محمد الوشيحي

اولاد الذبابة 
ينجّسون الجيش

ما تزال الدماء العسكرية تجري في عروقي، حتى بعد سبع سنوات عجاف من خلعي البزة العسكرية. أعترف بذلك وأقر. وأعترف أنني أحب الصحافة وأهيم بها، فهي كالزوجة الثانية، التي تفيض شباباً وفتنة، في حين أن العسكرية هي «أم العيال»، وصديقة الزمن الجائع، الوفية، الصبورة، الأصيلة… وإن كنت لا أشجع تعدد الزوجات.

المشكلة هي أن زوجتي الثانية، الصحافة، كثيراً ما تفتري على زوجتي الأولى، العسكرية. ويبدو أن التقصير مني. أنا الذي لم «أشكم» الثانية وتركتها تعبث بشعرات شواربي. وعندما أقرأ خبراً يقول: «القبض على أربعة عساكر من الجيش يتعاطون الهيروين»، أجد نفسي لا شعورياً موجهاً تمتمتي إلى الصحافي الذي كتب الخبر، والجريدة التي نشرته: «يا أولاد الذبابة التي لا تقع إلا على السواد، ألا سحقاً لصحافة الذباب وبائعها وشاهدها وشاريها».

ولا أدري لماذا تقتصر دائماً الأخبار المنقولة عن عساكر الجيش على «تعاطي المخدرات» و»الخناقات» وما شابه. أين الصحافة من العساكر الذين اصطفوا يوماً أمام المستشفى ليتسنى فحصهم قبل التبرع لزميلهم المصاب بفشل كلوي؟ وأين هي من موقف العساكر الذين تكفلوا بتزويج زميلهم، الغارق في الديون، بدءاً من المهر، وانتهاء بأواني المطبخ والبشت وساعة اليد؟ وأين هي من الذين خرجوا من المستشفى بعد زيارة زميلهم المصاب في حادث، وجمعوا المال، واشتروا له سيارة من نوع سيارته نفسه، لكنها موديل السنة؟ أين الصحافة من العساكر الذين جمعوا الأموال وسددوا بها ديون زميلهم المتوفى قبل انتهاء أيام العزاء؟ وهنا لا أنسى موقف معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك، الذي له مساهمات صامتة كهذه، وقد نختلف معه في بعض المواقف السياسية لكننا لا نملك إلا أن نحترم شهامته وإنسانيته في مثل هذه المواقف الصعبة. فلماذا لا تكتب الصحافة ذلك؟ على أنني لا أدّعي أن العساكر كلهم أطهار كما الصحابة رضوان الله عليهم، لكنني أجزم وأقسم أنهم أرقى وأسمى من غيرهم.

ولو قارنّا لوجدنا الهجوم الصحافي دائماً يتركز على عساكر الجيش، في حين يُمتَدح، في الغالب، عساكر الشرطة. ليش؟ لأن أولاد الذبابة من الصحافيين يحتاجون إلى الداخلية في معاملاتهم، لذا فضباط الشرطة وعساكرها يستحقون الثناء والتكريم والصور الوردية، في حين لا يحتاج أحد إلى شيءٍ من الجيش، وهنا سيمرح الذباب. وستجد برنامجاً تلفزيونياً للشرطة، ولن تجد برنامجاً مثله للجيش. والناس بسطاء، يلعب بهم الإعلام كما تلعب العاصفة بقصاصات الورق.

والمثير للحنق، أنك لن تقرأ مثلاً «القبض على خمسة من موظفي وزارة الصحة يتعاطون المخدرات»، أو «موظفي البلدية»، أو «موظفي الأشغال». وستجد الخبر صيغ هكذا: «القبض على خمسة يتعاطون المخدرات، اثنان منهم من وزارة الدفاع».

ولو كان الأمر بيدي لنقلت أولاد الذباب إلى المعسكرات الحدودية فترة لا تقل عن شهر، كي يعرفوا حقيقة العساكر، وكي – وهذا هو الأهم – يتعلموا الرجولة التي يعانون نقصَها. كرّم الله عساكرنا عن الذباب، وجراثيم الذباب.

فتحية عسكرية لكم، رجال جيشنا ونساءه، و»لا تهنوا ولا تحزنوا». وكما تحمون وجوهنا من أعداء الخارج، سنحمي نحن ظهوركم من أعداء الداخل، فارفعوا أسلحتكم بشرف، وسنرفع نحن مبيدات الحشرات بغضب. 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *