يلاحظ من يتابع ما يكتب في المدونات وما يرسل من تعليقات وردود للصحف على مواقف السياسيين ومقالات الرأي، يلاحظ الكمّ غير المريح من الحقد والكراهية الذي بدأ بالانتشار في المجتمع، مصحوبا بادعاءات سخيفة لا تعني، حتى لو صحت، شيئا، كالقول بأن البدو أصل الكويت، ولهم الفضل الأول والأخير في نشوئها، ليرد عليهم آخرون بالقول ان الحضر هم الأصل وأصحاب الفضل وغيرهم طارئون جدد، ليتصدى لهم فريق ثالث قائلا انهم عندما عبروا البحر وجاؤوا الكويت لم يكن فيها أحد غير بضعة صيادي سمك وبعض المزارعين! والغريب، إضافة إلى تفاهة هذه الادعاءات، أن لا شيء يمكن تحقيقه أو الوصول له من قولها، فليست هناك جهة تمنح جوائز وشهادات لمن يثبت أنه من أوائل من وصل واتخذ الكويت وطنا، علما بأن الجميع مواطنون متساوون أمام القانون، أو هكذا يفترض!!
ولو اطلع هؤلاء المادحون لأنفسهم ولأعراقهم وطوائفهم على حقيقة أوضاع المناطق التي سبق ان قدموا منها، أفرادا وجماعات، من واقع أفلام وثائقية معروفة المصدر ومن المخطوطات والكتب التاريخية، سواء جاؤوا من صحارى الجزيرة وبراريها، وتخوم نجد وحواضرها، أو من جزرها وثغورها، أو من الجانب الآخر من خلجانها، ومن قرى ومدن فارس وما فوقها وحولها، لما وجدوا في كل تلك الوثائق المصورة والمكتوبة سهولا خضراء ومياها جارية وثروات معدنية وحقول قمح وذرة على مد النظر، ولا مداخن مصانع وطرقا معبدة وقطارات وسيارات فارهة وصحة وعافية وثقافات وفنونا عالمية وعلوما متقدمة، بل لن يروا سوى قحط وأوبئة وجوع وفقر وبطالة دفعت الجميع للهجرة والنزوح، شيبا وشبانا، أفرادا وجماعات، مشيا وعلى دواب تشكو الجوع والسقم، أو على ظهور سفن متهالكة، تعدك بالموت أكثر من الحياة، ولو كان في مواطن هؤلاء وأهاليهم ومساكنهم سابقا خير لما عافوها وقدموا لحر الكويت وجدبها وفقرها!
هذه هي الحقيقة، ومن أراد أن يستثني نفسه وأسرته وجماعته وقبيلته فهو حر، لكن الحقيقة مرة وغير سهلة البلع، ولكن ما هو جميل ومشرف أن الجميع جاء بحثا عن لقمة عيش شريفة، وليس هناك ما يخجل منه، فما حدث في الكويت حدث ما يماثله في آلاف الأمكنة طوال التاريخ البشري، وعلينا جميعا التوقف عن الادعاءات الفارغة التي لا يمكن أن تؤدي لشيء غير تفرقة فئات المجتمع!
لا تنسوا أن كمال الجسم البشري يكمن في امتلاكه لكامل أعضائه وعملها جميعا لمصلحة البدن، وبالتالي ليس لعضو فضل على آخر!
تصارعت أعضاء الجسد فيما بينها على من هو صاحب الفضل الأكبر! فقالت العين انها الفضلى، فلولاها لما رأى الإنسان شيئا، ولأكلته الحيوانات بسهولة، فردت الأرجل قائلة انه لا فائدة من رؤية الخطر إن لم تكن هناك أرجل تبعدك عنه، فانبرت الأيدي بالدفاع عن نفسها قائلة انها صاحبة الفضل الأكبر فهي التي تعمل وتخبز وتحوك وتبني، فانبرى اللسان قائلا ان كل سعي الإنسان هو البحث عن لقمة يأكلها وهو الذي يتذوق ويعرف الطعام الطيب من الخبيث ويعطي الجسم قوته، وهكذا قالت بقية الأعضاء واشتد الخلاف وارتفعت الأصوات، وفجأة صدر صوت كالرعد من المؤخرة أسكت الجميع، وهو يقول: تبا لكم جميعا، قد تكونون جميعا أعضاء مهمة للجسد الذي يجمعنا، ولكن ليس لأحدكم فضل كفضلي، فالجسد يمكن أن يستمر في الحياة من غير واحد أو أكثر منكم، والأمثلة على ذلك لا تحصى، ولكن عملي أنا هو الاهم، فتوقفي عن أداء وظيفتي لبضعة أيام فقط كفيل بإصابة الجسد كله بالتسمم وموتنا جميعا، فالرجاء التوقف عن هذا الهراء ومحاولة كل طرف إسداء الفضل لنفسه!
أحمد الصراف