احمد الصراف

نقطة فاصلة وليست نقطة تحول

أجرت الـ«إم بي سي» لقاء معي قبل عام تقريبا، من خلال برنامج «نقطة تحول». وردا على سؤال مقدمه عن أهم نقطة تحول في حياتي قلت إنها كانت في عملي في بنك الخليج في منتصف ستينات القرن الماضي.
واليوم وبعد مرور سنة على بث ذلك البرنامج، الذي اختزلت ساعات تصويره الى دقائق بث لم تزد على 45 مع الإعلانات، بسبب الكثير من المحاذير الخاصة بالمحطة، وما صرحت به في البرنامج من آراء، وعندما أفكر بـ«نقطة التحول» تلك أجدها الآن غير ذلك، فلم أكن أعمل عملا محددا لأتحول منه لعمل آخر، بل كنت عاطلا عن العمل وفاشلا في دراستي ومدرستي التي قررت تركها لعدم اقتناعي بطريقة التدريس التقليدية التي كانت تجري بها، فقد كانت أول مدرسة ثانوية تجارية من نوعها في الكويت، ولكنها كانت من غير منهج ولا كتب، وغالبية مدرسيها من غير المتخصصين في ميدانهم، وبالتالي تركتها في سنتها الثانية أو الثالثة بحثا عن العمل، فوجدت عدة فرص، ولكن العمل في البنك هو الذي استهواني أكثر، وكان ذلك الاختيار نقطة مفصلية، وليس نقطة تحول، في حياتي، فلو كنت التحقت بأي عمل آخر، والعمل الحكومي كان هو البديل الآخر المتاح، لتغيرت حياتي رأسا على عقب.
والآن وبعد قرابة نصف قرن على ذلك التاريخ، وعندما أجلس وأفكر أو اكتب مقالا أو التقي بصديق أو زميل من تلك الأيام اكتشف كم كانت ثرية تلك التجربة وكم جعلني قرار عادي وعفوي بترك الدراسة سعيدا وليكون أفضل قرار اتخذته. فالسنوات الـ 16 التي قضيتها في البنك لم تكن سعيدة فقط بل وثرية في إنسانيتها ومعارفها وصداقاتها، من الجنسين، علما بأنني حصلت خلال تلك الفترة على شهاداتي الدراسية ووضعت اللبنات الأولى لأعمالي التجارية، والأهم من ذلك التقيت فيها بشريكة حياتي، وأنجبنا جوانا ومحمد وطارق، وفوق كل ذلك جمعت ثروة هائلة من الصداقات الجميلة التي ستبقى ذكراها معي ما حييت، وإن أنس لا أنسى المرحوم عبدالمحسن بوقريص، الذي كان له الأثر الجميل في حياتي، ولن أنسى أيادي المرحوم حسين الأمير البيضاء، ولا كرم الفقيد رجب بولند، والشاب خالد العمر الدرباس، ومن الأحياء صديق العمر يعقوب الجوعان، ويعقوب مال الله، وغسان حداد، وصقر الغانم، وطبعا الكبير هشام السلطان، والمرحوم اللواء محمد الحمد، ويوسف العوضي ومحمد عبدالعزيز العلي ومحمد عبداللطيف المطوع وأبو سعيد «اسماعيل دشتي»، واسماعيل السيد نابل، وصديق العمر والشريك الآخر سمير رحال، والمئات غيرهم الذين لا يتسع المجال لذكرهم جميعا ولا يقلل ذلك من قيمة أي منهم عندي.
سنوات جميلة مضت، وأملنا في سنوات أكثر جمالا، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

داوود حسين المخرب


ما يقدم من أعمال درامية اليوم ليس من ابتكار داوود حسين أو غيره، فأمهات أعمالنا كـ «درب الزلق» و«الأقدار» ضمت الهندي غلام والمصري فؤاد بن سعيد باشا وزواج قحطة من نبوية المصرية ومهدلي الذي لا يتقن العربية وغيرهم، مروراً بالكثير من الأعمال التلفزيونية التي رسّخت واقع المجتمع بوضوح بأنه مجتمع مختلط يضم الكثير من الجنسيات. شخصية الهندي والشامي والمصري والعراقي والإيراني وبالطبع الخليجي، كلها شخصيات ومجتمعات أثرت في تكوين هوية المجتمع الكويتي، بل لا تكاد تخلو عائلة كويتية من أواصر ترابط مع إحدى هذه الدول والمجتمعات، فهم إما أن يكونوا جيراناً لنا تنقلوا أو نزحوا إلى الكويت وإما أن أعمالنا ارتبطت بهم كالتجارة والتعليم وغيرها. ولو استثنينا روابط الدم التي تجمع الغالبية العظمى بهم، فإننا لن نستطيع أن ننكر حقيقة أننا في حياتنا اليومية مجبرون قسراً على التعامل معهم فهم يشكلون ثلثي تعداد الكويت العام. أسوق هذه المقدمة الطويلة لتفنيد فكره سمجة برأيي تلك التي تعتقد أن تقديم أعمال تلفزيونية تتمحور حول شخصيات أجنبية محيطة يعد تصديراً للثورة والأفكار الدخيلة على مجتمعنا! أولاً: إن كان عمل تلفزيوني قوامه 30 حلقة يهدف إلى التسلية هو ما سيفرِّق المجتمع، فإن هذا المجتمع هش ضعيف بائس من الممكن أن تهزه ثلاثون ساعة تلفزيونية، وهو بحاجة إلى إعادة تهيئة بدلا من منع عرض مسلسل. أما ثانياً: فإن ما يقدم اليوم من أعمال ليس من ابتكار داوود حسين أو غيره، فأمهات أعمالنا كدرب الزلق والأقدار ضمت الهندي غلام والمصري فؤاد بن سعيد باشا وزواج قحطة من نبوية المصرية ومهدلي الذي لا يتقن العربية وغيرهم، مروراً بالكثير من الأعمال التليفزيونية التي رسّخت واقع المجتمع بوضوح بأنه مجتمع مختلط يضم الكثير من الجنسيات شخصياً جدتي رحمها الله إيرانية الجنسية ولست الكويتي الوحيد في ذلك بلا أدنى شك، لذا فإنني إن شاهدت عملاً عن جدة إيرانية أو أخوال من نفس الجنسية فإنني بالتأكيد سأراه أمراً واقعياً لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بعقول ضحلة تعتقد أن إيصال تلك الشخصيات عبر الإعلام المرئي مخطط ومدبر لتفريق المجتمع وتقسيمه، وإن كان حقاً كما تقوله تلك العقول، فهو بكل تأكيد سيعيدنا إلى «أولاً» السابق ذكرها. ختاماً، فلو أنجبت نبوية من قحطة فإن أخوال أبناء قحطة سيكونون مصريين، ولو أنجبت زوجة مهدلي الإيرانية فإن أخوال أبناء مهدلي سيكونون من الإيرانيين، فهل كان الأمر مدبر من حقبة الأقدار ودرب الزلق لنشر الثقافات الدخيلة على المجتمع كما يفكر بعض العقول؟! إن كانت تلك أفكار مثقفينا والنخبة، فعلينا السلام. 

سامي النصف

أصيلة الأصيلة ومحمد بن عيسى

شاركت قبل أيام في مهرجان «أصيلة» الثقافي الدولي بالمغرب، ولذلك المهرجان الرائع قصة تستحق أن تروى سمعتها ذات ليلة في حفل عشاء أقامه السفير المغربي الصديق محمد بلعيش على شرف صديق الكويت الوزير المثقف محمد بن عيسى.

فقد قرر بن عيسى قبل 32 عاما ان يحيل قريته الصغيرة «اصيلة» إلى تظاهرة فكرية عالمية يلتقي خلالها مثقفو ومفكرو وساسة واقتصاديو وإعلاميو الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب وقد اضطر آنذاك إلى أن يرهن منزله للحصول على المال اللازم للبدء وقد سمع الملك الحسن الثاني بذلك المشروع الواعد فدعمه واستمر الدعم الملكي حتى هذه الأيام، حيث يحضر ويشارك في فعالياته كثير من الوزراء والمستشارين المغاربة.

وتطل «اصيلة» ومنازلها البيضاء والزرقاء على مياه المحيط الاطلسي وتبعد 40 كم عن المدينة الشهيرة «طنجة» التي يمكن لك وأنت جالس على شواطئها أن ترى الساحل الاسباني الذي يبعد حوالي 10 كم عنها وهناك عبارات سريعة تحمل الركاب والسيارات وتعمل بشكل منتظم بين الساحلين.

ومن الأنشطة التي كان بها حضور كويتي مكثف ندوة «الديبلوماسية والثقافة» التي شارك فيها مدير عام المعهد الديبلوماسي السفير عبدالعزيز الشارخ ود.ندى المطوع ود.هيلة المكيمي، ومما قلته في مداخلتي بتلك الندوة ان هناك علاقة وثيقة بين الديبلوماسية والثقافة، حيث إن الاثنتين بديلتان عن الحروب فعندما تتوقف الديبلوماسية تبدأ الحرب، كما لا يمكن لحرب أن تقع بين عاصمتين لديهما مراكز ثقافية فاعلة تتبادلان خلالها المعرفة وتشجعان انفتاح شعوبهما على بعضهم البعض كما حدث في حقبة ما بعد الحرب الكونية الثانية بين العواصم الأوروبية التي اشتهرت تاريخيا بالعداء والحروب المتواصلة بينها.

وضمن فعاليات «الأدب في دولة الإمارات» تم التطرق إلى الخوف على عروبة دول الخليج والى «نقمة» النفط وكان ردنا أن هناك مفاهيم شديدة الخطأ بين المشرق والمغرب، حيث يعتقد بعض المغاربة ـ وبعض العرب ـ أن هناك خوفا على الخليج بسبب وجود جاليات آسيوية فيه، كما يعتقد بعض المشارقة ـ وبعض العرب ـ أن هناك خوفا على عروبة المغرب بسبب حديث بعض أبنائه بالفرنسية ورأيت أنه لا خوف على الإطلاق على عروبة الخليج أو على عروبة المغرب العربي، كما رأيت أن النفط «نعمة» كبرى على الخليجيين والعرب وأن علينا جميعا أن نفخر بمنتج ومصدر ثروة العرب الأول، ونعني النفط، كما تفخر الدول الأخرى بمنتجاتها الزراعية والصناعية ولا تخجل منها أو تعتبرها نقمة.

آخر محطة:

 1 ـ الشكر الجزيل للشيخة الفاضلة موزة المسند على تبرعها السخي للمطربة صباح بمائة ألف دولار ونرجو ألا تصرف الشحرورة المبلغ على… عملية تجميل أخرى!

2 ـ سأل صحافي ذات مرة قلب الدفاع العراقي الأسبق دوغلاس عزيز عن أفضل دفاع في العالم فأجاب يجي «بعدي» المصري هشام يكن، وسأل أمس مراسل «رويترز» المالكي عن رئيس الوزراء القادم للعراق فأجاب: «لا يوجد هناك مرشح أفضل مني» والتواضع اخضر ولا أحمر..؟!

3 ـ عائلة الخباز هي من أقدم العائلات الكويتية ويسجل التاريخ أن أول حسينية في الكويت أقيمت في ديوانية سيد علي الخباز عام 1851م لذا نرجو عدم صحة ادعاء إسقاط الجنسية عن أحد أبنائها لحصوله على جنسية بلد لا يمت له بصلة.

احمد الصراف

حيبر طلوني

قمت وصديق بالتباحث مع جهة فنية في بلد عربي لتكليفها بإنجاز مشروع ما مقابل أتعاب محددة. وعند الانتهاء من التفاصيل وبعد تحضير الاتفاقية للتوقيع النهائي، وبعد مراجعة محامي الطرفين لكل بنودها، اكتشفت وصديقي أن أحد بنودها ينص على أن يتحمل الطرف الاول -اي نحن- كل الرسوم والبراطيل والرشاوى التي يقوم الطرف الثاني بدفعها لمختلف الأطراف الأخرى المعنية بإنهاء إجراءات المشروع الإدارية! وهنا نظرت وصديقي بعضنا لبعض بدهشة ورفضنا التوقيع على العقد، لأنه كفيل بـ«خراب بيوتنا»، فنحن هنا مطلوب منا توقيع اتفاقية تحتاج إلى حمل طابع رسمي لتصبح قانونية، والموافقة على بنودها بذلك البند الغريب يشكل صك إدانة واضحا بحقنا، متى ما أرادت أي جهة الإضرار بنا! وهنا ضحك الطرف الأول بصوت عال وطمأننا بأن الموضوع «عادي وشرعي» ومنسجم مع «أصول التعامل في بلده». وهنا قام وأحضر ملفاً يتضمن عقوداً مماثلة لعقدنا وتحمل تواقيع أكبر القوم وأكثرهم دسماً، كدليل على ان الأمر عادي وليس فيه ما يريب!
لا أريد الاستطراد أكثر لحساسية الموضوع لجهة ما، ولكن ما أريد قوله إن الأمور في الكويت في طريقها لأن تصبح شيئاً يماثل وضع تلك الدولة، الذي لا يختلف كثيراً عن أوضاع بقية دولنا العربية والإسلامية المباركة، وسبب شكوكي اننا ونحن في الطريق، وردتني مكالمة من أحد مديري مصلحة تجارية كانت تخصني، وتخليت عنها، مع بقية المصالح الأخرى قبل فترة بسيطة، لرغبتي في التفرغ للكتابة، اتصل ليبلغني بأنه يواجه مشكلة مع إحدى الشركات الحكومية الكبرى، وانني سبق أن تدخلت قبل سنوات وحللت ما يماثلها مع شركة أخرى! وتتلخص المشكلة في أن حارس بوابة الشركة الحكومية التي تقوم المصلحة بتزويدها بالبضائع يرفض السماح لمركبات صاحبنا بتجاوز البوابة قبل دفع «المقسوم» أو الرشوة، وبخلاف ذلك، فإن على عمالها نقل البضائع على أكتافهم لمسافة طويلة إلى داخل المخازن! وكيف انه قام بالاتصال بمسؤول أمن تلك الشركة للشكوى على الحارس، فلم يلق تجاوباً، بل وجد تشجيعاً بضرورة تطييب خاطر الحارس وإعطائه ما يريد لأنه، حسب قوله، إنسان فقير ومؤمن!
من الواضح هنا ان هذا الحارس، بحكم تواضع عمله، لا يمكن أن يتجرأ على مثل هذا التصرف والمخاطرة في طلب رشوة لو لم يكن مطمئناً لوضعه، وبأنه لن يُطرد إن كشفت ألاعيبه، ولابد أنه مسنود أو رأى ما يماثل تصرفه ممن يرأسه الذي شاهد الأمر ذلك مع من هو أعلى منه، وهكذا حتى نصل إلى رأس الشركة!
نعود ونكرر.. إننا بحاجة إلى الأخلاق أكثر من حاجتنا إلى مظاهر التدين، وخاصة الكاذبة منها، فمن الصعوبة بمكان العيش في مجتمع بلا أخلاق، ولكن من السهل العيش في مجتمع بلا تدين! وأمامنا مثالان، دولنا الحبيبة والطيبة من جهة ومجموعة الدول الاسكندنافية.. من جهة أخرى!

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

هذرلوجيا


اقتحمتُ غرفته دون أن أطرق الباب، بدفاشتي المعتادة. أدرتُ مفاتيح الأضواء كلها، وصرخت فيه كما يصرخ ضباط طابور الميدان بنبرة جافة: «انهض»، فاستيقظَ المسكين بتأفف وكسل، ثم تمتم وهو يحمي عينيه بكفّه من نور الإضاءة: «يالله صباح خير، عسى ما شر؟»، فواصلت صراخي: «طالت فترة نومك، وحان وقت الكتابة»، فواصل تمتمته المتذمّرة: «يا أخي مَن منعك من الكتابة؟»، فنزعت بطانيته وألقيتها هناك، وقلتُ وأنا أرفع رأسه من على مخدته: «أحتاج إليك. لا أريد أن تكون مقالاتي مثل الدخان الملون الذي تنفثه الطائرات الاستعراضية، وسرعان ما يتلاشى»، فسخرَ: «إذاً تريد أن تنفث مقالاتك بدلاً من الدخان الملون صواريخ مدمّرة»، قلت وأنا أفتح شبابيك غرفته: «وقنابل نووية إن أمكن»… فنهض خيالي المرهق، وراح يعيد ترتيب شعره المنفوش ويردد جملة الفاكهاني المصري: «يا فتّاح يا عليم يا رزاق يا كريم».

لحظات قليلة قضاها خيالي يغتسل ويعدّل هندامه قبل أن ينضم إلينا، أنا والورقة والقلم وفنجان القهوة العربية الشقراء وعلبة الدخان، وما كاد يستوي في جلسته حتى كرّر سؤاله الممجوج: عن الفشل والتشاؤم والإحباط والدموع ستكتب كعادتك؟، فأجبته: أنت تذكّرني بحكاية الفنان بيكاسو، عندما رسم لوحة لمدينته المدمّرة، لم يذيّلها بتوقيعه، فأبهرت الناس وأذهلتهم، وتداولوها بينهم، فقبض عليه الفاشيّون، وسأله ضابط التحقيق وهو يشير إلى اللوحة: «أنت من فعل هذا؟»، فأجابه: «لا. بل أنتم»… وأنا لم أزرع التشاؤم ولا الإحباط ولا الدموع في قلوب وعيون الناس، الحكومة ونوّابها وكتّابها هم الذين فعلوا هذا. أنا مجرد حكواتي، أو «كتباتي» إن أردت الدقة، أو رسّام، أو مصوّر يلتقط الصور من زاويته الخاصة وبكاميرته الخاصة، ومن الظلم محاكمة الصورة بتهمة بشاعة المحتوى وكآبة المنظر.

زحزح الخيال كرسيه واقترب مني هامساً: «الضباع تكمن لك خلف الجدار، تنتظر منك زلة، كي تهاجمك وتلتهم رأسك»، قلت مصححاً معلومته: «الضباع لا تهاجم الأحياء عادة، هي تأتيك غدراً بعد مماتك أو أثناء نزفك مصاباً، وأنا لست ميتاً ولا مصاباً، ثم إنها لا تلتهم الرأس، بل تفضّل البطن والأمعاء ومجمع الدماء، أجلك الله. الأسد هو من يأكل الرأس ويلتهم الأذرع والأرجل، ويقرف من البطن والأمعاء، لأنفته وشموخه». قال: «الناس تلحلحت والرزق يحب الخفّية، فهذه منحت زوجها منصب وكيل وزارة، وذاك حصل على عقد مليوني، ووو، وأنت وأشباهك مصرّون على ترديد النشيد الوطني وارتداء القبعة لتوهموا الناس أنكم أحفاد الثائر تشي غيفارا. ثم يا سيدي هل هذا هو جزاء الحكومة التي درّستك وعلّمتك، فلما اشتدّ ساعدك رميتها؟».

قلت: «دونك فصيلة دمي لتتأكد أنني لست من أحفاد الأرجنتيني تشي غيفارا، بل من أحفاد البدوي حمد بن وشيح، أما عن حكاية تدريسي وتعليمي فسأردد معك كلمات الشاعر الصعيدي الرائع هشام الجخ (طب كنتو ليه بتعلّمونا نحفظ البِرّ وجمايلُه، طب كنتوا ليه بتعلمونا نكره الظلم وعمايلُه، لما انتو ناووين تسجنونا ف أرضنا، كان ايه لزوم العلم ورموزه ومسايلُه؟ مش كنتو سبتونا بهايم كنا نمنا مرتاحين؟).

طال الجدل بيننا فأشعلت سيجارتي ورسمت بدخانها خطاً ينهي الحوار: «حلّق وأنت ساكت»، فرفع أصبعه محتجاً: «قل (لو سمحت)»، قلت: «تستاهل… لو سمحت»، فتبسّم وفرد جناحيه يتفقدهما استعداداً للقادم من الأيام والمشاكل والنكبات…

❊❊❊

لم أجد عنواناً للمقالة هذه أفضل من «هذرلوجيا»، وهي الزمرّدة التي كان يزيّن بها الصعلوك النبيل سليمان الفليّح عنق زاويته في جريدة «السياسة»، في سالف العصر والأوان. وآه ما أجمل ذلك الصعلوك.

الآن، عمنا الصعلوك يكتب في جريدة «الجزيرة» السعودية… لكن، ومن دون زعل، أظن أنه ترك خاتمه وجنونه وقلبه وشقاوته هنا، وأحرق ابتساماته، قبل أن يغادر الكويت مجروحاً، فابحثوا عن خاتم سليمان وجنونه وبقية أدوات شبابه علّكم تجدونها فتبشّرونه فيعود إلينا ضاحكاً فوضوياً كما كان.

افتقدناك… سليمان.

❊❊❊

النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، الشيخ جابر المبارك، أمر برش «معطّر جو» في فضاءات الكويت بعد أن أزكمت أنوفنا روائح بعض الإعلاميين… شكراً أيها الكبير. 

سامي النصف

هل نحن في حاجة لأميركا؟!

مازالت الكويت بلدا صغيرا وسط منطقة شديدة السخونة يمتلئ تاريخها الحديث بوفرة الحروب والاحتلالات الجائرة، حيث لا يبالي أحد بالقرارات الدولية بل ما يحترم هنا هو منطق القوة فقط، ولسنا في هذا السياق أكبر وأقوى وأكثر منعة من بريطانيا العظمى وألمانيا وكوريا واليابان وغيرهم ممن يوفرون للولايات المتحدة القواعد العسكرية ويرتبطون معها باتفاقيات عسكرية منذ عقود عادت عليهم بكثير من المنافع والمكاسب.

ولسنا شخصيا من المستفيدين من عطايا أميركا ووكلائها وصفقاتها المليارية التي عادة ما تمنح لمن يدعي عداءها ويطرب أسماعها بشتائمه وحروبه الصوتية ضدها حتى كتب الصديق خير الله خير الله ذات مرة أن أميركا تدعم بالدرجة الأولى من ينادي بـ«الموت لأميركا».

لذا فالقضية هي في البدء والمنتهى النظر لمصلحة الكويت والدوران حيث تدور، ومن ذلك فنظرة منصفة للفارق بين العشرين عاما التي سبقت الغزو ونعني 1971 ـ 1990 والتي امتازت بالعداء الشديد لأميركا بتأثير من الثوريات العربية عالية الصوت، والعشرين عاما التي تلت التحرير ونعني حقبة 1991 ـ 2010 والتي سادتها علاقات الود والصداقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، تجعلنا نلحظ الفوارق التالية:

سياسيا… أصبحنا احدى الدول القليلة في محيطنا العربي التي تحررت من الاحتلال في أقصر مدة وأصبحت تحتفل بانتصار «حقيقي» مقابل الانتصارات الوهمية والكاذبة لأصحاب الأصوات العالية، وعلى رأس تلك الانتصارات بالطبع «أم المعارك» الخالدة التي تحولت مع العهد الديموقراطي الجديد في العراق إلى «أم كل الهزائم» حتى بلغ الخجل منها عدم تضمينها المناهج الدراسية العراقية.

اقتصاديا… ارتفع سعر النفط إبان صداقتنا مع أميركا إلى أرقام فلكية لم نكن نحلم بها قط قبل عام 90 عندما انخفض سعر النفط الى 6 دولارات علما بأن الثوريات العربية «الصادمة» ادعت أن أميركا حررت الكويت للحصول على النفط الرخيص (!) وكي تتصدر الكويت الدول المعترفة بإسرائيل(!)، كما ساهم إسقاط صدام في تحريك مشاريع التنمية في البلد والمنطقة وأصبحنا نشهد ناطحات السحاب ومجمعات الأسواق الضخمة في كل مكان.

أمنيا… اختفى ـ إلا ما ندر ـ ما كنا نعانيه من عمليات إرهابية في حقبة ما قبل عام 90 والتي شملت محاولات اغتيال المسؤولين وتفجير الدور الصحافية وتدمير المقاهي الشعبية واقتحام السفارات وخطف الطائرات…إلخ، حيث شعر من يقف وراء الإرهاب بأن تعريض أمن الكويت للخطر يعني المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وهي مواجهة لا يريدها أحد.

آخر محطة: طارق عزيز يطالب ببقاء القوات الأميركية في العراق حتى لا تأكله «الذئاب» ولدينا من يطالب بخروجها حتى يلتهمنا المتربصون… هزلت!

احمد الصراف

ما هي علاقتنا بالحضارة؟

تتمثل حضارة اي مجتمع في تقدمه زراعيا وتجاريا وفي توافر الوظائف المتخصصة، ووجود صور مدنية واضحة، كما تتمثل الحضارة غالبا في تقدم مجموعة عوامل اخرى كالمواصلات والانظمة الادارية والكتابية والنقدية والقضائية، والفنون الرفيعة والرياضيات والمعالم الجمالية كالنصب التذكارية، هذا ما ورد في احد المصادر، ولكني وجدت ان تعريف قاموس «التراث الاميركي»، الذي لفت الدكتور كامل النجار نظري إليه، اكثر دقة، حيث يعرّف الحضارة بأنها: حالة متقدمة من التطور العقلي والثقافي والمادي في مجموعة بشرية من علاماتها التقدم في مجالات الفن والعلوم وانتشار التدوين، بما في ذلك الكتابة، وظهور انظمة سياسية واجتماعية متقدمة.
ولو قمنا بتطبيق هذه التعريفات على بعض ما يطلق عليه «حضارات» لوجدنا ان عددا منها لا يستحق ذلك، فلا توجد حضارة هندوسية او بوذية او يهودية او اسلامية او مسيحية، بل توجد حضارات ترتبط بمناطق جغرافية محددة، وضمن شعب محدد، كالحضارات الفرعونية والبابلية والصينية والهندية وغيرها.
وبالتدقيق في تعريف قاموس التراث الاميركي American Heritage نجد ان التدوين هو من سمات الحضارة، وكمثال على ذلك كتاب Doomsday وهو كتاب مسح احصائي امر الملك «وليم الاول» في عام 1086 بتدوينه، لشكه في مستشاره المالي، لكي يتضمن حصرا لممتلكات رعيته من ارض وماشية ودواجن وغير ذلك، وتقدير قيمة لها لغرض فرض الضرائب العادلة عليها، وسبب تسميته بكتاب يوم الحساب او القيمة هو ان احكام الضرائب فيه نهائية وغير قابلة للاستئناف. ويعتبر المؤرخون هذا الكتاب الاول في تاريخ البشرية الذي يحدد من يملك ماذا، ويعتبر نواة نظام «حقوق الملكية».
كما توجد في كل الكنائس، شرقا وغربا، سجلات قيد يعود تاريخها لعمر ارشيف تلك الكنائس او اكثر حتى، وهي السجلات الخاصة بتوثيق عقود الزواج التي اجريت فيها، والتي يمكن العودة إليها بعد مئات السنين لمعرفة من تزوج، واسماء اقرباء كل طرف، وقد كانت هذه السجلات النواة التي بنى عليها الروائي ألكس هيلي قصته الشهيرة «الجذور»، حيث اصبح بإمكان احفاد المهاجرين الى اميركا العودة لمواطنهم الاصلية، سواء في اوروبا او افريقيا والبحث في سجلات الكنائس عما يتعلق بجذورهم، وهذا ما لا يمكن ان يحصل بين أغلبية مواطني الكويت مثلا، الذين هاجر اجدادهم من قرنين او اكثر الى الكويت من عدة مناطق، فأليكس هيلي لا يعيش بيننا، وعقود الزواج وحتى نصف قرن مضى لم تكن توجد ابدا، لاننا شعوب شفهية، والدليل ان اكثر كتبنا قدسية واحتراما لم يجر تدوينها الى بعد عقود عدة وبعضها بعد اكثر من 200 سنة كالصحاح الست، وغيرها الكثير.
كما توجد في انكلترا سجلات دقيقة لحالة الطقس ودرجات الحرارة يعود تاريخها لاكثر من 230 سنة، مع آلاف السجلات الاخرى الاكثر او الاقل قدما، والتي تحتوي على معلومات مهمة عن الطيور، انواعها وهجراتها والحشرات والنباتات والغلال والزهور بانواعها وحيوانات البيئة الاخرى وغير ذلك الكثير.
وعليه، فإن غياب التدوين لدى اي مجموعة بشرية يعني بصورة مباشرة غيابها عن الحضارة! ولا أعتقد ان البعض سيرضى بهذه النتيجة، بالرغم من ان غيابها ربما يكون في مصلحة صحتنا النفسية، لكي ننسى ما اقترفته ايدي الكثيرين منا من إجرام في حق بعضنا البعض طوال قرون عديدة.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الازدواجية.. والحل المشروط

في مقالات سابقة لي تحدثت عن حلول مقترحة لبعض المشاكل التي يعاني منها البلد، وبالتالي يعاني منها الناس، مثل مشكلة البدون ومشكلة الازدحام المروري ومشكلة الانفلات الامني، وظاهرة الجو الحار المغبر، وعلقت على اقتراح الاخت الفاضلة اميمة العيسى للتخلص من الغبار وتخفيف شدة الحر، وكان آخر كتاباتي رؤية في حل مشكلة الازدواجية في الجنسية.
وهذه الاخيرة هي التي اثارت ضجة عند البعض حتى ظنوا انني «مزدوج»! وبما انني لست كذلك، فان هذا لا يعني ان اتعامل مع الوضع وكأنه لا يهمني بشيء، فأنا جزء من هذا المجتمع، اشعر بما يشعر به سلبا وايجابا.
البعض منا يعالج المشاكل بالبتر والجز، يعني يقطها من عرجها، وهذا قد ينفع عندما تكون المشكلة حديثة الوقوع، وليست لها فروع هنا وهناك، لكن ازدواجية الجنسية منتشرة في المجتمع الكويتي كانتشار الشرايين والاوردة في جسم الانسان، لذلك اي محاولة لقطع هذه الاوردة بشكل مباشر ستؤدي الى شلل الجسم ومشاكل بالدورة الدموية.
فالمزدوجون حصلوا على الجنسية الاخرى (في الغالب) بعد حصولهم على الجنسية الكويتية، اما لسهولة الحصول على «الاخرى» واما لقوانين بعض الدول التي تلزم من يولد عليها بالانتماء اليها. واغلب هؤلاء استفادوا من هذا الوضع بالحصول على املاك في تلك الدول، وعدد منهم حصل على وظيفة وراتب مع ان التزامه اليومي في بلده الكويت الذي يسكن فيه وهو موظف عام فيه!
هذا الوضع خطأ لا شك فيه! وهذا الخطأ يتحمله المواطن بلا شك! كذلك سكوت الحكومة طوال تلك السنين، وهي تعلم او قادرة ان تعلم حجم هذه الظاهرة، هو كذلك خطأ لا شك فيه.
إذا، ما هو الحل..؟
البعض اقترح سحب الجنسية الكويتية مباشرة من كل هؤلاء! والبعض الآخر اقترح تحديد موعد للتنازل عن جنسية الدولة الاخرى قبل سحب «الكويتية». وهناك آراء اخرى بين هذا وذاك.
اما انا فأعتقد ان احصائية بسيطة عن حجم هذه الظاهرة تساعدنا على اعطاء تصور سليم للحل. فالمزدوج يحمل اما جنسية سعودية او جنسية ايرانية، او يحمل جواز سفر اميركيا، مع اهمالنا لجنسيات اخرى اعدادها قليلة جدا. وبما ان رؤيتنا المستقبلية واستراتيجيتنا الامنية معتمدتان على تصور واحد هو الوحدة الخليجية والتكامل بين دول الخليج في كل المجالات، وقد بدأنا فعلا المرور بالبطاقة والعملة النقدية الموحدة وتشكيل اتحاد مجلس التعاون والربط الكهربائي بين دول الخليج وغيرها من المشاريع المؤدية الى هذا التكامل والتي على رأسها بلا شك الجنسية الخليجية، وبما ان نشيدنا المشترك: خليجنا واحد وشعبنا واحد ومصيرنا واحد، فلكل ذلك ارى ان الحل الامثل لهذه الظاهرة هو: تعديل قوانين الجنسية بحيث يسمح لمواطني دول الخليج بالاحتفاظ بجنسية بلادهم الاصلية في حال حصولهم على جنسية دولة خليجية اخرى، تمهيدا للتكامل في توحيد الجنسية في المستقبل، اما بقية الدول غير الخليجية فيمنح اصحابها مهلة سنة لتسوية اوضاعهم. هذا الحل مشروط بما يلي: عدم حصول المزدوج على ازدواجية التمتع بالسكن الحكومي والراتب والوظيفة الحكومية من تلك الدولة.
«لفتة كريمة»: خلونا نعيش بواقعية.. بعيدا عن النرجسية.. فالعالم اليوم ما عاد يرحم.

مبارك فهد الدويلة

سامي النصف

يانكي جو هوم..!

مع الأيام الأولى لتحرير بلدنا عام 1991 شاهدت كاريكاتيرا بإحدى الصحف الأميركية الكبرى تضمن صورة لمتظاهرين في الكويت يحملون لافتات كتب عليها «يانكي جو هوم» أي: أيها الأميركان عودوا إلى وطنكم، وجندي أميركي يقول لزميله: «أبهذه السرعة؟!».

ظننا ان الأمر طرفة أو نكتة آنذاك حتى قرأت ما كتبه أحد الزملاء الأفاضل في عدد «عالم اليوم» الصادر امس الجمعة ونحن لا نزال نعيش الذكريات العشرينية للغزو الصدامي الغاشم، وأتى ضمن المقال: «ان الظرف الدولي والوضع الإقليمي مناسب جدا للقيام بإلغاء الاتفاقية الأمنية المبرمة مع أميركا»، وان تلك الاتفاقية ـ حسب قوله ـ ليست قدس الأقداس أو سر الأسرار.

ثم يستشهد الكاتب بنفس الآيات الكريمة التي استشهدت بها التيارات المتأسلمة المنحرفة التي اجتمعت في بغداد 9/1/1991 بضيافة ورئاسة «عبدالله المؤمن» صدام حسين وحاولت أن تحرف الكلم عن مواضعه لتبرير العدوان، وقد رد على تخرصاتهم آنذاك علماء المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وعلماء الأزهر والسيد الخوئي، وفيما بعد استخدمت نفس الدعاوى من قبل الإرهابي ابن لادن لمنع القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة من حماية المملكة وتحرير الكويت، لذا بودنا أن نرى ردودا من الاخوة منضوي التيارات الإسلامية الكويتية بكافة ألوان طيفها السني والشيعي حول ما أتى في ذلك المقال.

ومادمنا في سيرة الغزو وذكرياته أرى لزاما ان يتم عقد لقاء متلفز مع شاهد العصر الأخ الفاضل عبداللطيف الروضان الذي حضر ودوّن لقاء الشيخ سعد العبدالله رحمه الله مع عزة الدوري وسنجد ضمن تلك المحاضر ما يسر ويثبت قوة حجة المفاوض الكويتي إبان المؤتمر الأخير قبل الاجتياح.

ونرجو أن نرى ونقرأ ونسمع كذلك شهادة شخصيات حضرت مرحلة وأحداث «الحكومة الكويتية في الطائف» وكيف كان التواصل مع المقاومة في الداخل والتحرك الديبلوماسي في الخارج، ومتى بدأ تحديدا الإعداد لمرحلة التحرير وما حدث إبان تلك الحقبة المهمة غير المدونة من تاريخ الكويت.

كما علينا ألا نتردد في عقد لقاءات حتى مع بعض آمري الحرس الجمهوري مثل الفريق الركن رعد الحمداني قائد فيلق «الفتح المبين» الذي شارك في الغزو والذي كتب في كتاب صدر له عام 2007 بأنه استُدعي الساعة 11 صباح يوم 19/7/1990 وأبلغ انهم سيحتلون الكويت ومن ثم لم يكن لمؤتمر جدة بين الشيخ سعد العبدالله وعزة الدوري في 31/7/1990 ولقاء السفيرة الأميركية ابريل غاسبي وصدام في 24/7/1990 أي تأثير مهما كانت الردود والمواقف على قرار الغزو المتخذ سلفا.

آخر محطة:

أرى ان لبنان الشقيق يسير في طريق محفوف بالمخاطر وسينتهي بأحداث جسام ولن تختلف نتائج زيارات القادة العرب له وحسن نواياهم المؤكدة نحوه عن زيارات القيادة العربية للكويت قبيل عدوان 2/8/1990 الغاشم.

احمد الصراف

ونحن أيضاً ما عندنا شرف

لأسباب فنية بحتة سبقنا الزميل العزيز عبداللطيف الدعيج في رفض العرض «السخي» الذي تقدم به النائب السابق وعضو مكتب حركة «حدس» الذراع المستترة لحركة الإخوان المسلمين في الكويت، التابعة للتنظيم العالمي للإخوان، والمتعلق بتوقيع ميثاق شرف بين «الصحافيين والإعلاميين وكتاب الزوايا وجميع العاملين في الحقل الصحفي والإعلامي»!
ولكن، قبل رفض العرض بصورة نهائية، دعونا نحدد أولا عدد المدعوين لتوقيع مثل هذا الميثاق، الذي يتكلم عنه السيد المهندس الدويلة. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن الرقم يتجاوز الخمسة آلاف شخص من مختلف الشرائح والجنسيات والخلفيات والثقافات والديانات والانتماءات السياسية والعرقية والقبلية! كما يتطلب الأمر كذلك الوصول أو الاتفاق على تحديد ما يعنيه «الشرف»!! فقد تختلف قيم الشرف لدى الإخوان عنها لدى غيرهم، وهكذا، وهذا التفاوت الكبير في تفسير ما تعنيه الكلمة بدقة من مجتمع لآخر ومن جنسية لأخرى وحتى من بيت وما يجاوره، يجعل من العرض وعدمه سواء لاستحالة تطبيقه، وإن طبق فلا نضمن أن يلتزم به أحد، لأن لكل طرف تفسيره، فما الجدوى من مثل هذا الاقتراح الهلامي؟
ثم يبرر الزميل القسري اقتراحه بأن هذه الخطوة أصبحت ضرورية بعد أن انتشر الفجور في الخصومة، وأخذنا نقرأ عبارات غير موجودة في قاموس الأدب، واتهامات باطلة! وهذا قد يكون صحيحا، ولكن ألم يشارك السيد الدويلة اخيرا في نشر هذه اللغة التي يستنكرها الآن؟ ولماذا لم يبادر بطرح هذا الاقتراح عندما كان في الرؤية؟ ولماذا لا تتبنى حركة «حدس» الاقتراح، ولها ما لها من دلالة على جمعية الصحافيين وجمعيات «نهف عام» ومجلس الأمة والحكومة!
أنا يا سيدي، من ناحيتي، لست بخائف من الفجور في الخصومة مع غيري، ولا تهمني الكلمات التي تكتب في حقي والتي تفتقد قلة الأدب، فالأواني تنضح دائما بما فيها، ولا أكترث للطعن في ذمتي المالية، فأنا أعرف كم هي نظيفة، وليس لأحد عليّ فلس واحد، وآخر دين كان بذمتي يعود لعام 1966، ولم أتاجر بانتماءاتي السياسية ولم استغل حصانتي البرلمانية في تهديد الآخرين مقابل الحصول على بعض الامتيازات، ولم أساوم الحكومة يوما على عقد أو صفقة، وبيتي بناؤه صلب ولا أخاف أن يرمى بحجر، وشرفي، بأي تفسير تشاء، يعود أمره لي شخصيا ولا علاقة لأحد به، والقضاء هو الفيصل فيما بين من يسيء لي أو لأي من العاملين في حقل الإعلام بشكل عام، وبالتالي، من منطلق كل هذه المعطيات، أرفض اقتراحك، جملة وتفصيلا، ولا يهمني من يخوض في سيرتي فليس لدي ما أرغب في التستر عليه. أتمنى أن تكون رسالتي قد وصلت.

أحمد الصراف