في مقال سابق، ذكرت أن فشل الثقافة العالمية المبنية على القتل والتدمير، التي سادت العالم كله منذ بدء الخليقة، لم يعد مقبولاً ولا معقولاً، فتُصرَف الأموال الطائلة لتدمير البشرية، بدلاً من أن تُوظَّف لإسعادها، وذكرت كذلك أن هذا يفسر سبب ثورة الشباب العالمي على هذا الوضع، وانخراطه في الالتحاق بالبدائل المطروحة على الساحة، فهناك بديل ديني، يمثله «داعش»، وبديل آخر، يمثله الربيع الشبابي العالمي.
الانتصارات المذهلة لـ«داعش» في العراق وسورية أبهرت الشباب العالمي المتعطش إلى التغيير، فهبَّ مشاركاً أو مساعداً لهذا المشروع. متابعة قراءة الربيع العالمي هو المستقبل… طال الزمن أم قصر
زاوية وطريقة
ماشي، كلنا متفقون على أن مطار الكويت أشبه بكراج في صناعية الفحيحيل، وأنه يطأطئ رأسه خجلاً عند مقارنته بمطار في منطقة نائية في بلد متوسط الثراء. وطبعاً من البجاحة مقارنته بالمطارات الرئيسية في الدول الأخرى… وكلنا متفقون أن طائراتنا “عزبة قوانيص”، ولن نندهش إن وجدنا في مقصورتها علبة ساردين، ودهن بريك منتهي الصلاحية، وعلبة معدنية تحوي مفكات و”لزّاقاً”، وقصافة أظافر، وعلبة كبريت، وبنادول نايت، وحبلاً أصفر مصنوعاً من النايلون، وطربالاً ووو… متابعة قراءة زاوية وطريقة
الصهاينة العرب ظاهرة قديمة!
لنبدأ بتعريف صحيح لظاهرة «الصهاينة العرب» كي نعلم متى بدأت وتأثيرها على مسار الصراع العربي ـ الاسرائيلي طوال عقود، واعتقد ان التعريف العلمي والبديهي لذلك المسمى هو صحة اطلاقه على عرب، ومنهم الفلسطينيون بالطبع، يشاركون الصهاينة غير العرب رغبتهم في سفك الدم الفلسطيني وهدم مبانيه والتوسع على حساب اراضيه، لذا فمن يعمل على تحقيق ذلك الهدف تحت اي شعار اسلامي او قومي.. الخ فهو «صهيوني عربي» اشبه تماما بالصهيوني الاسرائيلي.
****
عبر تاريخ القضية الفلسطينية الذي يمتد لما يقارب القرن من الزمن، تلبّس «الصهاينة العرب» بلباس التشدد والمزايدة في الوطنية لخدمة الهدف السالف ذكره، لذا فحقائق التاريخ التي لا تكذب تظهر بشكل جلي ان ما دمر القضية الفلسطينية وخسّرها كل حروبها، وأسال دماء ابنائها، ورقص طربا على احتلال اراضيها وتهجير مواطنيها وهدم مبانيها، هم المتشددون والمزايدون والمطبلون واصحاب الاصوات العالية التي تسارع بعد كل هزيمة لتخوين الحكماء والعقلاء لمنعهم من إبداء آرائهم الممانعة للحروب وسفك الدماء وخسارة الاراضي عبر ادعاء الانتصارات الكاذبة والتقدم السريع لـ .. الخلف!
****
في العام 1937 رفض المتشددون والمزايدون من «الصهاينة العرب» قرار «لجنة بيل» الملكية البريطانية الذي دعا لانشاء دولتين فلسطينية على 90% من الارض ويهودية على 10%، وقبل اليهود برئاسة وايزمن ذلك القرار وراهنوا على رفض الجانب الفلسطيني المتشدد له، وهو ما تم، وطار زعيم التشدد امين الحسيني إلى هتلر وموسيليني ولم يستمع احد للحكماء الذين دعوا لقبول قرار اللجنة، ولم يحاسب المتشدد الحسيني قط على اجتهاداته الخاطئة، لذا عاد لتكرارها برفضه قرار التقسيم عام 1948 ودعوته للحرب وسالت الدماء وتمت خسارة المعارك والاراضي تحت رايات التشدد المعتادة التي يحمل راياتها.. الصهاينة العرب!
****
واستمر المتشددون في تدمير القضية الفلسطينية عبر انشاء المنظمات المتطرفة وخطف الطائرات والهجوم على المطارات والسفارات والدخول في حروب الاردن ولبنان والانحياز لصدام في قضية تحرير الكويت، ولم يحاسبهم احد قط على جرائمهم تلك، وآخر افعالهم خطفهم لـ 3 شبان اسرائيليين وعدم حتى محاولة تبادلهم مع الاسرى الفلسطينيين، بل تعمد قتلهم لاعطاء اسرائيل الذريعة اللازمة لشن الحرب على غزة وقاموا بإعلان الانتصار المسبق فيها، ثم وعد المتشددون من يناصرهم من الصهاينة العرب بأنها لن تكون الاخيرة بل البداية لسلسلة حروب قادمة سيسفك فيها الدم الفلسطيني انهارا وسيتم هدم ما تم بناؤه تحت رايات النصر الكاذبة والمخادعة، وبالطبع لن يسمح احد بالنقد او حتى التساؤل عن كيفية تعويض الـ 20 الف صاروخ التي اطلقت.. ولم تجرح أحدا!
****
آخر محطة:
1 ـ في كل حرب تدخلها اسرائيل وتنتصر فيها يتم خلق لجان تحقيق محايدة للمحاسبة وتحسين المسار في المرات المقبلة، لذا يتم تكرار الانتصار، في كل حرب يدخلها العرب ويخرجون منها وهم المقتولون والمأسورون ومدمرو البناء ومهدورو الدماء يتم اعلان النصر بشكل سريع كي لا تتم محاسبة القصور، لذا تتكرر الهزائم، وفي هذا السياق هل حوسب من امر بخطف وقتل الشبان الثلاثة؟
2 ـ ذكرت صحيفة «الفايننشيال تايمز» في عددها امس ان اكبر الرابحين من حرب غزة هم المتشددون في الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، واكبر الخاسرين هم المعتدلون مما يمهد لاستمرار الحروب..!
3 ـ العقلاء والحكماء والليبراليون العرب هم آخر من ينطبق عليهم مسمى «الصهاينة العرب» كونهم المطالب الاول بمنع الحروب غير المتكافئة ووقف سفك الدم الفلسطيني وهدم مبانيه.
أنا ولبنان وطوائفه
تقول الكاتبة اللبنانية منى فياض «.. اللبناني، ولأية طائفة انتمى، يشعر بالتميز كونه لبنانياً، حتى لابسات الشادور لديهن هذا الشعور، وعرفته منهن»! وكلام الزميلة جميل، ولكني سبقتها لهذا الاكتشاف الطريف بستين عاما تقريبا، يوم وقعت في حب لبنان، واللبنانيين في صيفية عام 1956، يوم سكنت في بيت «البدر» في ضيعة بحمدون، ومن يومها صار «القمر» أحلى. وتضيف منى قائلة: يعرف اللبناني أنه ينتمي إلى وطن مختلف عن محيطه، إن كان باسلوب معيشته، بصحافته ودور نشره وإعلامه ومطاعمه ومقاهيه وملاهيه الليلية. وعندما ينظر إلى الصبايا والشباب، يلمس شعورا بالانطلاق والانفتاح والتكيف والحرية في اختيار الأسلوب الذي يعيشونه. وهذا ما خبرته شخصيا على مدى العقود الستة الأخيرة، عندما التقيت وتعرفت وعاشرت وصاحبت المسيحي والشيعي والسني والدرزي، تجارا وكتبة ومفلسين، واصحاب مطاعم، و«شوفيرية تكسي» وكان من الصعب في غالبية الحالات التفريق بين تصرف المليونير وتصرف المديونير، فالكرم والنخوة هما اللذان كانا يجمعان صبي البقال بمدير البنك، بصاحب البنسيون بمدير الكافيه.. ولكن يجب الاعتراف أن كل ذلك، كان في طريقه للزوال، بحكم الزمن والحرب الأهلية وتزايد السكان وغيرها من أسباب لا تعد ولا تحصى، ففيروز اصبحت لا تعني الكثير ودوالي العنب لا يطرب الغناء تحتها وجرود بعلبك أصبحت جرداء أكثر ومأوى للمجرمين، وصنين الجبل أصبح منطقة عسكرية، وقمر مشغرة اصبح مغبرا من التلوث، ولكن مع كل ذلك يبقى وجه لبنان العتيق، لبنان المحبة والتسامح والجمال، طالما بقي مسيحيه فيه، فإن هم ذهبوا فسيذهب الأكثر معهم، وسيمحى كل ما كتبت منى فياض وغيرها عنه، وستغيب كل معاني كلمات فيروز وستتخشب قامات أو «كسم» الصبايا، وسينشف الماء من الدوالي، وستخلو الضيعة من أهلها ومن «قهوة الصبحية». هذه، بنظري الشخصي، حقيقة لا استطيع نكرانها، فإن كان أجمل ما في لبنان تنوعه الثقافي والمذهبي والديني والاثني، فإن مسيحييه يبقون زهرة ذلك التنوع، والحضن القادر أكثر من غيره على العطاء الفني والثقافي، والأكثر ترحيبا بالسائح والزائر والمريض والباحث عن الترفيه والتعليم والخبرة بالحياة. فكلما ضاقت بنا السبل في اوطاننا، كما تقول منى، فليس لنا غير لبنان الغني المتنوع والوجه المسيحي المشرق والمضيء، فهو بلد المسيحيين العرب الأول.. بلد الأقليات المتعددة المتعايشة جنباً إلى جنب.. المتقاسمين معا اللقمة والسلطة، في أصغر دولة عربية وأقلها موارد وأكثرها هشاشة.. وعطاء! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
شجاعة محمد الخالد
ورد في القبس، 8/29، على لسان مصدر رفيع، أن الفساد يتحكم بمفاصل وزارة الأوقاف، وأنه منتشر فيها على نحو لا يقل عن وضع البلدية، رغم خصوصية الوزارة، وطابعها التوعوي والديني! لا أعرف كم عدد المرات التي كتبت فيها عن فساد هذه الوزارة، ولكنه لم يقلّ عن 10 مقالات. كما سبق أن حذّرت من خطورة اعتبار أي جهة دينية محصَّنة من النقد والرقابة، ولأي مذهب انتمت، فقد سبق أن كتبت عن شكوكي في ما يتعلق بالتلاعب بأموال الخمس، ولكن لا أحد التفت إلى ما كتبت، بحجة أن ما ذكرته هو «افتراء»، وأن القائمين على هذه الجهات «رجال أفاضل»، وقد يكون هذا صحيحاً، ولكن لا يعني أنهم «ملائكة»، فالمال السايب، كما يقول المثل، يشجع على السرقة، ومع الأسف الشديد، فقد كانت أموال هذه الوزارة في غالبيتها سائبة واعتبارها لا تخطئ تسبب في كارثة أخلاقية، ومؤسف أكثر عدم قيام أي وزير أوقاف، منذ التحرير وحتى ما قبل أسبوع، بفعل شيء لإصلاح الوضع الخرب فيها، وغريب أن يتطلب الأمر في النهاية تدخل وزير داخلية ليقوم بإصلاح الأوقاف! لقد كانت هذه الوزارة، وإن بطريقة غير مباشرة، جزءا من عملية التخريب التي تعرّضت لها عقول عشرات آلاف الشباب، ودفعهم إلى التطرف الشديد. وقد استفاد بعض مسؤولي الوزارة من ذلك التطرف، ومن بث سموم الفرقة، ولكن عندما فاض الكيل، وصدرت «الأوامر» بالاعتدال، تم تفويض الجهة نفسها التي كانت وراء نشر التطرف لتتولى مسؤولية نشر الاعتدال والدعوة إلى الوسطية، وكانت هذه مناسبة أخرى لبعض مسؤولي الوزارة للاستفادة من عملية نقل البندقية من كتف إلى كتف، فعندما تصدر الأوامر لا أحد يعبأ بما سيتكلفه الأمر. وهكذا تم استقدم متطرف سوداني من عظام رقبة الإخوان، وأسكن في فندق 5 نجوم، ومنح مكافأة شهرية لا تقل عن 20 ألف دولار ليقوم بعملية نشر الوسطية. ولم يكتف بعض مسؤولي الوزارة بذلك، بل أسسوا لجاناً ومراكز وسطية، وعينوا أنفسهم فيها، وهات يا لهف أتعاب ومكافآت، وكل ذلك في معمعة لا أول لها ولا أصل، ولا أحد يعرف لماذا تأسست، وما أهدافها، وإلى ماذا تسعى! ويا ليت بقي الوضع دون أي تقدم، فالعكس هو الذي حدث، حيث ازدادت حمى التطرف بين الشباب، منذ تأسيس مراكز الوسطية، لتصل إلى ذروتها مع ورود أنباء عن انخراط مئات الكويتيين في جيش «داعش»، حسب بعض المصادر. إن وزارة الأوقاف بحاجة، كما ورد في القبس، إلى نسف أوضاعها وإصلاح ما نخر فيها من فساد وخراب على مدى سنوات، والمسؤولون عنه معروفون، وسبق أن ذكرنا أسماءهم في أكثر من مقال. وورد في القبس كذلك أن وزير الداخلية سيتجنب تجربة من سبقه من الوزراء، فهؤلاء ربما كانوا يدركون مواقع الفساد، ولكن كانوا يتوقفون فجأة عن المعالجة. ومعروف أن هناك صراعاً شبه دائم بين الإخوان والسلف في الوزارة، ليس على الإنجاز بل على التكالب على المناصب المربحة، فأغلب قيادات الوزارة مختلفة سياسياً، حسب قول القبس، ولكن يجمعها ربما التطاول على المال العام! فهل هناك ما هو مخجل أكثر من هذا؟ شكراً لمحمد الخالد، الوزير والشيخ الشجاع، الذي قام بما عجز غيره من وزراء ومسؤولين كبار عن القيام به. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
الهواء ضدنا والحَكَم ضدنا
الله يذكره بالخير، المعلق الرياضي السعودي في إحدى دورات الخليج لكرة القدم في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان منتخب الكويت قنبلة نووية تعصف بكل ما في طريقها من منتخبات.
وكانت المباراة بين منتخبي الكويت والسعودية، وكان أن انفجرت القنبلة النووية الكويتية في وجه المنتخب السعودي، وانتهت المباراة بفوز الكويت… لكن اللافت للنظر، والممتع والطريف، هو ما قاله المعلق السعودي وقتذاك، عندما اشتكى من كل شيء في هذا الكون، بدءاً من اتجاه الريح، وليس انتهاء بتحيز الحكم: “الهواء ضدنا، وأرضية الملعب ضدنا، والجمهور ضدنا، والحَكَم ضدنا، والحظ ضدنا”… قالها بلهجته الرائعة، وطريقته المميزة. متابعة قراءة الهواء ضدنا والحَكَم ضدنا
هل وصلنا للقاع؟
لم يكن، في يوم من الأيام، احترام الدولة الكويتية وثقلها في المجتمع الدولي راجعاً لثرائها ولا لحجم إنتاجها النفطي أو غير ذلك من الأسباب، فلم تكن هناك أي ميزة لهذه الدولة عن غيرها من دول الجوار بالمنطقة، سوى دستورها وما يقرره هذا الدستور من مبادئ الحريات وما يفرضه من الحدود الدنيا لديمقراطية مقيدة بسلطات أسرة الحكم، ديمقراطية تخلو من معيار تداول السلطة وتحرم الأحزاب وتفوض السلطة التنفيذية التي كانت دائماً تحت هيمنة الأسرة الحاكمة بسلطات "واقع" ممارس بعيد عن نصوص الدستور.
أياً كان الوضع السياسي بالكويت في سالف الأيام، من محدودية هذا الواقع الديمقراطي إلا أنه تصدق عليه مقولة "مفتّح بين عميان".
هذا الاستثناء الكويتي لم يعد قائماً اليوم، وأصبحت الدولة "عمياء بين عميان" ليست من أفضل من شقيقاتها الخليجيات، ولا تتميز عنها بأمر ما، وإن تميزت عنها في مضمار التنمية الاقتصادية ونوعية الخدمات التي تقدمها تلك الدول لمواطنيها، أصاب الدولة هذا "العمى" منذ لحظة حل مجلس 2012 الأول، وما أعقبه من فوضى انفراد أسرة الحكم بتسيير مقادير الدولة دون رقيب. بطبيعة الحال، لا يعني ما سبق الحل الأول لمجلس 2012 أن الدولة، كانت تحيا "يوتوبيا" الديمقراطية، وكانت واحة للحريات، فقد كان الوضع العام، وبالتحديد، مع عمر ذلك المجلس القصير، صورة من "شعبوية" الأكثرية، وجهدت تلك الأكثرية لفرض رؤيتها المتزمتة من خلال بعض مشاريع القوانين التي تناقض الحد الأدنى لحرية التعبير، إلا أنه يحسب لذلك المجلس بعمره القصير، وقوفه بصلابة لقضايا الفساد المالي وجرائم استغلال النفوذ في الدولة، ومحاولاته للحد منها، ويدفع، في هذا الوقت، رموز ذلك المجلس المنحل ثمناً غالياً لتك المواقف الصادقة.
الآن، تحيا الدولة بعتمة قاتمة لحريات الضمير، فقد أصبح أمراً عادياً أن نطالع خبراً، بين يوم وآخر، عن حبس مغرد حبساً احتياطياً وحجز حريته، وتمديد فترات الحبس دون حكم القانون، حين "يتناسى" أصحاب السلطة الضبطية إحضار المتهم بجرائم الرأي في الوقت المحدد أمام المحكمة للنظر في أمر حبسه الاحتياطي.
وتحت ذرائع واهية مثل "الأمن الوطني، المصلحة العليا للدولة، النظام العام، المساس بالثوابت الدينية"، وغيرها من عبارات "الغموض الاستبدادي" التي تحفل بها قوانين الدولة، وهي قوانين "دراكونية" لا أكثر، خلقتها السلطة بداية، وتعذرت بها لمصادرة الحريات السياسية للمعارضين، أضحينا في هذا الزمن الكئيب في جحيم الشك واللايقين من كل كلمة تسطر على شاشة تلفون أو آيباد أو كمبيوتر، وما يترتب عليها من احتمال ترويع أصحابها وفق مزاج أهل السلطان.
قضية اليوم لا توجز في احتجاز كاتب ساخر من مرارة الوضع بالدولة، كأن يكون مغرداً له "كاريزما" (تعبير محطة بي بي سي عنه) قوية في عالم "تويتر"، مثل محمد العجمي (بوعسم)، بعد أن وجدت السلطة ضالتها في اتهامه بازدراء الدين، حين أصبحت هي أكبر مشايخ السلفية والمدافع الأعظم عن الأحاديث النبوية، أيا كانت قوة إسنادها أو تعارضها مع مقاصد الشرع، فالكثيرون يدركون أن جريمة "بوعسم" هي نقده لفقهاء السلطان لا أكثر، لكن ليس بيت القصيد "بوعسم" ولا غيره من الشباب القابعين في السجون، لمجرد أنهم عبّروا عن فكرهم بجمل بسيطة محدودة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليست القضية الآن محدودة بسحب جناسي مواطنين معارضين، تحت بند النصوص الاستبدادية الغامضة، محور الألم اليوم والقضية هي البحث عن إجابات عن أسئلة من شاكلة ما إذا كنا قد وصلنا للقاع في قضايا حقوق وحريات الإنسان، أو مازالت ممرات الغرق أسفلنا عميقة! وماذا بقي من رصيد الكويت وسمعتها في المجتمع الدولي!
وهل نحيا اليوم في دنيا رواية أورويل 1984 بشعارها المخيف "الأخ الأكبر يراقبك"، بعد أن أضحت دولتنا "ليست استثناء للحال العربي والخليجي"، بل تجسيداً لهذه الحال المزرية، يا خسارة..
أوهام السلام
يقول أحد الدعاة، والذي لا يستحق حتى ذكر اسمه، بعد كل ما أحدثه وأمثاله من خراب في عقول الشباب ودفعهم الى الموت في معارك عبثية، يقول إن تعلق النفس بالجهاد ورغبتها في سفك الدم وسحق الجماجم وتقطيع الأجزاء هو جهاد في سبيل الله وشرف للمؤمن. ويكرر الكلام ذاته دعاة آخرون، في الكويت وغيرها، مؤكدين – بقوة – على قضية إزهاق روح الآخر المختلف، ضرباً بالسيف، وتقطيع أوصاله، خصوصاً إن كان يهوديا. وعليه، فإن أي تصور بإمكانية تحقيق صلح أو سلام يوما ما بين العرب (المسلمين بالذات)، وبين الإسرائيليين (اليهود الصهاينة بالذات)، هو أمر أكثر من خيالي في ظل المعطيات أعلاه. هذا من جانب، ومن جانب آخر يبين الواقع العسكري والميداني والتقني، أن بإمكان إسرائيل القضاء على كامل الشعب الفلسطيني، في غزة على الأقل، خلال ايام قليلة. ولا يمنعها من ذلك غير خوفها من إثارة المجتمع الدولي وفقد احترامه، وخسارة أصدقائها. وبالتالي فدوافعها وراء أي عمل عسكري تقوم به هو أمني بحت، فليس هناك نص تلمودي أو توراتي يطالب بــ «ضرورة» القضاء على المسلمين وإفنائهم. ولكن في الجانب الآخر هناك عجز عسكري وتقني ومعيشي وتعليمي تام لدى الجانب الفلسطيني، وفي غزة بالذات، في إحداث أي تغيير في عقلية أو موقف القيادة الإسرائيلية من السلام أو القضاء على إسرائيل، وهذه الصواريخ التي تطلقها «حماس» تعتبر مزعجة جدا لإسرائيل، ولكن ليس بإمكانها، حتى الآن، إحداث التغيير المطلوب، وضرر ما ترد به إسرائيل على إطلاقها اكبر بكثير مما تحدثه من أذى، وكأننا نشبعها يوميا شتائم مقذعة فتشبعنا ضربا مبرحا وتزيد من الأيتام بيننا! المهم من كل ذلك أن معضلة السلام بين الشعبين غير قابلة للتحقيق، فهناك عقلية ترسّخت على مدى قرون، وبحكم التاريخ والجغرافيا، فكرة القضاء على، ليس فقط الكيان الصهيوني، بل ربما الجنس اليهودي برمته. وبالتالي كيف يمكن توقع سلام بين طرف يعرف جيدا أنه الأقوى ولديه القدرة والإرادة لأن يبقى قويا، في الوقت الذي يعتقد فيه ذلك الطرف، أي نحن، بأن من واجبنا القضاء على الآخر وإنهاء وجوده، فهل هناك سلام متوقع، في ظل مثل هذه المفاهيم؟ لا أعتقد ذلك، ولن أراه في أحلامي، ولا في ما تبقى لي من عمر، وانتو كيفكم! أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com
القضية الفلسطينية بعد مائة عام!
في زمن الدغدغة والزيف والخداع، يحاول البعض بيع حكايات تاريخية مشوهة على الفلسطينيين عبر محاولة اقناعهم بان الحاضر لا يهم، فالغد لكم لا محالة وسيبعث يوما صلاح الدين جديد يطرد اعداءكم ويحرر ارضكم ويسلم القدس لكم، فهذا ما حدث ايام الصليبيين، وهو امر قادم لا محالة بعد عام او مائة عام، فانتظروا فقط!
****
التاريخ لا يعيد نفسه حقيقة ثابتة، والصليبيون لم يكونوا مستوطنين كحال الاسرائيليين، كما ان احدا لا يروي الحكاية كاملة، فالقدس والمدن التي حررها الناصر صلاح الدين من ايدي الصليبيين اعادها من اتى بعده لهم دون حرب، الا انهم فضلوا مدن الساحل عليها للاستفادة الاقتصادية منها، ولم يعرف عن الصليبيين تأثيرهم على القرار في الدول العظمى في العالم آنذاك، او حيازتهم لاسلحة الدمار الشامل كحال اسرائيل هذه الايام.
****
ومقابل تلك الحكاية التاريخية المشوشة، هناك عشرات الدول التي سادت ثم بادت شعوبها الى الابد، كحال اهل الاندلس والهنود الحمر وغيرهم، ان اراضي الضفة الغربية تتغير ديموغرافيا مع كل يوم يمر عبر المستعمرات التي تبنى وتملأ بالمستوطنين القادمين من بلدان العالم المختلفة، واهمها روسيا التي يعتقد ان اغلب مهاجريها الى فلسطين ليسوا يهودا بالضرورة بل هم روس من مختلف الديانات، وحتى الملحدون يبحثون عن الدفء والعمل والسكن وجواز السفر المريح الذي يسهل لهم الحصول على فيزا الدول الاوروبية والاميركية كحال الجواز الاسرائيلي بعكس الروسي.
****
وفي لقاء لي مع المرحوم فيصل الحسيني الذي اشتهر بالحكمة والتعقل، سألته كيف يصح الحديث عن الصراع الحضاري طويل الامد بينكم وبين اسرائيل وابناؤهم يتلقون العلم في اجل صوره، وابناؤكم في الشوارع يرمون الحجارة؟ اجابني الحسيني ان هذا هو المسكوت عنه الذي لا نستطيع الحديث عنه كي لا نتهم في وطنيتنا، فمازلنا ـ حسب قوله ـ نعاني من تبعيات ثورة الحجارة الاولى، حيث بقيت اعداد كبيرة من الاحداث والشباب في الشوارع وتحول البعض منهم للسلب والنهب، وآخرون للادمان والاتجار بالمخدرات والفريق الثالث تم تجنيده من قبل العدو، ان للحروب وحرب غزة منها زوايا مظلمة كثيرة، فكل رجل يستشهد يخلف بعده ابناء لا معيل لهم يضطرون لترك مقاعد الدراسة للعيش ليصبحوا بعد ذلك اعدادا تضاف لارقام الجهل والبطالة المدمرة.
****
آخر محطة: ما لم يسلم ملف القضية الفلسطينية لقيادة عاقلة حكيمة تمنع الحروب المدمرة غير المتكافئة التي سيتسبب تكرارها في يأس الفلسطينيين وكفرهم بقضيتهم، فقد تختفي مع الزمن تلك القضية الى الابد كحال عشرات القضايا المماثلة في العالم.
غزة: تحرير الإرادة من قيود الانتظار
راكمت الحرب على غزة، والتي بدأتها إسرائيل، المزيد من الظلم ضد ضحاياها وجعلت فرص بقاء إسرائيل بالشكل الذي نعرفه حتى الآن أكثر عسراً. يقع هذا على رغم عقود السلام وأشكال التطبيع. حرب غزة أكدت أن إسرائيل تدفع ثمناً سياسياً وعسكرياً وأمنياً من جراء صدامها مع قوى الشعوب: «حماس» و»الجهاد الإسلامي» الآن، وقبل ذلك «حزب الله» في جنوب لبنان وحركة «فتح» والمقاومة والانتفاضتان الفلسطينيتان الأولى والثانية. في الزمن القادم ستواجه إسرائيل مزيداً من المقاومة ذات البعد الشعبي. فالحركة الصهيونية لم تستوعب، حتى الآن، أن الآلام والمظالم التي يتعرض لها الشعب العربي الفلسطيني والمحيط العربي الإسلامي ستزيد من صلابة المقاومة بكل أبعادها الشعبية. متابعة قراءة غزة: تحرير الإرادة من قيود الانتظار