سامي النصف

الاستجواب ومعادلة جمع الأخطاء!

النهج القائم في بلدان العالم أجمع يقوم على تفادي الخطأ ما أمكن، وان حدث يتم تصويبه بعمل الصح، في الكويت هناك دائما تسابق واحتراف شديد في ارتكاب الاخطاء الجسيمة وبعد اكتشافها يتم تصحيحها بأخطاء اكبر واكثر فداحة منها وكأن هناك معادلة رياضية فريدة نختص بها تظهر ان ارتكاب خطأين ينتج عنه صح واحد!

***

كان هناك في السابق خطأ ممارس من قبل بعض النواب يتم من خلاله التعسف في استخدام أبغض الحلال الدستوري، ونعني اداة الاستجواب بطابعها الكرنفالي الكويتي، حيث يتم من خلالها استجواب الوزير على خطأ حتى فراش او حارس يعمل في وزارته، كما تم توجيه الاستجوابات لرئيس الوزراء على أعمال هي من صميم عمل الوزراء، اضافة الى محاولة تجريد وحرمان الحكومة من استخدام الادوات التي منحها الدستور اياها في مواجهة الاستجوابات وخاصة الجائرة منها، مثل تحويلها للجنة التشريعية او المحكمة الدستورية، وتلك اخطاء ما كان لها ان تتم.

***

الا ان ما تقوم به الحكومة من الغاء محاور الاستجوابات عبر التصويت عليها هو خطأ مقابل لا يصحح الخطأ الاول لاسباب عدة اولها انه ممارسة غير مسبوقة في جميع ديموقراطيات العالم الاخرى التي عادة ما تشكل حكوماتها الحزبية ممن لديه اغلبية في البرلمان وتضامن حزبي ولو قبل بمبدأ التصويت على الاستجوابات لاختفت تلك الاداة من قواميس الديموقراطية في العالم حيث سيسهل على حزب الاغلبية المشكل للحكومة اسقاط جميع الاستجوابات الموجهة لرئيس الوزراء وللوزراء.

***

ثاني اسباب الرفض هو مخالفة ذلك الاجراء للدستور الذي حصر عمليات التصويت على الاستجوابات وعمليات طرح الثقة، بالنواب دون الوزراء بينما يقوم الوزراء بالتصويت على ما هو اهم، اي اسقاط الاستجواب بأكمله، ثالث الاسباب ان النواب ليسوا مختصين بحسم الخلاف بين الحكومة والمستجوبين حول مدى دستورية محاور الاستجواب كحال اللجنة التشريعية والمحكمة الدستورية، السبب الاخير للرفض هو ان القبول بتلك الممارسة سيجعل رؤساء الوزراء في المستقبل يدفعون الأثمان الباهظة للحصول على اغلبية برلمانية بسيطة (16 وزيرا + 17 نائبا) تعمل بعدها الحكومة ما تريد بالاموال العامة دون محاسبة ومن ثم يلغى الدور الرقابي لمجلس الامة.

***

آخر محطة: الحل الصحيح للإشكال هو عبر العودة للدستور وترشيد النواب استخدام تلك الاداة مقابل ان تتوقف الحكومة عن نهج طلب التصويت عليها.

سامي النصف

تزييف التاريخ من عرابي إلى القذافي!

 احدى مزايا التجول بالريف البريطاني الجميل انك تجد في كل قرية مكتبات صغيرة تبيع كتبا قديمة يزيد عمر البعض منها عن قرن ونيف محافظا عليها بشكل جيد، وأحد تلك الكتب التي اشتريتها يتحدث كاتبها كشاهد عيان وكمشارك عسكري في احداث مصر ابان ثورة عرابي 1882 (للمعلومة عدد سكان مصر آنذاك 5 ملايين، وبريطانيا 25 مليونا وفرنسا 30 مليونا، اما الآن فعدد سكان بريطانيا 62 مليونا وفرنسا 65 مليونا ومصر 90 مليونا).

***

ويروي الكاتب ان طلب الانجليز من عرابي بعد تمرده لم يزد عن الاستقالة والبعد عن مصر لمدة عام فقط، ويستطرد ان الانجليز شعروا بالورطة الشديدة عندما انسحبت السفن الفرنسية والايطالية الحربية من امام شواطئ الاسكندرية حيث لم يكن مجموع الجنود الانجليز على السفن يزيد عن 3 آلاف جندي وضابط وكان الحد الاقصى لما يمكن انزاله منهم للبر للحرب وحماية المدنيين الاوروبيين هو 1500 يقابلهم 15 الفا من جند عرابي ومدافعهم مما يعني حسب قوله الهزيمة المؤكدة، الا ان عرابي وبذكاء شديد قرر الانسحاب من الاسكندرية دون حرب وحرقها ونهبها تطبيقا – حسب رؤيته – لسياسة الروس امام غزو نابليون لهم والمسماة بسياسة الارض المحروقة.

***

والحكاية السابقة تظهر زيف تاريخنا العربي منذ زمن عرابي الى عهد القذافي وكيفية تحويل الهزائم الحقيقية المنكرة الى انتصارات وهمية مبهرة، مع عدم الخجل من الاعتراف بالعبط والغفلة عبر التوقع الدائم للهجوم من الشرق فيأتي من الغرب أو العكس كما حدث في موقعة التل الكبير التي توقع عرابي هجوم الانجليز من الغرب فأتوه من الشرق فهرب الى القاهرة طالبا السلامة تاركا جيشه المجحفل مما تسبب في احتلال مصر من قبل قلة قليلة من الجنود الانجليز وقد هجاه احمد شوقي شعرا وهاجمه الزعيم مصطفى كامل في خطبه ومقالاته، كما صفعه احد شباب الحزب الوطني فدخل بيته ولم يخرج حتى وفاته ثم كرت السبحة في انتصارات 48 و56 و67 وأم المعارك الخالدة.. الخ.

***

آخر محطة: (1) في مرحلة تزييف التاريخ الشديد في مصر عقب الانقلاب العسكري صيف 1952 تم الثناء الشديد على العسكري المدمر احمد عرابي والقدح بالمقابل في الخديو المعمر اسماعيل باني مصر الحديثة وشتان ما بين الاثنين.

(2) في خطاب التنحي يونيو 1967 ذكر عبدالناصر وصدقه الليبيون انه توقع الهجوم الاسرائيلي من الشرق فأتى من الغرب تلميحا الى أنه ضرب من القاعدة الأميركية في ليبيا وهو للاسف كذب بواح تسبب في النهاية في سقوط حكم الادريسي، والحقيقة ان مخابرات ناصر خذلته حين لم تبلغه بأن اسرائيل نجحت في تزويد طائراتها الميراج قصيرة المدى بخزانات وقود اضافية مكنتها من الوصول الى اقصى الجنوب والغرب المصري.

(3) وفي يناير 1991 وعلى صفحة كاملة لجريدة «مصر الفتاة» كتب الفريق محمد فوزي مقالا مفتوحا وجهه إلى صدام وضع فيه كل خبرته العسكرية كوزير سابق للحربية قال ضمنه ان الهجوم الأميركي سيأتي شرقا من البحر (أتى غربا من البر) وان ضحايا الهجوم في يومه الاول سيزيد عن ربع مليون قتيل أميركي (مجموع ضحايا الحرب 144 قتيلا أميركيا) مما سيرغم الرئيس بوش على الايقاف الفوري للحرب، وكان العبقري فوزي هو من اقترح اشعال حرب الاستنزاف التي استنزفت مصر ولم تضر اسرائيل، وارغمت ناصر على القبول ببادرة روجرز وتسببت في أول ذبحة صدرية له بعد حادثة سرقة رادار الزعفرانة. وفيما بعد تقدم فوزي بمقترح تقديم الاستقالة الجماعية لوزراء الحربية والداخلية والاعلام ورئاسة مجلس الشعب.. الخ. كوسيلة لإسقاط السادات مما تسبب في عزلهم وسجنهم. وهل يحتاج من يملك كل تلك القوى والبيادق بيده للاستقالة لاسقاط الحكم؟! وهل هناك تخبط أكثر من هذا؟

@salnesf

سامي النصف

العرب وانفصال إسكتلندا

يقول غوار الطوشة قبل ان ينقلب عليه الشارع العربي والمقموعين من أبنائه بعد ان صحوا من نومهم وغفوتهم، في مسرحيته الشهيرة «صح النوم» ما نصه «ان اردت ان تعرف ما في ايطاليا فعليك ان تعرف ما في البرازيل»، اي ان هناك ربطا مباشرا بين الاحداث التي تقع في دول العالم المختلفة.

****

ما سيؤول إليه حال وحدة الأوطان العربية يحوجنا الى معرفة ما حدث ويحدث في بلدان العالم الاخرى، فعلى سبيل المثال اعتمدت وحدة الدول او الولايات الاميركية على تبادل المصالح، لذا فما يقارب 90 سنتا من الدولار الاميركي يصرف على التجارة الداخلية والبينية بين الولايات التي اقتسمت الاعمال، فهذه ولاية تصنع السيارات، وأخرى تصنع الطائرات، وثالثة للزراعة، ورابعة للتجارة.. إلخ. لذا بقيت حالة الاتحاد قوية رغم وجود حركات انفصالية متطرفة في الجنوب الاميركي، وفي يناير من كل عام منذ 1790 يلقي الرئيس خطابه الاهم في الكونغرس المسمى «حال الاتحاد».

****

وفي الاتحاد السوفييتي اعتمد البلاشفة، وعلى رأسهم ستالين، على بقاء حالة الاتحاد عبر القوة والقمع وتوطين الروس البيض في الجمهوريات الاخرى، وجعل امين الحزب الشيوعي- وهو المنصب الاقوى في تلك الجمهوريات- من الروس، ويتبع مباشرة لموسكو. لذا ما ان ضعفت سلطة القوة المركزية في الكرملين حتى انفصلت وانشطرت الجمهوريات سريعا، حيث لا مصالح مشتركة، كما لا تنفع القوة والقمع لإبقاء القوميات والاديان والأقليات والأعراق ضمن الدولة الواحدة.

****

حال الاتحاد البريطاني سيتحدد منتصف سبتمبر القادم، وستؤثر نتائجه سلبا او ايجابا على منطقتنا ودولنا وأماكن اخرى من العالم، وحتى هذه اللحظة هناك تقريبا 42% مع بقاء الاتحاد و40% ضده و18% لم يحددوا موقفهم بعد، ويدعي الانفصاليون ان اغلبهم سيختار الانفصال مع اقتراب موعد التصويت، وسيعادل هؤلاء كفة الاسكتلنديين المولودين في انجلترا من الاتحاديين، وقد قرر حزب العمال المتضرر الأكبر من انفصال اسكتلندا اليسارية عقد مؤتمره القادم في غلاسجو لعله يؤثر في المترددين ويجعلهم يصوتون لبقاء الاتحاد.

****

آخر محطة: (1) شخصيا اعتقد ان اسكتلندا ستصوت للبقاء في الاتحاد البريطاني ضمن نسبة متقاربة، ولن يكون هناك مجال لإعادة التصويت مرة أخرى مستقبلا على حق الانفصال.

(2) يلام الانجليز على العمليات الانفصالية التي تمت في المنطقة العربية والهند، والحقيقة ان الانجليز هم من عمل لوحدة الخليج عام 72 والعرب عام 43، والعمليات الانفصالية يسأل عنها من عمل لها كمحمد علي جناح في باكستان وبعض الزعامات العربية كسعد زغلول الذي رفض وحدة العرب بقوله «ان مجموع وحدة الاصفار صفر كبير»، وعبدالناصر الذي تسبب قمعه في انفصال السودان وسورية وغزة

!

 

سامي النصف

منيرة والأمل!

المساحة الممتدة من الأذن اليمنى إلى اليسرى لدى الشاب الخليجي أو العربي أو المسلم لا يمكن أن تبقى فضاء خاليا أو منطقة فراغ، لذا إما أن تملأ بأفكار التشدد والتطرف والقتل والتفجير وقطع الرقاب، أو بالأفكار الإنسانية الجميلة، ومن هنا أتى مشروع السيدة سوزان مبارك قبل عشرين عاما بإنشاء «مكتبة الأسرة» لتوفير الكتب المختارة بأسعار «متهاودة» تمكن كل أسرة من خلق مكتبة منزل خاصة بها، وقد قارب المشروع الخيّر على التوقف هذه الأيام بسبب توقف الدعم، لذا نرجو من الدول العربية المقتدرة دعمه وعمل مثله كوسيلة لمحاربة التطرف الفكري وابنه الشرعي.. الإرهاب!

***

بسبب الضيق المالي الحالي بدأت اللجنة التي تديره والمكونة من كبار مثقفي مصر بعملية التشدد في اختيار ما يصدر عنها، ومن ذلك صدور كتاب «ثورة في البرج العاجي» قبل أشهر قليلة والذي هو ذكريات المحامية والإعلامية المصرية منيرة ثابت، ومن خلاله نكتشف أنها أول محامية عربية وأول رئيسة تحرير لجريدتي «الأمل» اللتين أصدرتهما بالعربية والفرنسية وهو ما ينقض الاعتقاد السائد أن السيدة روز اليوسف هي أول صحافية مصرية وعربية.

***

ويتضح من المذكرات أن منيرة ثابت أو «الطفلة الصاخبة» هي أول من طالب بالحقوق السياسية للمرأة المصرية بينما عارضتها السيدة هدى شعراوي التي اكتفت بالمطالبة بالحقوق الاجتماعية، واستمر الخلاف بينهما من عام 1924 إلى 1936 عندما اعترضت شعراوي على المعاهدة البريطانية ـ المصرية، فعقبت منيرة ثابت على ذلك بالقول إنه موقف سياسي لا يجوز أن يصدر من سيدة لا تعترف بالحقوق السياسية للمرأة المصرية، واثر ذلك تم اللقاء بينهما وغيرت شعراوي موقفها للمطالبة بتمكين المرأة المصرية من حقوقها السياسية.

***

آخر محطة: (1) إن صحت حقيقة أن منيرة ثابت، لا السيدتين هدى شعراوي وروز اليوسف، هي أول من طالب بالحقوق السياسية للمرأة المصرية، وهي كذلك أول من أصدر الصحف من النساء، فالأمر ليس غريبا على الإطلاق فأغلب تاريخنا الحديث ـ ناهيك عن القديم ـ غير دقيق ومليء بالأكاذيب.

(2) كتبت منيرة ثابت، وهي طالبة بالثانوية الفرنسية، مهاجمة الانتداب البريطاني، فأمر المندوب السامي رئيس الوزراء المصري بمحاكمتها، وقد شفع لها صغر سنها، وقد أمم الحكم الوطني صحيفتها «الأمل» عام 1960 وأغلقها، وبمثل تلك القرارات القمعية لا يحتاج الوطن العربي لاستعمار أجنبي لقمع أبنائه ومصادرة الحريات، الحكم الوطني يكفيه ذلك.

(3) نرجو أن تتبنى الدول الخليجية وأمانتها العامة مشروع «مكتبة الأسرة الخليجية» كوسيلة للتثقيف ومحاربة التطرف.

 – @salnesf

سامي النصف

لماذا يكره الطغاة شعوبهم؟!

يفترض ألا يوجد مبرر أو سبب لكراهية الطغاة لشعوبهم الذين قبلوا قيادتهم لهم ورفعوهم فوق الأعناق وسلموا ثروات بلدانهم لهم ولأبنائهم من بعدهم، إلا أن الواقع المر يظهر دون جدال أن الكراهية الشديدة لشعوبهم هي القاسم المشترك لكبار الطغاة والقمعيين.

***

فـ«ستالين» قتل 20 مليونا من الشعب السوفييتي، وماوتسي تونغ قتل 30 مليونا من الشعب الصيني، كما قتل بول بوت نصف الشعب الكمبودي، ومثل ذلك ما قام به كيم ايل سونغ وابناؤه واحفاده في كوريا الشمالية، كما رفض طغاة اليابان العسكريون إبان الحرب العالمية الثانية وقف الحرب الكونية حتى ضُربوا بالقنابل النووية التي تسببت في موت مئات الآلاف، ولولا ذلك لمات عشرات الملايين بسبب عنادهم.

***

ورغم أن هتلر كتب في «كفاحي» عن خطأ شن الحرب على بريطانيا وروسيا لقوتهم وحقيقة أن التاريخ يظهر استحالة هزيمتهم، إلا أن هذا تماما ما فعله بعد سلسلة أعمال غريبة منها السماح للقوات البريطانية والحليفة بالانسحاب من دنكرك، وعدم طلبه من حليفته اليابان إعلان الحرب على الاتحاد السوفييتي كما أعلنت أميركا الحرب على اليابان بعد ضرب الأخيرة لها في بيرل هاربر، وهو ما سمح لـ «ستالين» بسحب مليوني جندي من الحدود اليابانية وزجهم بالحرب ضد هتلر ومعهم فيالق سيبيريا المختصة في حرب الثلوج، وقد فقدت ألمانيا في الفترة 1939 ـ 1944 ثلاثة ملايين قتيل، بينما تسبب إصرار هتلر في العام الأخير للحرب على استكمالها رغم انهيار الدفاعات الألمانية وامتلاء السماء بالقاذفات الحليفة في موت 5 ملايين ألماني، فهل يقوم بذلك من يحب بلده وشعبه؟!.

***

وفي منطقتنا العربية لم يختلف الطغاة هم وأبناؤهم في خاصية كراهيتهم الشديدة لشعوبهم وعدم اهتمامهم بموت الملايين منهم.

ويذكر مدير قصور صدام في كتابه أنه لم يلحظ قط تأثر صدام بمقتل الملايين إبان الحرب العراقية ـ الايرانية التي استمرت 8 سنوات، وأنه تأثر كثيرا في المقابل عند قيام ابنه عدي بقتل «قواده» الخاص، والأمر كذلك مع القذافي وأبنائه الذين كان والدهم يوصيهم بكراهية الشعب الليبي وإذلاله وقتله، والأمر يمتد كذلك لبقية الطغاة الآخرين في سورية والسودان وكوبا وزيمبابوي.. إلخ.

***

آخر محطة: الملاحظ أن جميع الطغاة يتشابهون كذلك في كيفية الوصول والحفاظ على الحكم ثم في النهايات الغامضة التي ختمت بها حياة أغلبهم!

سامي النصف

هل طبقت الشيوعية والبعثية؟!

يقال إن على الشاب أن يكون ثوريا في العشرينيات من عمره وما قبلها ومحافظا في الأربعينيات وما بعدها، وشخصيا خالفت تلك الحكمة (إن جازت تسميتها بالحكمة) فلم أكن ثوريا قط بل سخرت قلمي منذ يومي الأول وكنت في العشرينيات حين بدأت الكتابة بالوقوف ضد الثوريات الشيوعية والبعثية.. الخ، حتى أن مقالي الأول في يناير 1980 كان بعنوان «ماذا فعلت الثورات بالعالم العربي؟» وتحديت ضمنه وجود ثورة انتهت بشيء جيد للبلد الذي حدثت به!

***

ومع ذلك أقول وللإنصاف إن الشيوعية التي آمن بها في بدئها كثير من كبار مفكري الغرب كأندريه جيد الحائز جائزة نوبل والفيلسوف جون بول سارتر وجورج برناردشو ولويس فيتشر ومثلهم كثير من العرب، لم تطبق قط بالطريقة التي أرادها مؤسسوها ماركس وانجلز على يد شخصيات قمعية مدمرة مثل لينين وستالين وماو وزعماء كوبا وكوريا وكمبوديا والصومال واليمن الجنوبية.. إلخ، وقد يكون أحد أوجه الخراب الاعتقاد بأنه لا بأس من «فترة انتقالية» يغيب فيها القانون ويتفشى خلالها القمع والقتل والتدمير والتهجير في سبيل الوصول للجنة الحمراء الموعودة التي يسود فيها حينذاك العدل والحرية والمساواة ضمن وطن حر وشعب سعيد وما حدث هو استمرار الفترة الانتقالية وتحولها لحالة دائمة من القهر والتسلط.

***

والحال كذلك مع أفكار حزب البعث الوحدوية الجميلة التي أطاح بها التطبيق العملي لأنظمة البكر وصدام في بغداد، وأنظمة أمين الحافظ وزعين والأسد في دمشق، حيث عم القمع والخراب والدمار والطائفية والعنصرية وحروب الداخل والخارج حتى انتهى الأمر بهم الى تحويل بلدانهم إلى خرائب ينعق بها البوم وخلق حركات انفصالية جعلت الشعوب تترحم على معاهدة سايكس ـ بيكو الشهيرة، لذا يصعب القول بدقة شديدة إن الشيوعية أو البعثية قد طبقت بشكل يعكس حقيقة شقها التنظيري، فصلاح بيطار اغتيل في باريس وميشيل عفلق وأمين الحافظ اغتيلا «معنويا» في قصورهما الفارهة في بغداد.

***

آخر محطة: الناصرية طبقت تماما كما أرادها مؤسسها ومعلمها الرئيس عبدالناصر ومن بعده خليفته القذافي الذي جعله عبدالناصر وصيا عليها وان لم يطبق «الميثاق» الذي وضع اسم عبدالناصر عليه دون أن يكتبه، والذي احتوى على «الديموقراطية» كأحد متطلبات انقلاب يوليو 52، فما شهدته مصر وسورية واليمن تحت حكم عبدالناصر ومخابراته وعسكره يشيب له شعر الرضيع، لذا لا حاجة لجعله قدوة للحقبة المقبلة لمصر.

 

 

 

@salnesf

سامي النصف

صناعة الأحلام والأوهام!

ما حدث في منطقتنا العربية بعد النصف الثاني للقرن العشرين من قيام حكومات عسكرية قمعية وحروب أهلية وخارجية متتالية وانقسامات حادة بين الشعوب هو تماما ما كان يحدث في أوروبا قبل ذلك التاريخ، حيث لم تتوقف الحروب على أرضها، وهو ما أفقرها وجعل ابناءها يبحثون عن العيش في دولنا العربية حتى في ابسط الوظائف كجرسونات في المطاعم وحلاقين.. الخ، بل عملت نساؤهم كمربيات اطفال ومدبرات بيوت في بلداننا.

****

وقد بحثت جاهدا لمعرفة كيف قبلت شعوب تمتاز بالرقي والحكمة والذكاء كالشعوب الأوروبية بأن تخدع وتقدم الطاعة العمياء لزعامات شديدة السوء والجهل واقرب للممثلين الهزليين في خطبهم وحركاتهم وغير معروفي المنبت وان ترتضي السير خلفهم من حرب الى حرب ومن دمار إلى دمار حتى النهاية؟! وقد فوجئت خلال البحث بأن الأدوات التي استخدمها هتلر وستالين ومن لف لفهما تتطابق تطابق الحافر بالحافر في الأدوات المخادعة التي استخدمها فيما بعد صدام والقذافي ومن لف لفهما في قمعهما ودمارهما وحروبهما وهزائمهما.

****

فجميعهم استخدموا عملية استحضار التاريخ القديم للتغرير بالشعوب ووعدهم بإعادة الامجاد السحيقة، كما عززوا ذلك بأفلام مخادعة شديدة الاحتراف تظهر الزعامات في صورة أنصاف الآلهة الملهمة التي لا تخطئ في القول او الاجتهاد، كما تم إخضاع الشعوب لعمليات غسل ادمغة متواصلة عبر استخدام ادوات الدعاية الموجهة تزامنا مع عمليات تجهيل واهمال شديد للتعليم والثقافة بشكل عام، وتم إرعاب الشعوب بشكل يجعلها تشعر بالامتنان الشديد للقائد الملهم والزعيم الضرورة، كونه لم يتعمد ان يستقصدهم شخصيا بالإيذاء فيما يسمى بعارض ستوكولهم.

****

ويضاف الى ذلك استمالة طبقة مفكرة ومثقفة واعلامية لامعة مع استغلال أمثل لوسائل الاعلام من صحف واذاعات وتلفزيونات كي تقوم تلك الطبقة بقيادة القطيع لصالح الطغاة وتتكفل في الوقت ذاته بإخفاء العيوب وتحويل النكسات الى انتصارات ونسيان الحاضر المؤلم لصالح المستقبل الحالم القادم «الذي لا يأتي ابدا بالطبع»، لذا لا يمكن تصور نجاح تلك الديكتاتوريات دون وجود شخصيات مثل غوبلز وهيكل وأحمد سعيد ومحمد الصحاف وغيرهم..

****

آخر محطة: (1) من وسائل التحكم في الشباب ضمن تلك الأنظمة القمعية، خلق معسكرات الشباب، فلم ينجح هتلر في شن الحرب على العالم الا بعد سنوات من اقامة معسكرات الشبيبة الهتلرية، والحال كذلك مع معسكرات قادسية صدام التي سبقت الحرب مع ايران وفيما بعد فدائيو صدام قبل حرب 2003 واللجان الثورية الشبابية القذافية.

(2) ومن وسائل التحكم في الشعوب عسكرة المجتمعات، لذا تنفرد الانظمة القمعية بالاستعراضات العسكرية السنوية، والتي تقام عند زيارة أي رئيس للبلاد.. وهل شاهد احد قط استعراضات عسكرية في دول العالم الحر الديمقراطية كالحال في واشنطن ولندن؟!

سامي النصف

إلى الانفصاليين في منطقتنا العربية!

علينا ان نعترف في البدء بان الحكومات الثورية العربية أساءت كثيرا لعمليات التنمية في بلدانها التي تغري الجميع بالبقاء ضمن الدولة القطرية الواحدة، كما استخدمت ادوات التمييز والقمع والقتل والحرب ضد اعراق واديان وطوائف ومناطق اطراف شاركتها المواطنة في الدولة، مما جعل كثيرا من تلك الاقليات يستعد مع قدوم الربيع العربي للانفصال عن الاوطان كما حدث مع جنوب السودان الذي سبق انفصاله واستقلاله قبل الربيع بأشهر قليلة.
***

واذا تدرجنا بالخيارات المتاحة لتلك الاقليات بدءا من الافضل حتى الاسوأ، فالافضل اتاحة الفرصة ثانية والبقاء ضمن الدولة القطرية الواحدة بأي صيغة اتحادية ممكنة، اندماجية كانت او فيدرالية او كونفيدرالية، واذا استحال ذلك الخيار فالانفصال بإحسان دون حرب او اراقة دماء، ويبقى الخيار الاسوأ والاخير وهو للأسف الاكثر احتمالا في المنطقة اي خيار الحروب الاهلية التي لا تبقي ولا تذر كوسيلة للانشطار والتي تسفك بها الدماء انهارا، مما يخلق حالة عداء دائمة تبقى بقاء التاريخ.

***

ومن الامور المستحقة ان تصدر حكومات الربيع العربي عمليات اعتذار تاريخية لمن تم ظلمهم والتمييز ضدهم من مكونات شعوبها مع وعد بتغيير المسار وتحسينه للافضل، ولا شك ان اعطاء الرئاسة الدستورية للدول للاقليات هو نوع من الطمأنة العملية المؤقتة حتى تستقر الامور، ولو اخذ بها السودان قبل استفتاء الجنوب لما انفصل، فلم يكن الجنوبيون يطلبون الا القليل من التغيير للبقاء.

ويجب تذكير مــن يطالــب بالانفصـال وخلق دويــلات في منطقتنــا العربية بالاثمان الباهظة لتلك العملية من حاجــة لخلق كــوادر للدولــة الجديدة وجيـــوش ورجال امن وعملة نقدية واقتصاد وسفــارات ووسائل مواصــلات واتصالات والتي ستتحول من مكالمات محلية الى دولية، واسوأ الانفصالات ما سيقوم على الاستفراد للاستفادة من ثروة ناضبة كالنفط بدلا من الاستفادة من كل الثــروات والبنى الاساسية ضمن الوطن الواحد، ثم ماذا سيحصل اذا ما نضــب النفــط او قل سعره، هل ستشحذ تلك الدويلات للعيش؟

***

آخر محطة:

1 ـ انفصال الاقليات في دولنا العربية ضمن الديموقراطيات القادمة سيؤدي الى تغيير جذري في الخارطة السياسية العربية، حيث ان اغلب تلك الاقليات ذات توجهات ليبرالية وعلمانية، مما سيفتح الباب لحكومات دينية متشددة بشكل دائم ودون منافس في عواصم الحضارة العربية كبغداد ودمشق والقاهرة.

2 ـ زرت السودان قبيل انفصال الجنوب، وكتبت حينها ان حكومة الشمال الاسلامية هي التي تشجع انفصال الجنوب العلماني للاستفراد بحكم السودان، وهو الامر القائم.

3 ـ يقال ان انفصال اسكوتلندا اليسارية ـ ان تم بعد اشهر ـ سيمهد لحكم دائم للمحافظين والليبراليين الانجليز وسيبعد حزب العمال عن رئاسة الوزراء لأجل غير معلوم.

4 ـ وللمعلومة، تحسن حال الشعب البريطاني اقتصاديا بعد اعطاء المستعمرات استقلالها ـ وليس العكس ـ والحال كذلك مع جمهورية التشيك بعد انفصال سلوفاكيا عنها.

سامي النصف

حساب الأعوام بين مهاتير وصدام!

لا يمكن تصور مدى تأثير الفرد الواحد على مصائر الدول والشعوب دون عمل مقارنة بسيطة لدول متقاربة المساحة والسكان كحال العراق (440 الف كم2 وما يقارب 30 مليون نسمة) وماليزيا (330 ألف كم2 وما يقارب 30 مليون نسمة) وما آل إليه حال البلدين تحت قيادتين حكمتا لنفس المدة اي منذ بداية الثمانينيات حتى عام 2003 ونعني بالطبع صدام حسين ومهاتير محمد.

***

والبلدان يحتويان على تنوع عرقي وديني ومذهبي، فالعراق يضم شيعة وسنة وعربا وأكرادا وأقليات مختلفة كالتركمان والمسيحيين والصابئة..إلخ، بينما تضم ماليزيا 3 أعراق و3 ديانات هي: الملايو والصينيون والهنود إضافة الى عدة أقليات عرقية ودينية خاصة في ولايتي صباح وسرواك، واللافت ان ماليزيا منحت سنغافورة استقلالها سلما وطواعية كوسيلة لتخفيف اشكال الداخل الماليزي، بينما غزا صدام قسرا وقهرا جارته الصغيرة الكويت كوسيلة لتخفيف اشكالات الداخل لديه..!

***

وقد قام مهاتير باستغلال التنوع العرقي والديني الماليزي لخلق حالة تنافس موجب بين الاطياف قائم على معادلة الربح ـ الربح اي استفادة الجميع من حالة الوئام الاجتماعي والسلام السياسي والازدهار الاقتصادي في البلد، بينما أجج صدام نيران الصراع داخل العراق بين الاعراق والمذاهب ومع الجيران فمن حرب الى حرب ومن قمع الى قمع مما نتج عنه معادلة خسارة ـ خسارة، حيث خسر الجميع مما يحدث وقد نتج عما سبق ان اصبح الناتج القومي لماليزيا يفوق بما يقارب 400% الناتج القومي للعراق، وقد قاربت ماليزيا ان تصبح دولة من دول العالم الأول، بينما اصبح العراق نتيجة للتدمير الذي أصابه في ذيل دول العالم الثالث.

***

آخر محطة: لم يشهد تاريخ المنطقة منذ عهد هولاكو أنظمة كالتي وصلت للحكم عن طريق الانقلابات العسكرية اعوام 68 و69 و70 على التوالي والتي جعلت جرائمهم بحق الأمة العربية هزيمة

67 تبدو وكأنها قرصة طفل صغير. 

 

twitter @salnesf

 

 

سامي النصف

اختفاء بلد واختفاء طائرة!

في صيف 90 اختفى بلد يدعى الكويت، وفي ربيع عام 2014 اختفت طائرة ماليزية وفي الحالتين انبهر العالم وتعاطف مع الحدث وبدأ العمل جاهدا لوضع الامور في نصابها الصحيح، حيث تحركت الطائرات والسفن لإجلاء الحقائق وتصحيحها الا ان الامر تمخض بالامس وسيتمخض اليوم ـ كما ستكتشف ماليزيا لاحقا ـ عن دفع فاتورة مالية ضخمة فلا يوجد بالعالم غداء مجاني.

***

ومازال العالم مفتونا بقضية «البعد الثالث» اي التحليق في الفضاء الذي هو علم لم تعرفه البشرية الا منذ عقود قليلة، لذا ما ان يقع حادث لطائرة حتى يصبح «مانشيت» في جميع صحف العالم ويبدأ الاعلاميون بالتوافد على البلد المعني بالطائرة المنكوبة وحينها يتم اما كسب الاعلام متى ما تم التعامل معه باحتراف ومهنية وتزويده بالحقائق اولا باول، او فقده عبر تجاهله وعدم الرد على استفساراته او الاسوأ.. الكذب عليه!

***

صدر قبل ايام تقرير ادارة السلامة الكندية حول حادث الطائرة الكندية البوينغ 200 ـ 737 التي تحطمت في 20/8/2011 والذي كان سببه خلاف الكابتن ومساعده وعدم لجوئهما للتحليق ثانية (Go Around) بدلا من الاصرار على النزول، كما صدر عن ادارة السلامة الاندونيسية تقرير حادث شركة «ليون» الاندونيسية البوينغ 900 ـ 737 في مطار «ساربايا» في فبراير 2014 والذي نتج كذلك عن قلة تدريب الطيارين واصرارهم على النزول بدلا من التحليق ثانية، وهو حادث مشابه لما حدث في مطار بالي لطائرة بوينغ 800 ـ 737 تابعة لنفس الشركة في ابريل 2013 عندما سقطت في البحر عند الهبوط بسبب قلة التدريب وعدم التحليق مرة ثانية بدلا من النزول.

***

آخر محطة: بعد حادث «اليابانية» التي قتل جميع ركابها عام 82 بعد انتحار كابتنها وعدم عمل المساعد شيئا لمنعه اقترحت في مؤتمر زيوريخ لمنظمة السلامة الدولية، والذي قدم فيه رئيس «اليابانية» ورقة حول الاجراءات التي اتخذت بعد ذلك الحادث، ان تدرس لجان السلامة العالمية المختصة اثر ثقافات الشعوب المختلفة على الاداء داخل كابينة القيادة لا بقصد النقد بل للتعلم وتصحيح الاخطاء البشرية القاتلة.

@salnesf