هو أحمد الفهد، أو الشيخ أحمد الفهد (بالإذن من النائب عادل الصرعاوي الذي يذكرنا بلاعب نادي الفحيحيل في الثمانينيات، المدافع الأسمر العملاق ربيع سعد، ذي القلب الجميل النقي، الذي يطلب منه المدرب مراقبة المهاجم طوال المباراة فيراقبه طوال الحياة). وكم من شيخ لا يُرى بالعين المجردة، في حين يسد أحمد الفهد الشمس بكتفيه، وإذا «تمغّط» اصطدمت كفّاه بالنظام الشمسي. وكم من شيخ يمشي على الرصيف، في حين «يتمشى» الفهد في منتصف «الهاي وي» إما لتنظيم السير أو للخبطته، بحسب ما يُطلب منه. وهو صياد يرمي شباكه في عرض المحيط، إذ لا تشبعه أسماك السلمون الصغيرة.
وهو في الشأن المحلي نجم شباك من الطراز الهوليوودي، ذو حضور سينمائي لافت ولا شكري سرحان أيام عزه. وهو لفرط ثقته بنفسه ينام وأبواب بيته مفتوحة على مصاريعها، ولفرط هيبته تسرح إبله في الفلاة بلا رعاة، كما كان يفعل فرسان البادية الأشداء. وهو كائن من خيال، يرأس اجتماعات خطة التنمية في البنك المركزي، ثم يجد متسعاً من الوقت لحضور حفلة طهور في الجهراء. وهو بسبعة أذرع، لذا يشاهده الناس يحمل سبع بطيخات، وللدلالة على تمكّنه يداعب الكرة برجله ورأسه كما يفعل «رونالدينهو» دون أن تقع بطيخة واحدة.
وجوده في الحكومة أعطى صورة مغشوشة لكتلة العمل الوطني، وأظهر بعض أعضائها بمظهر المعارضين، وهم ليسوا كذلك. ولولا وجود الفهد لما استطعنا تمييز بعض نواب «العمل الوطني» عن النواب عسكر والخنفور ودليهي.
وللفهد هواية جميلة، هواية تربية صغار النواب (سأطلق عليهم اسم «بتوعه»)، إذ يدربهم على القفز من خلال فتحة الإطار المحترق، ودحرجة الكرة لإضحاك الجماهير، وبضربة سوط واحدة يصطف بتوعه بعضهم وراء بعض ويدورون في الحلبة، وبضربة سوط ثانية يغادر بتوعه الحلبة فيبقى هو وحيداً في المنتصف، فينحني للجمهور ويفتح يديه بطريقة مسرحية على وقع التصفيق، ويغادر فتُزال الخيمة.
وهو يتعامل مع بتوعه كما كان يتعامل الديكتاتور السوفياتي ستالين مع أنصاره المخلصين من صغار الموظفين (مع الفارق)، إذ يختم ستالين على ظهر كل مخلص من أنصاره، فيستمتع المخلص بكل شيء في الدولة بالمجان، ويدخل الحانة ويحتسي ما شاء، وإذا جاءته الفاتورة خلع قميصه وأشار إلى «ختم الزعيم» فتحال الفاتورة إلى «الرئاسة»، ويدخل السوق ويشتري ما شاء ويخلع قميصه، ووو… كذلك حال «بتوع» الفهد.
وكان إلى وقت قريب، كلما عثرت بغلة في الكويت استنجدت الحكومة به، فيفرك بلورته السحرية فيتعبّد الطريق، وتسير القوافل بأمان. وإذا اشتعلت حرائق في الغابات، استنجدت به الحكومة، فيفرك بلورته السحرية فتنطفئ الحرائق… واستمرت الأوضاع على هذا سنوات… لكن دوام الحال من المحال يا صاحبي.
إذ قرر الرئيسان، رئيس الحكومة سمو الشيخ ناصر المحمد ورئيس البرلمان معالي جاسم الخرافي، الاستحواذ على «بتوعه» الذين ربّاهم وصرف عليهم دمَ قلبه. ونجحا في ذلك، وها هما اليوم يحكّان «ختم الزعيم» ليمسحاه من على ظهور «البتوع» كي يضعا ختميهما مكانه.
وقريباً جداً، ما لم ينتبه الفهد، سيشاهد الناس في جميع دور العرض الشيخ أحمد الفهد بلا ختم ولا بطيخة ولا سوط. وستتحرر كفّاه، وسيكون بإمكانه حينئذ الانضمام إلى أقرب فرقة شعبية للتصفيق و»الشربكة»، وحدة وحدة وحدة جك جك جك جكجك.
هوَ ذا أحمد الفهد، وهيَ ذي الكويت… هو نائب رئيس الوزراء اليوم، وغداً قد تقرأ اسمه في كشوفات الباحثين عن عمل. وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء.