محمد الوشيحي

فعلا كريم


مبارك عليكم الشهر…

كل شيء عندنا مزوّر، كل شيء مغشوش، وإذا كانت هناك استثناءات فهي لا تُرى بالعين المجردة. وحتى العين المجردة ذاتها مزوّرة ومغشوشة في عالمنا العربي. فهل وقفت الأمور عند رمضان ولم تشوّهه أو تزوّره؟ الإجابة لا. بل أظن أن أكبر عملية تزوير وغش وخداع هي التي تعرّض لها رمضان الكريم نفسه.

المسيحيون العرب يصومون خمسين يوماً في السنة، ولم نسمع عن مسلسلات تُغرِق أيام صيامهم، ولا حتى مسلسل واحد، ولم نسمع أن تجارهم يستغلون أيام الصوم فيرفعون أسعار السلع بشكل مبالغ فيه، ولم يخرج راهب أو قسيس أو خوري (أقصد المفتي المسيحي، ولا أعرف ما هي درجته اللاهوتية) كل يوم يجيب عن أسئلة مكررة كما يحدث عندنا: «فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، ما حكم من احتضن زوجته وقبّلها قبل أذان المغرب؟»، فيجيب فضيلة الشيخ عن السؤال الذي انسحك لونه لتكراره كل عام: «لا ضير في ذلك، ديننا دين يسر»… «فضيلة الشيخ جزاك الله خيراً، أنا إنسان مقتدر، وسّع الله عليّ، فهل يمكن أن أدفع زكاتي نقوداً وملابسَ وما شابه بدلاً من الطعام؟»، وعليّ النعمة لو كانت الأسئلة تشتكي لاشتكى هذا السؤال تحديداً، ومع ذا يجيب الشيخ، الذي هو شابّ في ضحى الثلاثينيات من عمره، ويضع على رأسه غترة خشبية حادة: «الشافعية يجيزون كذا ويكرهون كذا، أما الحنفية فيرون كذا وكذا»، وتتكرر الأسئلة… وكان بإمكان السائلين أن يستعينوا بالإنترنت، أو بأحد يجيد استخدام الإنترنت، حيث فتاوى كبار المشايخ متوافرة لكل سؤال يخطر على البال.

ولهذا أظن أن غالبية برامج الإفتاء التي يقدمها الشبان على الفضائيات تمّ تحضير أسئلتها مسبقاً، بمعنى أن المفتي لا يظهر على الشاشة إلا بعد أن يطلب من أصحابه ومعارفه الاتصال به في البرنامج.

وليتنا نعرف كم يتقاضى رجال الدين في البرامج الرمضانية… الداعية المصري عمرو خالد مثلاً، أو المصري الآخر خالد الجندي الذي أصبح الآن يقدم مع صديقه محمود سعد برامج مسابقات، أو شيخ الدين الكويتي نبيل العوضي الذي سمع ورأى أشياء لم ولن يسمعها أو يراها أحد غيره، أو الشيخ سلمان العودة، جنبلاط المتدينين، الذي لا يثبت على فكر، أو الدكتور طارق السويدان، أو غيرهم، حتى نعرف هل نحن أمام «مشايخ دين» فنصدقهم ونتعلم منهم إيماننا، أم أمام «تجار بورصة» فنتفقد جيوبنا وبطاقات ائتماننا؟

وفي الزمن هذا، لن تجد أثرى ولا أغنى من أنصار الحكومة الكويتية من النواب، إلا مشايخ الفضائيات الذين يرون رمضان موسماً تجارياً فيرفعون أسعارهم كما في الشقق المفروشة في المصايف.

وإذا كانت أسعار الممثلين ترتفع في مسلسلات رمضان، فلأنهم «أهل دنيا»، يبحثون عن ملذاتها وزخرفها، لكن ماذا عن رجال الدين، الذين لا تساوي الدنيا في عينهم جناح بعوضة؟

السؤال برسم المواطنين المسلمين المغشوشين… ورمضان فعلاً كريم. 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *