هذه كلمات كتبها مواطن مصري هاجر إلى أميركا، ونشرها على الإنترنت، ولطرافتها قمت بنقلها هنا بتصرف: «… علمتني أميركا أن أنام بدري لكي أصحو بدري، لكي أتوجه لعملي بدري، لكي أؤدي عملا أستحق عليه راتبي. وتعلمت في أميركا أن العمل عبادة قولا وفعلا، وأن الشعوب الكثيرة الكلام والشعارات لا يوجد لديها وقت للعمل والإنتاج، وتعلمت في أميركا ومارست لأول مرة في حياتي العمل التطوعي لمصلحة المجتمع الذي أعيش فيه، وأن التبرعات إلى جانب العمل الخيري هما من دعائم المجتمعات الإنسانية، وأن التبرعات ممكن أن توجه لأعمال كثيرة، ولا تقتصر على إنشاء دور العبادة، ورأيت جامعات ومستشفيات بنيت بأموال تبرعات من أغنياء ومتوسطي الحال.
وتعلمت في أميركا أن قيمتك في المجتمع نابعة من عطائك وعملك ومجهودك وثروتك الناتجة عن العمل، ولم أسمع شخصا طويلا عريضا يصرخ ويقول لك: إنت عارف إنت بتكلم مين؟ وإذا سمعتها فلا بد أن قائلها من رجال العصابات. لم يسألني أحد في أميركا: إنت إبن مين في مصر أو في أميركا، ولم يسألني أحد عن ديانتي أو شهادتي أو اصلي وفصلي، السؤال الوحيد الذي كان يوجه إلي يتعلق بطبيعة عملي وطريقة كسبي لعيشي. وعندما قررت ابنتي السفر لأوروبا للدراسة، عملت لستة أسابيع في الصيف لتسدد لي ثمن التذكرة، وعلمتني درسا آخر عندما شاهدتها تعمل في محل ستاربكس، وتقوم بخدمة الزبائن وغسل الأطباق وتنظيف المحل، تأثرت للحظة على ما اعتبرته بهدلة لابنتي، بمفهومي القديم، ثم ما لبثت أن شعرت بالفخر، لأنها فعلت ما لم أستطع فعله وأنا في سنها، وقمت بإعطائها «بقشيش» خمسة دولارات مقابل فنجان قهوة ثمنه دولاران ونصف الدولار، وتعجب زملاؤها في المحل، وقالوا لها الراجل ده ساب بقشيش خمسة دولارات على فنجان قهوة، فردت ابنتي قائلة: ما تستغربوش أصله أبويا! وتعلمت في أميركا أن أحترم العمل اليدوي والعامل، مهما كان بسيطا، وتعلمت أن أخدم نفسي في البيت والعمل، وأن أتواضع إذا حضرت اجتماعا في الشركة مع الرئيس، فلا يمكن أن تميزه عن أي عامل إن لم تعرفه من قبل، فلكل واحد دوره في الاجتماع. كما تعلمت أن الحظ لا يطرق سوى أبواب المجتهد، وأن أفخر بعملي وأحبه، تعلمت أن الكذب هو بوابة الشرور، وأن الصدق منجاة، وأن الإنسان صادق حتى يثبت كذبه، وانني مواطن حقيقي لأنني أشارك في اختيار الرئيس وكل المسؤولين من بعده في ولايتي، واشعر أن ما أدفعه من ضرائب يعود لي في شكل خدمات متنوعة، وان أميركا ليست الجنة على الأرض، ولكن أهلها يسعون إلى أن تكون كذلك، وهم يخطئون حينا ويصيبون أحيانا أخرى، ولا يخشون الاعتراف بأخطائهم. كما تعلمت في أميركا أن المرأة نصف المجتمع بحق، وأنها قد تكون مفترية على الرجل أحيانا ربما للانتقام لبنات جنسها المقهورات في بلاد أخرى، وأن أميركا تفوقت بعلمها وابتكار أبنائها عبر مائتي عام، وتعلمت أن الفرق بين التخلف والتقدم هو في التعليم وتشجيع التفكير الحر والابتكار، وعندما زرت بعض الجامعات الأميركية، ودخلت معاملها وتعاملت مع طلابها وطالباتها عرفت سر قوة أميركا، وأن الأقليات هم جزء من نسيج أي وطن، وأنها لم تصل بعد إلى كل ما تصبو إليه في القضاء على التفرقة العنصرية، وتعترف بأنها مازالت موجودة، لقد تم إنجاز الكثير في طريق القضاء عليها، وما اختيار أوباما رئيسا إلا أكبر دليل على هذا.
وتعلمت في أميركا أن القوانين سنت لكي تطبق على الجميع، وأن الذين يشرعون منتخبون، وأن القائمين على تنفيذها موظفون في خدمة الشعب، وتعلمت أن الفساد موجود في أميركا، ولكن المجتمع يحارب الفاسد ولا يرحب به! وتعلمت أن أحب أميركا، وان أخلص لها، فقد أعطتني أكثر مما أعطيتها.
* * *
ملاحظة: أرسل الشاعر حمود البغيلي رسالة هاتفية يطلب منا عدم النقل من الإنترنت، فأجبته بأخرى قائلا: لست بحاجة للنقل من الإنترنت فلدى محرر القبس 15 مقالا للنشر، وبالتالي لست بحاجة للنقل، ولكن إن رأيت نصا جميلا على الإنترنت يستحق مشاركة القراء فيه، فما العيب في ذلك؟ ولم يرد العزيز حمود علينا حتى الآن!
أحمد الصراف