؤدون وظائفهم كما تنص اللوائح والقوانين، وهو ما يعني أن المعارضة الجديدة التي ترفض التعدي على الأموال، كما تدعي، تتقاضى رواتب وأموالاً غير مستحقة كذلك. وهنا أخاطب نواب الإسلام السياسي تحديداً ومدّعي حماية المال العام من المقاطعين تحديداً فما تتقاضون من رواتب بعد مقاطعة اللجان هو مال حرام ويتجاوز المادة الـ17 من الدستور كذلك. أنا هنا لا أنكر أن وضع المجلس والحكومة كارثي ولا يطاق وسوء اختياراتنا هي أساس هذا التردي، ولكن ليس من المنطقي أبداً أن ننسحب من المجلس ونجعل الفساد يستمر دون رقابة، فلماذا نعاقب الكويت أكثر بترك أدواتنا الرقابية في أيدي الفاسدين والمفسدين وكأننا نطبق أسلوب طارق العلي في مسرحية “سيف العرب” حين قوله “والله أحمق… عليكم هسّه وأثوّر بنفسي”.
ضمن نطاق التغطية: “إذا لم تكتمل عضوية اللجان الدائمة وتبين أن بعض الأعضاء لم يشترك في عضوية أي منها، أو لم يشترك إلا في عضوية لجنة واحدة، يتم شغل الأماكن الشاغرة من بين هؤلاء بطريق القرعة بدءاً بالأعضاء الذين لم يشتركوا في عضوية أي لجنة”.
تلك هي تتمة المادة 45 من اللائحة الداخلية للمجلس، وهو ما يعني أن بإمكان الرئيس أن يقوم بالقرعة ويملأ مقاعد اللجان بالنواب المقاطعين! حتى تسجيلكم للموقف، وإن اختلفنا عليه، لن يجدي في ظل وجود هذا النص.
بين أنفاس السجائر
خذ يا صاحبي هذه السيجارة من صنع الجيرمان، أشعلها واكتم دخانها في صدرك ثم انفثه إلى الأعلى… حاول أن تستمتع بلحظاتك هذه إلى أقصى مدى فالمستقبل غضوب عبوس.
منذ الآن وصاعداً، وإلى المدى القريب، لا تُصِخ السمع أملاً في سماع ضحكات الأطفال. معلش، فلسنا في موسم الأطفال ولا ضحكاتهم، وأنت تعرف أن لكل شيء موسماً، للكَرَز موسم، وللتفاح موسم، وللأطفال كذلك موسم، ليس غداً بالتأكيد.
خذ يا صاحبي السيجارة الثانية، وفكر في ما ستفعله في الأيام المقبلة عندما ترتفع الصرخات والآهات، ويعلو غبار المظاهرات المطالبة بالإفراج عن المحجوزين، وتعلّم، وعلّم أطفالك، كيف يتلثمون بـ”الغترة” لمكافحة الغبار، ألا هل بلّغت اللهم فاشهد.
الدولة يا صاحبي بأجهزتها الهضمية والتنفسية جُيّرت وتُجيّر لخدمة الكراسي، الدولة كاملة من الجلدة إلى الجلدة تحولت إلى مسامير لتثبيت الكراسي. وأن يحصل شيخ دين على الجنسية أو حتى ممثل لا موهبة له، هو أمر لا غرابة فيه، إذ لا علاقة للمهنة بالجنسية. الغرابة، كل الغرابة، أن يتحول الدين إلى “هدية قيّمة” يقدمها الباحثون عن الجنسية إلى من بيده الكرسي، ويتحول الفن إلى وثيقة تثبت الولاء لأصحاب الكراسي.
وكان الأستاذ، أو الشيخ، عبدالرحمن عبدالخالق، قد أصدر فتوى عنقودية متفجرة قبل استجواب سمو رئيس الحكومة، ألغى فيها، بصورة أو بأخرى، المادة (100) من الدستور، خصوصاً الشق المتعلق برئيس الوزراء، الذي يبيح استجوابه. وكان زميله الشيخ عبدالله السبت قد ذهب إلى أبعد من ذلك، وأفتى بما هو أنكى وأشد، إذ رأى، لا أعمى الله بصره، أن “تعطيل الدستور” بمواده كلها، لا المادة (100) فحسب، أمر لا يستحق الغضب ولا حتى العتب.
وقد نسمع من “الشيخين” حفظهما الله، في القادم من الغبار، فتاوى مختومة بختم الحكومة، وقد لا نسمع، وقد نقرأ هجاء الممثل أحمد إيراج للمعارضة، وقد يقول ما لم يقله زميله الممثل “موضي علف” عن المعارضة، وقد لا يقول، لكن الأكيد والثابت أن أبطال الحروب والشهداء أقل من أن “يتكوّتوا”، كما ترى الحكومة، فلم يقدموا إلا أرواحهم، فقط، لا فتاوى دينية تهز العقول ولا أعمالاً فنية تهز الحجول.
وأخشى أن تكون “جناسي” هؤلاء مربوطة بخيط مطاط، أو أن تتحول الجنسية إلى دَيْن يلزم سداده.
أشعل يا صاحبي سيجارتك الثالثة وأدر بيننا أقداح القهوة الصنعانية، وتعال نبكِ كالنساء على الكويت التي سقطت على الأرض، واختفت بين أرجل المارة. أشعل سيجارتك بسرعة قبل أن تقرأ، في القريب العاجل، أخباراً عن هجرة بعض المعارضين إلى دول أوروبا ليتسنى لهم المعارضة من هناك بصوت أعلى مما كانت تخشاه الحكومة.
اكتم دخانها في صدرك… ثم انفثه إلى الأعلى وأنت مغمض العينين.
تجربتي اليابانية
قضيت جزءا من الصيف الماضي مع أصدقاء يابانيين، وكانت تجربة جدا غريبة، فهذا الشعب الذي سبق أن اختار العزلة عن العالم لقرون طويلة، قبل ان ينفتح مع بداية القرن الماضي، يعتمد كليا على نفسه، بخلاف شعوب دولنا النفطية تماما، فاليابان لا تمتلك أي موارد، فلا فحم ولا نفط ولا حديد ولا خامات مهمة، وأرضها عبارة عن 3000 جزيرة متباعدة، وسبق ان دمرت أجزاء كبيرة منها في الحرب الثانية، كما ضربتها، ولا تزال، مئات الزلازل المدمرة، ومع هذا ما زالت اليابان الثانية عالميا في قوتها الاقتصادية بعد أميركا، ولا يوجد بها أمي واحد، ففيها الإنسان هو أساس الثروة! ولو وضعنا جانبا تاريخ اليابان الاستعماري المشين، والذي استطاعت التخلص من آثاره وآثامه تماما مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فإننا نجد شعبا جديرا حقا بالاحترام. فبالرغم من أنهم لم يشتهروا بتدينهم، بشكل عام، فلا علاقة مثلا للدين بأهم طقوسهم وهي الزواج، مقارنة بالأميركيين الأكثر تدينا في العالم الغربي، إلا أن تصرفاتهم الراقية وأمانتهم أمر لا يمكن مقارنته بأي شعب آخر… تقريبا! فأثناء الزلزال والتسونامي الذي ضرب أجزاء من اليابان، واجبر مئات الآلاف على ترك كل شيء وراءهم، شاهد العالم على شاشات التلفزيون ما ابهره، فلا حالات سلب ونهب للمتاجر والبيوت، بعكس ما حصل في مدن غربية عدة، وبالذات في مدن أميركا الكبرى، وعاصمة التدين في العالم الغربي، دع عنك عالمنا بالطبع! وقد حدث ذلك التصرف بتلقائية ونتيجة لطريقة تربية محددة، وليس خوفا من عقاب سماوي.
وقد تعلمت من أصدقائي اليابانيين جهلهم «بفن» الكذب، وخاصة الذي نسميه الأبيض. كما أن الياباني لا يعرف القسم أو الحلف بأغلظ الأيمان وخاصة لإقناع الآخر بصحة ما يقول. وحتى في المحكمة فإن المتهم أو الشهود لا يطلب منهم غير قول: «أقسم بأن أقول الحقيقة، وأن اتبع ضميري، دون خداع أو كذب»! ولا شيء غير ذلك، فلا كتاب مقدسا يضع يده عليه وينطق بالقسم ولا أي شيء من هذا القبيل. ولفت أصدقائي نظري إلى حقيقة ان اللغة اليابانية تفتقد مفردات الشتم والسب، المنتشرة في لغات المجتمعات الأخرى. وعندما يغضب الياباني فإن ما يتلفظ به عادة يعتبر «غشمرة» مقارنة بشتائمنا. ويعود سبب هذا لأدبهم الجم الناتج عن تربية مدرسية ومنزلية صارمة تحث الطفل على التزام الصمت والاستماع إلى من هو أكبر منه، وقد أثر ذلك سلبا على شخصية الياباني بشكل عام، فالقيادات السياسية والإدارية لا تمتلك، كما في الغرب، ملكة مواجهة الآخرين والنظر بأعينهم وإلقاء الخطب الرنانة، فالأدب أو الخجل يمنعهم من ذلك. ولو نظرنا لنسبة تواجد اليابانيين في المناصب الدولية المهمة لوجدنا أن عددهم لا يتناسب مع حجمهم الاقتصادي ومساهماتهم الدولية!
ونختم ذلك بان نقول ان بإمكان أولئك الذين أدمنوا على الدعاء على الآخرين باليتم والتشرد والموت، الاستمرار في ذلك، فلا مجال لإقناعهم بعدم سلامة ذلك، ولكن أليس بإمكان هؤلاء تعلم ولو بعض الشيء من هدوء هؤلاء واحترامهم وصبرهم وأدبهم وعفة يدهم ولسانهم، وقول الصدق؟ لست أدري!
أحمد الصراف
نواب يستجوبون.. نواباً!
يتم في العادة تشبيه اللعبة السياسية في الدول الأخرى باللعبة الرياضية ككرة القدم وغيرها من حيث الالتزام بقوانين اللعبة والمثاليات والحفاظ على الروح الرياضية وتقبل النتائج أيا كانت من قبل الخاسر قبل المنتصر.
*****
ويحرص لاعبو الألعاب الرياضية (السياسية) على إمتاع الجمهور المراقب والمتابع عبر اللعب الهادئ النظيف لا تطفيشه عبر الخشونة في اللعب وضرب الخصوم تحت الحزام، كما يحرص لاعبوهم على احترام وتوقير قرارات الحكم (المحكمة الدستورية) وعدم الادعاء بأن قراراته غير ملزمة (!) كوسيلة لإكمال مسار اللعب الخاطئ الذي يسيء لسمعة اللعبة واللاعبين.
*****
في الكويت تعتبر لعبتنا السياسية ـ الرياضية فريدة من نوعها في تاريخ العالم، حيث لا قواعد ثابتة لها، حيث يمنع فريق من لمس الكرة بيده ويسمح في الوقت ذاته بذلك الفعل للفريق الآخر (الذهاب للمحكمة الدستورية او الإحالة للجنة التشريعية.. إلخ)، كما لم يعد هدف لعبتنا تسجيل الأهداف بل إحراج وإخراج «كابتن» الفريق المنافس أيا كان الثمن او الوسيلة حتى لو كانت إدخال الجمهور للملعب والمشاركة في اللعب مع عدم التعهد بالعودة لقواعد اللعب الصحيح فيما لو تم تغيير الكابتن في يوم ما.
*****
وتتم ممارسة لعبتنا السياسية ـ الرياضية بطريقة عجيبة غريبة، حيث انها مزيج من كرة القدم والقفز بالزانة وخليط من ألعاب القوى وألعاب السيرك، وهجين من الملاكمة التايلندية واليوغا اليابانية وتداخل بين الدامة الكويتية مع ورق وصراخ لعبة البلوت اي «كله على كله» كما قال في يوم ما الحكيم.. أحمد عدوية!
*****
لقد تحولت ممارستنا للعبتنا الرياضية ـ السياسية وبحق الى ملهاة للأمم وأضحوكة للجيران وكنا سنسعد ونضحك مع الضاحكين ـ او نبكي مع الباكين ـ لولا حقيقة ان كلفتها تدمير حاضر الكويت ومستقبلها، فلم نشهد في أمة من الأمم هذا الكم من الصراخ والتناحر ثم انتهى حالها بعد ذلك الى شيء جيد.
*****
آخر محطة:
(1) التهنئة القلبية للمملكة العربية السعودية بمناسبة تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وليا للعهد ونائبا أول لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية وبهذا التعيين يزداد القرار السعودي حزما على حزم.
(2) والتهنئة القلبية للوزيرين النشطين الشيخ صباح الخالد وعبدالوهاب الهارون بمناسبة أدائهما القسم الدستوري امام مجلس الأمة ونأمل ان يزداد القرار الحكومي بوجودهما حكمة على حكمة.
(3) بعد ظاهرة الكويت الفريدة المسماة «وزراء يستجوبون وزراء» دخلنا الآن في ملهاة «نواب يستجوبون نوابا» عبر تهديد بعض النواب باستجواب وزراء حلفاء لنواب آخرين كي يتخلوا عن تحالفهم معهم وصرنا بحق.. طماشة!
الغول والعنقاء والأوبرا
كما توقعت فقد شاركت شخصيات رسمية وشعبية في حفل افتتاح «دار الأوبرا السلطانية» في عُمان، ومنهم من سبق ان حارب فكرة اقامتها في الكويت! وفي أول جلسة لمجلس الوزراء، بعد عودة رئيسه من عُمان، طُلب من المجلس الموافقة على قرار اقامة «دار أوبرا كويتية»، وهذا ليس بالأمر الجديد، فقد سبقته خمسة قرارات مماثلة، لم تر النور، وكانت تصطدم دائما بحائط أو آخر. فان توافر القرار، برزت مشكلة التمويل، وان توافر التمويل برزت مشكلة الموقع، وان توافر ذلك، توقف كل شيء مع تغير الوزير المعني، وليأتي من بعده ويحبس المشروع في درج مكتبه، وهكذا على مدى سنوات طوال. ما استجد هذه المرة هو إلحاق مشروع الدار بديوان رئيس الوزراء، وليس بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهو الأمر الطبيعي، وبما أننا، من أمين عام المجلس الوطني حتى آخر مواطن يهمه أمر اقامة هذا الصرح، لا يهمنا بمن تلحق مسؤولية ادارته طالما أنه سيرى النور في نهاية الأمر، لأننا نريد العنب وليس قتل الناطور، فأهلا وسهلا بالإلحاق، ونتمنى ألا تمنع «انشغالات» ديوان رئيس مجلس الوزراء من السير بالمشروع، ومن جعله على مستوى عال، وألا يبخل عليه، فالخوف أن ننتهي بصندوق كونكريت مسلح كريه لا معنى له. ويجب كذلك أن تكلف شخصيات لها وزنها الثقافي والفني لإدارة هذا المشروع المميز، ويجب ألا يترك لـ «موظف عام» لا يعرف من الفن والثقافة الأوبرالية غير زعيق شعبان عبدالرحيم، فكثير من المشاريع، انتهت وقبرت حية لأن الجهة المسؤولة عنها لم تهتم بها بشكل مناسب.
أتقدم، نيابة عن عشرات آلاف النفوس العطشى لسماع الفن الرفيع ومشاهدته، بالشكر لرئيس مجلس الوزراء على مبادرته، ولكنني أضع يدي على قلبي فأعداء البهجة كثر ونفوذهم عميق، وكسابق عهدهم، سيضعون العصي وحتى أصابع أيديهم في عجلة المشروع لوقفه، ووأده حيا، فلا تسمحوا لهم بذلك.
أحمد الصراف
ثورة…عايض!
يمكن فهم أن تكون هناك فئة معينة من المواطنين تمارس السياسة أو أن تهتم بالشأن العام، تتابع نشرات الاخبار والبرامج الحوارية، كذلك قد تهتم فئة معينة بالقضايا الخليجية والعربية والعالمية.
لكن أن تكون غالبية المجتمع الكويتي وعلى اختلاف أعمارهم وأجناسهم ومذاهبهم وثقافتهم متعلقين جدا بالمسائل السياسية ومتابعين مخلصين لنشرات الأخبار حتى تحولت مجالسهم إلى دار للندوة أو نسخة مصغرة لساحة الارادة أو الصفاة!
أصبحنا ننظم مظاهرات واعتصامات (واربعائيات) لكل قضايا مجتمعنا الكويتي وكذلك نصرة لقضايا أمتنا العربية الإسلامية!
حتى أبناؤنا الطلبة أفسدنا ثقافتهم، فبدل أن يعتصموا أمام مدارسهم رافعين كتبهم الدراسية تعبيرا عن احتجاجهم المشروع على توزيع الدرجات، ذهبوا الى وزارة التربية يرفعون شعارات سياسية مأخوذة من ساحة الإرادة الكويتية وساحة باب عمرو بحمص، وأكملوها بأهازيج على الطريقة السورية ضد وزير التربية في الكويت!
اصبح المجتمع الكويتي سياسيا حتى الثمالة، فبدلا من نقاشات التنمية والاقتصاد وحوارات الشعر والادب انتشرت المحاورات السياسية، يجب ان نعود الى صوابنا وألا نزج بكل شرائح المجتمع في دهاليز السياسية القذرة، فرفقا بأبنائنا والقوارير!
اتمنى أن تتحول مجالسنا (الديوانية) الى ملتقيات مفيدة ومتنفسا جميلا لمرتاديها بعيدا عن السياسة «فمن السياسة ترك السياسة»!
كذلك يجب وقف الحرب الشرسة بين الحكومة وخصومها والتي تدور رحاها على وسائل الاعلام المرئي والمقروء والتي أفسدت الذوق العام، الا يحق للمواطن متابعة برامج اعلامية ترفيهية او ثقافية أو دينية بعيدا عن هموم السياسة، سيّستم الشعب وجنيتم ثقافة «تعرف عايض»!
ولا ألوم الطلبة عندما رفعوا هذا الشعار، فهم تأثروا وبلاشك بمن سبقهم من السياسيين والذين أصبحت بعض تصريحاتهم ليست فقط نابية بل خادشة للحياء والاخلاق العامة، ناهيك عن التشكيك في وطنية وولاء خصومهم.
للاسف بدأنا نخسر الكويت التي عرفت بتسامحها وترابط أبنائها، والسبب لعب الكراسي والمناصب السياسية والمصالح الشخصية، عزف السياسيون على أنغام الطائفية والفئوية وكان نشازا لا تتقبله الآذان الوطنية.
يجب أن نستذكر كلمة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد ـ رحمه الله: «إن الكويت هي الوجود الثابت ونحن الوجود العابر».
يجب أن نراجع الكثير من أخطائنا السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية التي أنتجت ثقافة «الانبطاح ـ التأزيم».. وكارثة عايض.. ارحلوا جميعا غير مأسوف عليكم!
زلّفتكَ نفسي
عمرك شفت حيواناً يتزلف إلى حيوان مثله؟ هل شاهدت، مثلاً، أسداً يقبل يد أسد؟ أو شاهدت ثوراً يجري أمام ثور ليفسح له الطريق؟ أو بومة تنهض من مكانها لتجلس فيه بومة أخرى أصغر منها سناً؟ أو نعامة تضحك لنكتة سخيفة أطلقتها نعامة أخرى، دمها يشبه دم المسؤولين العرب وهم يطلقون نكاتهم؟ أو شاهدت سنجاباً يمتدح، كاذباً، نتانة سنجاب آخر؟
وكنت في دبي عندما سألني مدير المبيعات وهو يروج للمنتجع: "حضرتك من فين"؟ فأجبته: "من الكويت حيث يكثر النفط والتزلف". فعلق ضاحكاً: "كلنا في التزلف شرق".
وما تعيشه الكويت هذه الأيام، يشبه إلى حد التطابق والتلاصق ما كانت تعيشه مصر في السبعينيات، عندما جرى تفريغ الإنسان المصري من مبادئه الشامخة لتوضع بدلاً منها مبادئ الكذب والتزلف وعدم الإتقان والغش وسرعة الاستسلام ووو، وستحتاج مصر المحررة إلى عقود ودهور قبل أن تستعيد "مصريتها" المسروقة.
ويوم أمس تبجّح المتبجح الأكبر السيد عمرو موسى: "أجريت اتصالات عدة مع الجهات الدولية لاستعادة أموال مصر المسروقة"، دون أن يعي أنه هو نفسه ساهم في سرقة ما هو أثمن وأغلى من أموال مصر، مبادئ مصر، عندما زرع حوله مجموعة من المتزلفين والمتلحوسين والمتنهوصين، يتراكضون أمامه وخلفه ليوهموا الأرض بهيبته.
وفي الكويت، يتحدث أحد المواطنين عن ذلك المسؤول السابق الذي كان مديراً عاماً لإحدى الهيئات الحكومية بدرجة وكيل وزارة، وسكرتيره الذي كان يقول للمواطنين قبل الدخول إليه: "إذا خاطبتموه فخاطبوه بلقب (يا طويل العمر) ولا تقولوا يا بو فلان"، ويكمل المواطن: "كانت حاجاتنا عنده مرهونة بتوقيعه، وكنا نضطر إلى مخاطبته بما يشتهي رغم احتقارنا لأنفسنا، لكنها الحاجة لعنها الله، وكنا نقيم له مناسبات العشاء والغداء لنكسب وده، فأنت تعلم أن الكويت لا تسير بالقوانين بل بمزاجية المسؤول".
يتحدث هذا المواطن وأنا أنظر إليه مشدوهاً وأغمغم: "إذا كان هذا يقول ما يقول ويفعل ما يفعل وهو يملك كل هذه المزارع والمؤسسات والشركات والأموال، فماذا بقي للبسطاء الذين تزوجوا الأقساط زواجاً كاثوليكياً؟ ليس لهم إلا أن يدخلوا يحبون على ركبهم".
ويقسم أحد معارفي أن مسؤولاً كبيراً يتعرض للسخرية والتهزيء المغلف بالمزاح من رئيسه، أمام كل الموجودين والزوار، بشكل يومي، ويضطر المسؤول "المتهزئ" إلى الكركرة وتحمل الإهانة ولسان حاله يقول: "زلفتك نفسي من أجل الترقية والتقارير".
وآآآآه كم طنٍّ من الديتول نحتاج لتطهير هذه الديرة.
الإضرابات والاعتصامات.. المشكلة والحل!
البديل «الوحيد» للنفط الناضب سريعا والذي يشكل 98% من دخل الدولة هو التحول سريعا الى كويت المركز الاستثماري والسياحي، لذا خصص ما يقارب 137 مليار دولار من المال العام للوصول لذلك الهدف السامي الذي دونه ستتحول الكويت مستقبلا الى صحراء قاحلة لا يسكنها أحد حالها حال «مدن الذهب» في الصحراء الأميركية.
*****
وقد هجر هذه الايام عشرات الملايين من السائحين والمستثمرين العزيزة مصر بسبب الاعتصامات والإضرابات المماثلة رغم ما في مصر من مغريات للسائحين والمستثمرين، لذا نقولها صريحة إن مئات المليارات التي خصصناها للتحول للمركز المالي المنشود وكل البنى الأساسية التي نزمع إقامتها ستصبح أطلالا تذروها الرياح ما لم نصل الى تفاهم مجتمعي حول تلك الإضرابات والاعتصامات، فبداهة لماذا سيترك المستثمر والسائح الأجنبي مراكز مالية قائمة في الخليج مثل دبي وأبوظبي وقطر وعمان ليأتي الى بلدنا، وهل سمع أحد بأي اعتصامات أو إضرابات بتلك البلدان؟!
*****
ونحتاج في الجانب الرسمي أو الحكومي الى إنشاء «لجنة تفاوض مركزية مختصة» تنبثق من مجلس الخدمة المدنية وتحضر جميع مفاوضات الوزراء والمسؤولين مع النقابات المختلفة للتأكد من سيادة مبدأ العدل والمساواة بين القطاعات المختلفة في الدولة، ولا يترك الأمر الى اجتهادات شخصية تتباين بتباين الاشخاص وقد تخطئ أو تصيب.
*****
يقابل ذلك على الوجه الآخر للعملة ضرورة إبعاد العمل النقابي عن العمل السياسي وتدخل الكتل السياسية النيابية فيه، حيث لم نر أمرا مشابها في الدول الاخرى، كما يجب على النقابات النظر في الأوضاع العامة بالدولة ومدى معقولية بعض المطالب، ومعها عدم التجريح في المسؤولين الذي يحيل العمل النقابي المشروع الى عداء شخصي وسياسي غير مقبول.
*****
في الختام، الكويت التي تدمر هذه الايام بالاعتصامات والإضرابات هي نفسها ـ للتذكير ـ الكويت التي بكينا دما عليها عندما ضاعت منا عام 90 لمدة 6 أشهر، فكيف سيكون الحال والأعوام تجري سريعا، عندما تضيع منا الى الأبد بسبب أنانيتنا وقصر نظرنا..؟! لست أدري!
*****
آخر محطة:
(1) مقال الزميل فيصل الزامل أمس المعنون «حوار بين مراجع وموظفة» يحلل ويلخص بشكل رائع إشكالية الإضرابات والاعتصامات في البلد.
(2) قد نحتاج في كويت المستقبل للتحول الى نظام عقود الموظفين كما حدث في ماليزيا وكان بداية تطورها، حيث تسبب في زيادة إنتاجية ودخول العاملين فيها، كما نحتاج الى إعادة النظر في مبدأ الكوادر عبر خلق نظام رواتب عام جديد للدولة يعدل بين العاملين وينظر في زيادة الرواتب العامة كل عدة أعوام ودون ذلك فـ.. الخراب على الأبواب.
الفكرة والفكر والكفر
بيَّن المؤرخ برنارد لويس في كتابه What went wrong، الذي صدر قبل أحداث 11 سبتمبر بقليل، مجموعة العوامل التي أدت لفشل المسلمين في بلوغ الحداثة ومجاراة الغرب في تقدمه، بالرغم من أسبقيتهم في هذا المجال! وفي محاضرة لأستاذ أميركي، لم التقط اسمه، ذكر أن مجتمعات إنسانية تفوقت على غيرها علميا، واخرى تقهقرت! وتساءل عن الكيفية التي يمكن الاستدلال بها على التفوق، فقال ان الاسماء التي تطلق على المكتشفات العلمية قد تكون مؤشرا جيدا، فمن يخترع أو يكتشف شيئا يعطيه الاسم الذي يرغب فيه. فالفيزياء الجزئية مثلا ازدهرت في أميركا بعد الحرب الثانية، ولو نظرنا لأسماء الجزيئات في الفيزياء لوجدناها في الغالب أسماء لمناطق أميركية. أما الإنترنت، الذي لم يكن لأميركا سبق اكتشافه، فانها أضافت له الشيء الكثير، وهذا منحها ميزة الإعفاء من ذكر الحروف الأولى من اسمها usa في نهاية عناوين مواقعها الإلكترونية، كما هي الحال مع بقية دول العالم.
كما نجد أن الطوابع البريطانية لا تحمل اسمها، مثل بقية الطوابع، فهي أول من اخترع الطابع، وأصبح لها بالتالي «بشرف» الاعفاء من طباعة اسمها عليه! وبالرغم من أن «أبراج النجوم» سميت في غالبيتها بأسماء يونانية أو رومانية، لفضلهم في اكتشافها، فإن للعرب الفضل في اكتشاف النجوم نفسها، وبالتالي تحمل ثلاثة أرباعها أسماء عربية، وهذا التقدم العربي الإسلامي العلمي حدث خلال فترة 300 سنة، بين 800 و1100 ميلادية، عندما كانت بغداد، عاصمة العالم، مدينة منفتحة على جميع الثقافات والاديان يشارك الجميع في مسيرتها العلمية، فحصل التطور في الهندسة والاحياء والطب والرياضيات، حتى الأرقام 1 2 3 المستخدمة في الغرب تسمى بـ«العربية»، وكل هذا التطور الكبير أعطى العرب الأحقية في تسمية مكتشفاتهم باسمائهم. ثم حدث الانقلاب في القرن 12م، عندما حرم الإمام أبو حامد الغزالي الرياضيات والفلسفة وغيرهما من العلوم ونسبها للشيطان! وهنا توقف التقدم العلمي الإسلامي وانهار ولم يرجع، بعد أن أقنع الغزالي الجميع بأن الوحي يشرح كل شيء ولا حاجة لمعرفة العلوم. وختم المحاضر حديثه قائلا اننا لو نظرنا للفائزين بجوائز نوبل منذ تأسيسها لوجدنا أن ربعها ذهب لليهود الذين لا يزيد عددهم على 15 مليوناً في العالم، في الوقت الذي لم يفز فيه المسلمون، الذين يزيد عددهم على المليار بكثير، بأكثر من 5 أو 6 منها، ولو لم تنهر أوضاع المسلمين في القرن 12 لكانت غالبية جوائز نوبل من نصيبهم!
وقد كفَّر علماء سلف من أمثال ابن تيمية وابن قيم الجوزية وناصر الفهد علماء أفذاذاً أمثال الفارابي وابن سينا وابن الهيثم والرازي والخوارزمي وابن عربي وابن رشد وابن المقفع، وجابر بن حيان والجاحظ والكندي، ووصفوهم بالملاحدة والزنادقة المشتغلين بالسحر والطلسمات، غير المؤمنين بكتب الله ورسله واليوم الآخر. وقال ناصر الفهد في كتابه «حقيقة الحضارة الاسلامية» ان كبار المفكرين الذي كانوا سبب انتساب الفترة الاسلامية الى مقدمة الحضارة الانسانية، كانوا في حقيقتهم خارج الاسلام!
أحمد الصراف
أبحث عن موضوع مفرح
اليوم سأكتب مقالا عن موضوع «ما يجيب الهم ولا يضيق الخلق»، لان المواطن الكويتي سئم من كثرة التحلطم والتشكي، لذلك لن اكتب عن الخلاف بين المجلس والحكومة والذي وصل مداه، وتسبب هذا الخلاف في توقف التنمية قصدا ومن دون قصد، كما لن اكتب عن استيائي من عدم مصافحة النواب لسمو رئيس مجلس الوزراء في جلسة الافتتاح، وان كنت لا ألوم وليد الطبطبائي استثناء، لان سموه سبق أن رفض مصافحته في حفل تكريم «قافلة الحرية»، ايضا لن اكتب عن الوضع التعليمي في البلاد وكيف وصل الامر الى ان يتظاهر طلبة المتوسط والثانوي مطالبين بتغيير نظام التقويم! ولا عن تحريض النواب للطلبة وحثهم على التظاهر، وكأن هؤلاء النواب لم يجدوا من يخرج معهم الا استجداء الطلبة! وأي طلبة؟ طلبة المدارس! وأعاهد القارئ انني لن اكتب اليوم عن الوضع الاقتصادي حتى لا اعكر مزاجه على هالصبح! ولن اذكر له الخلاف في البورصة وكيف اشتكت الحكومة على الحكومة في المحاكم! مما ادى الى تأخير البت في ادراج الشركات الجديدة التي قدمت ملفاتها الى البورصة منذ سنة تقريبا بانتظار قرارها! وحتى لا ازيد من هم المواطن فلن اتكلم عن الخلافات في الوسط الرياضي والتي بسببها تجمد اتحادنا وتأخرنا في انجازات كانت محسومة لنا، ويكفينا اليوم ان مجلس ادارة الهيئة العامة للشباب والرياضة مجهول الهوية، هل سيتغير ام ان تغييره سيتعرقل؟! وبصراحة فكرت اتكلم عن الجانب الاخلاقي والسلوكيات التي انتشرت في المجتمع فوجدتها تضيق الخلق، خصوصا انتشار البغاء ومصانع الخمور وعجز «الداخلية» عن ضبطها بشكل جدي، وسلوكيات الشباب في الاسواق التي تدل على ان لديهم فراغاً مو عارفين كيف يقضونه، واهمال الوالدين لما يجري في بيوتهم وخارجها، والحرية التي ليس لها حدود في مفهوم البعض، وطريقة تعاملنا مع الخدم ومشاكلهم وظاهرة الغش التجاري واللحوم الفاسدة والراشي والمرتشي، والايداعات المليونية و… و…. الخ.
كل هذا لن اكتب عنه لانه يزيد من الهم، لذلك قررت ان اكتب مرة ثانية عن شيء ينشرح له الصدر وهو فوز الاسلاميين في تونس.
وبصراحة حتى هذا الموضوع لن اكتب عنه، لانه سيزعل زملائي الجيران وغيرهم من بني علمان! خصوصا ان احدهم كتب بالامس مقالا ينم عن حنق وغم وهمّ تختلج في قلبه نتيجة فوز الاسلاميين، حتى انه لم يتمالك ان اعطى لقلمه العنان ليكتب بالحق وبالباطل عن تاريخ الاسلاميين، وليته اكتفى بالتاريخ الذي حوره، بل وصل الى التنبؤ بالمستقبل المنتظر عندما اكد انهم وجهان لعملة واحدة مع الانظمة الدكتاتورية التي اسقطوها.
هؤلاء الزملاء ادعياء الدفاع عن حقوق الانسان الذين ايدوا ضرب وزارة الداخلية للنواب في ديوان الحربش، ودافعوا عن رئيس الحكومة في معظم الاستجوابات التي قدمت إليه، ولم يخفوا تبجحهم بضرب الاسد الاب لحماة وقتل ثلاثين الفاً في ثلاثة ايام، وتأييدهم للمتمردين في البحرين الخارجين على النظام، ومع هذا لم يختشوا باظهار استيائهم من انتقال تونس من حكم دكتاتوري الى حكم ديموقراطي ليتأكد ما ذكرناه في مقالنا السابق من ان العلمانيين يريدون ديموقراطية على مقاسهم والا فلتبق الدكتاتورية الى الابد.
لذلك لن اكتب عن هذا الموضوع حتى لا اكدر عليهم.
لكل ذلك قررت ألا اكتب اليوم مقالا لعدم حصولي على موضوع يفرح له القارئ وتنفرج معه اساريره.
*****
شكر خاص للاستاذ محمد السويلم مدير المراسم الملكية في الديوان الملكي بالرياض على سعة صدره وحسن تدبيره وحفاوة التكريم والضيافة التي تميز بها اثناء مراسم التعازي بوفاة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه.