محمد الوشيحي

أيها الصالح


اثنان لا واحد، أدين لهما بدَين لا خلاص لي منه ولا فكاك. دَين مثل دين بنوكنا الذي تسدده فيكبر، فتسدده فيكبر، فتموت وتورّثه لأجيالك القادمة، ويموت أصحاب البنك ويورّثون دينك لأجيالهم، وهكذا تنقرض أجيال وتعيش أجيال ليس لها في الحياة إلا تسديد قرضك الذي «انطسيت على عينك» واقترضته قبل ثلاثمئة وأربع وخمسين سنة. وفي الكويت، من يقترض كمن يدخل سجن أبوغريب، يقف عارياً على الكرتون، وتسحبه امرأة مربعة ضئيلة، تشبه بيوت المنقف. وهذه هي الحياة، قاتل ومقتول، وآكل ومأكول. والتسمية الحقيقية لقانون إسقاط الفوائد هي «قانون فك رقبة».

أقول، اثنان أدين لهما، الأول هو أستاذي أحمد الديين (لاحظ أن اسم «الديين» هو تصغير لـ»الدين» من باب التلطيف وجر الرجل إلى أن توقّع على عقد الاقتراض فتروح في ستين داهية)، والثاني هو المهاجر صالح الشايجي. وصالح سيصحح لك إذا ناديته بكنيته «أبو ناصر»، وسيسألك: لماذا ألغيت اسمي ونسبتني إلى ابني؟ لذا نحن نناديه «الصالح». وأقول «نحن» لأن للصالح مريدين ومحبين وعشاقاً ودراويش من الكتّاب وغيرهم، لو أني عددتهم لما انتهيت. لماذا؟ لأنه صادق، نقي، مثقف بلا تنطع، كويتي القلب بلا استعراض «سكوبي» ولا «عدالي».

الصالح، كتب يوم الثلاثاء مقالة ينصح فيها «الزملاء وعلى رأسهم الصديق محمد الوشيحي» أن نبتعد ما أمكننا عن السياسة، باعتبار أن السياسة في الكويت لم تعد سياسة. وهو صادق. وسأضيف إلى كلامه: والإعلام لم يعد إعلاماً، والشعر لم يعد شعراً، والاقتصاد لم يعد اقتصاداً ووو، إلى أن نصل إلى «الكويت لم تعد كويتاً». وكل شيء في الكويت أصبح سياسياً، الإعلام والرياضة والاقتصاد والشعر والتمثيل، ووو. حتى الحديث عن الزهور، وهي الزهور، حديث سياسي. فالزهور مسؤولية «هيئة الزراعة»، والهيئة تتبع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء. ونقد قذارة الشوارع هو نقد للبلدية، وفوق أنه حديث سياسي هو حديث طائفي، أجارنا الله وإياك. ومن ينتقد البلدية «يشق الوحدة الوطنية شقاً» لأن الوزير شيعي، واسأل سماحة السمح محمد باقر المهري.

أيها الصالح، أنت في منفاك الاختياري، لا أظنك تابعت سعي الفجّار إلى السيطرة على الإعلام، ومن ثم السيطرة على السياسة، فالسيطرة على البلد كله. وقومي مشغولون بالتوافه. ولك أن تقرأ «سقوط الأندلس» بعدما انشغل كبارها بأنفسهم وبثرواتهم وبالتافه من الأمور، وصار التنافس على اختيار أفضل الألقاب، فهذا «صمصام الأمة»، وذاك «شمس المعالي»، والثالث «زين الأيام والليالي»، ووو، وسقطت الأندلس.

لكن على هامش الحفل، دعني أفضفض لك… شعرتُ في الفترة الماضية أنني اقتربت شيئاً فشيئاً من قرص الشمس اللاهب، بلا ذنب مني، فكل ما أكتب يُتداول بشراسة وينفد بسرعة من على أرفف المحلات التجارية، ويباع في السوق السوداء، فحاولت الابتعاد قليلاً لأتفادى الحرق، وكتبت عن الجراد في البراري والربيان في «البحاري»، وخففت التوابل الهندية في المقالات، وحجبتُ المفردات المترفات، كي أهدأ قليلاً، ويهدأ الضجيج والصخب من حولي، فأستمتع بقراءة دواوين الشعر التي تستجديني استجداء الأيتام المعوزين، لكن الضجيج علا والصخب طغى والوطيس حمي أكثر وأكثر… فما الحل وما الحيلة؟ 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *