مقنع جداً ما ذكرته الروائية الجزائرية الرائعة أحلام مستغانمي على لسان بطل روايتها: «الإنجاز الوحيد بالنسبة إلى كاتب، هو ما يتركه في مساحته من بياض».
ولطالما راودتني هذه الفكرة عن نفسي. لطالما أغرتني وأغوتني وأثارتني بجمالها، حتى قبل أن أقرأ ما كتبته أحلام، فأنا رجل يضعف أمام الجمال… و»ياما» فكرت في أن أكتب مقالة بعنوان «فراغ»، وأترك المساحة فاضية، ثم أذيّلها بتوقيعي، لكنني أتراجع خوفاً من ألا يفهمها البعض، أو أن يساء فهمها، بل خوفاً من أن أسيء أنا نفسي فهم مقصدي من «كل هذا» الفراغ.
من خلال هذا العمود، أعلن وأنا بكامل قواي العقلية تبرعي بكل أجزاء جسمي بعد مماتي، بدءاً من شعر رأسي وانتهاء بأصابع قدمي، وفي ما يلي تفاصيل قطع غياري…
شعر رأسي غير قابل للتساقط والصلع – صادقاً أتحدث – فقد ورثت من والدي رحمه الله قوة الشعر، إذ أجلس متربعاً ويأتي من يشد شعري وهو واقف بيديه الاثنتين فلا أشعر بألم، وكأنه يشدني من ذراعي، لكنني منذ فترة بدأت أشعر بآلام في جلدة رأسي، وينتابني شعور أنها تزحزحت عن مكانها، وتحتاج إلى إعادة «تعيير».
أما من أراد الاستفادة من أصابع قدميّ، فلا أملك إلا أن أحذره، وذنبه على جنبه بعد ذلك، فالأصبع الوسطى في القدم اليمنى مطأطئة الرأس بشكل دائم كحال «عقلاء السلطة»، تحيط بها أصابع كرؤوس الشياطين، والسبب جنون اقترفته أثناء طفولتي المترفة، عندما تحدّيت الجميع بأن أضع قدمي تحت عجلات أول سيارة تمر بنا، فكانت النتيجة أن تهشم رأس أصبعي الوسطى، وانكسرت ركبتي، لكنني قاومت الألم ولم أبكِ، إلا بعد عودتي إلى البيت… بكيت بنحيب، وأكملت مسيرة بكائي في المستشفى.
وما دمنا في الأصابع، فسأذكّر بأن أصبعي الوسطى في اليد اليمنى كانت قد تعرضت لكسر شديد، أدى إلى انحنائها من أعلاها على شكل حرف (L)، وبقيت على وضعها هذا فترة، وكنت كلما رفعت يدي لتحية أحد كأنني أشتمه شتيمة قبيحة، ولولا تدخل الطبيب الشعبي «عبدالعال العتيبي» الذي كسرها مرتين وأعاد تجبيرها، لاستمرت أصبعي في الشتم القبيح.
أما بالنسبة لصدري ورئتيّ وكل ما يمكن أن يتأثر بالتدخين فالحذر الحذر لا أبا لكمُ، أي والله، فأنا أدخن أكثر من ثلاث علب دخان يومياً، وأكبسها بـ «دلّتين» من القهوة النيبارية المرّة. وقد أعذر من أنذر.
وعلى من أراد الاستفادة من لساني وأصابع يدي اليمنى أن يقصّ منها قليلاً، وإلا فسيهلك.
قسماً، أتحدث بصدق، «قيموا المزح هلّق» على رأي السوريين… إذا متّ فأعضاء جسدي كله حلال لكل محتاج من أي مذهب ودين وملة.