مبارك الدويلة

لكم دينكم ولي دين

في شريعتنا ان شرب الخمر من الكبائر، وكذلك لعب القمار والزنا والمخدرات.. بينما عند بعض خصومنا تتم ممارسة هذه المنكرات ولا يرون فيها حرجا!
في شريعتنا ان الحجاب واجب على المرأة المسلمة، بينما عند بعض خصومنا يرون أنه غير ذلك، بل البعض يرى أن الحجاب مظهر من مظاهر التخلف، وسبب تردي أحوال الأمة!
في شريعتنا ان «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»، وان العمل الخيري مطلوب من كل مؤمن مقتدر، وان اخراج الزكاة وتوزيعها على الفقراء من الفرائض، بينما عند خصومنا العمل الخيري شبهة جنائية، ومصدر لتمويل الارهاب، ولابد من تحجيمه وتقييده، ولو بضوابط تؤدي إلى توقفه ومنعه!
في شريعتنا ان الاختلاط شر، ولابد من تقييده بضوابط شرعية، وبالأخص في سن المراهقة، ومرحلة الدراسة الجامعية، حيث نظرة سريعة إلى الساحة الطلابية تؤكد ما ذكرناه، بينما غيرنا من بعض الخصوم يرى أن الاختلاط شرط لتطوير العملية التربوية، ويرفض جميع أشكال الضوابط التي تقلل من سلبيات الاختلاط المنفلت مثل اللباس المحتشم وغيره!
في مفهومنا أن لجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة من اللجان المهمة التي تراقب الظواهر والسلوكيات، وتساعد الأجهزة الحكومية على تطهير المجتمع من سلبياتها، بينما غيرنا يرى أن اللجنة مظهر من مظاهر العصور الوسطى، وشكل من أشكال التخلف وتقييد حريات الناس!
في شريعتنا ان الكاتب أو الشاعر أو الأديب، إذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو أنكر بعض ركائز العقيدة، أو صريح السنة النبوية، فهذا عندنا من الزنادقة، بينما عند بعض خصومنا هو من اصحاب الأفكار المستنيرة، ويطالبون بتكريمهم بعد موتهم!
في مفهومنا أن العلمانية تتعارض مع الاسلام كفكر، بينما غيرنا يفتخر بأنه علماني! وفي مفهومنا أن الدين منهج حياة، وأن سلوكياتنا وافكارنا لابد أن تخضع لمفهوم الدين وتسير وفق ضوابطه، بينما غيرنا يرى أن ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، أو كما يقولون الدين لله والوطن للجميع، بمعنى أنك حر في سلوكياتك الشخصية لا يقيدك حلال أو حرام!
نحن نفرح إذا رأينا طفلا يحفظ كتاب الله.. أو بنتا تتحجب.. أو بوذيا يعلن اسلامه.. أو برنامجا دينيا في وسائل الإعلام.. هم يحوشهم القامت وتنتك صدورهم إذا شاهدوا شيئا من ذلك!
وصدق الله العظيم القائل: «لكم دينكم ولي دين».
***
• لفتة كريمة
شكرا للزميل راشد الروعان الذي قال كلمة حق في الإمام حسن البنا في وقت تكالبت على تشويه تاريخه كل ملل الكفر، لكن الإمام البنا حفر تاريخا يعجز أقزام العلمانية والالحاد عن النيل منه.

مبارك فهد الدويلة

سامي النصف

محاولة للفهم

كلنا خلق الله ولا فرق بين البشر بسبب اللون أو العرق أو الدين، لذا لم أفهم مغزى تهديد عائلة أحد علماء الدين الأفاضل للشركة المنتجة لمسلسل «إخوان مريم» كونهم صوروه بأنه أسود اللون ولم أفهم في المقابل اعتذار الشركة اللاحق عن ذلك الفعل فللمعلومة لا توجد أسرة كويتية إلا وتتعدد ألوان أبنائها وكنت سأتفهم لو طلبت العائلة الكريمة تصحيح تلك الواقعة حفاظا على الدقة التاريخية دون الحاجة لادعاء الضرر أو التهديد بالمقاضاة.

 

وقد قرأت تاريخ الكويت بتمعن شديد وعلمت من خلال ما قرأت حقيقة ان بلدنا قام على جهود أبنائه العاملين في التجارة والغوص حيث لم نكن نملك أي موارد أخرى، وكان التاجر الكويتي يحرص رغم قلة موارده على حسن سمعته، لذا لا يمكن تصور صحة وجود تجار كحال التاجر «أبوشاهين» في ذلك المسلسل الذي يحرص على الاستيلاء على بيوت من يقترض منه المال في وضع أقرب لتاجر البندقية الشهير.

 

ودلالات خطأ ذلك الفهم عديدة منها انه لم يأت ضمن الموروث التاريخي الكويتي من كلام متواتر أو مكتوب أو شعر محفوظ، كما لم يعلم في الكويت قط عن ظاهرة «Homeless» أو من يبيت في الشوارع بسبب الاستيلاء على منزله من قبل الدائنين رغم فقر الكويت الشديد مقارنة بالدول الثرية والمتقدمة المبتلاة بمثل تلك الظاهرة غير الإنسانية هذه الأيام وهو أمر يجب أن يسلط الضوء عليه كويتيا بالإيجاب لا السلب خاصة أمام المشاهد العربي أو الخليجي.

 

ولم أفهم رفض البعض زيادة 25 دقيقة في «الأسبوع» لدعم الأنشطة المدرسية في المدارس مع العلم ان أغلب مبدعي العالم في الآداب والفنون والإعلام والرياضة وعباقرته ليسوا نتاجا لمخرجات المناهج الدراسية المعتادة بل هم من مخرجات حصص الأنشطة المدرسية التي تكشف الإبداع وتدعم المواهب.. و25 دقيقة في الأسبوع مو قادرين عليها وين وصلنا؟!

 

كما لم أفهم معنى ومغزى دراسة لأحد الاخوة الأعزاء تظهر «مظلمة الموظف الكويتي» كونه تحول من عطلة اليوم الواحد الى عطلة وإجازة اليومين كحال جميع دول العالم الأخرى (كتبت شخصيا مقالا عام 80 دعوت فيه الى عطلة الجمعة والسبت) وكأن الإنصاف يقتضي منا ان نعود به لعطلة اليوم الواحد، كما لم أستوعب أرقام دراسة الزميل حول هذا الموضوع التي تظهر ان معدل راتب الموظف الحكومي الكويتي وغير الكويتي تقارب 1200 دينار في الشهر.

 

آخر محطة: لتسليط الضوء على مكارم تجار الأمس وهم جزء من تاريخ الكويت الناصع حاله حال أفعال أبنائه الآخرين، أخبرني العم المرحوم عبداللطيف الطبطبائي ان التاجر الكويتي كان كريما رغم انه لم يكن يملك الكثير لدرجة انه كان يتصدق الخميس وقد لا يجد في بيته ما يأكله الخميس الذي يليه.

احمد الصراف

حرام.. حلال..حرام.. حلال!!

في أول أيام الغزو والاحتلال العراقي للكويت، وأثناء تفكيري وجاري في ما يجب أخذه معنا، إن اضطررنا للخروج من الكويت، لأي سبب كان، قال جاري إن المهم المال والأشياء الثمينة الأخرى وبالذات الخفيفة على الحمل، ومن ثم الصور العائلية الشخصية، وأهميتها تكمن في ما تحمله من كم كبير من الذكريات الحميمة، إضافة إلى أنها إن فقدت فلا يمكن تعويض غالبيتها!
تذكرت تلك الحادثة، التي مر عليها 20 عاما بالتمام، وأنا أقرأ مقال خلف الحربي، في جريدة عكاظ السعودية 6/7، بعنوان «يسرقون أعمارنا ثم يعتدلون»، والذي جاء فيه أن سيدة قامت بحرق كل صورها وصور أبنائها وعائلتها عندما أخبرها أحد رجال الدين أن الاحتفاظ بها حرام حرام!! وتقول إنها، وبعد عقدين من الزمن تقريبا، أصبحت ترى صورة ذلك الرجل في الكثير من الصحف، وهذا يعني أنه تراجع عن فتواه المتشددة، أو المتسرعة (لا فرق)! ولكنه ورط غيره بفتواه، وأنها الآن لا تعرف كيف تستعيد ذكريات طفولتها وطفولة أبنائها، بكل ما كانت تعنيه تلك الصور لها من أهمية ومحبة صادقة.
كما وردت في المقال قصة رجل قام قبل عشرة أعوام بتحطيم كل الأطباق اللاقطة للمحطات التلفزيونية في بيته بعد أن حذره شيخ دين مشهور، جاءهم في الشرقية، من خطر القنوات الفضائية على الأمة. كما دفعه حماسه وقتها للطلب من جيرانه الاقتداء به، وكانت صدمته كبيرة حين وضع أخوه الأكبر طبق التقاط في البيت، فتعارك معه ووجه له كلاما معيبا جدا! وبعد سنوات شعر بالخجل من نفسه وبخيبة أمل كبيرة عندما شاهد ذلك الشيخ، صاحب الفتوى، يظهر في برنامج ديني في واحدة من أسوأ القنوات الفضائية مقابل عقد كبير!
كما وردت في المقال قصة رجل آخر اختار ترك وظيفته المرموقة في البنك عندما أخبره أحد أقربائه أن الكثير من المشايخ يقولون إن راتبه حرام. وقال إن ذلك الرجل يعمل اليوم في وظيفة بائسة ويضحك على نفسه لأنه سمع كلام المشايخ وترك وظيفته، حيث اكتشف أن أغلب أولئك المشايخ الذين سبق ان أفتوا بحرمة رواتب المصارف أصبحوا أعضاء في هيئاتها الشرعية، وبعضهم في البنك نفسه الذي تركه في شبابه!
وقال الزميل الحربي إن سبب عودة هؤلاء الشيوخ عن فتاواهم ومواقفهم المتشددة وتحولهم لشيوخ «وسط» أنهم ربما راجعوا أفكارهم فوجدوها متسرعة وحماسية أكثر مما يجب! أو أنهم شعروا بأن الأفكار المتشددة لا تساعد على الاستمتاع برغد العيش بعد أن تغيرت أحوالهم المادية للأفضل بكثير! وقال إن المشكلة لا تقف هنا بل تشمل ظاهرة أخرى وهي مشكلة ظهور شيوخ جدد يريدون أن يخلقوا لأنفسهم وضعا ماديا معينا، فنراهم يتشددون ويحتسبون ويوترون الأجواء ويعطلون التنمية لكي يصبحوا نجوما لامعين ويتبعهم الخلق، ثم بعدها يعتدلون ويصبحون وسطيين ويقدمون البرامج التلفزيونية ويدعون الناس الى التسامح والتآخي!
وقال إننا لا نحتاج إلا الى ورقة لكي ندون على وجه منها أسماء عشرة مشايخ كانوا متشددين ثم اعتدلوا، بعد أن سرقوا عشرين عاما من أعمارنا، ثم نكتب على الوجه الآخر أسماء عشرة مشايخ آخرين يقودون حاليا موجة التشدد، وإذا طال بنا العمر، فسنرى بعد عشرين عاما، أن المتشددين أصبحوا ينافسون أصحاب القائمة الأولى في الاعتدال والوسطية بعد أن أصبحوا من سكان القصور! أما الأمة فليس لها إلا العناء والتحسر على العمر الضائع، والبحث عن مبررات اعتدال الشيخ المرموق مثلما بحث عن مبررات تشدده!
وقد ذكرني هذا المقال بموقف رجل الدين عادل الكلباني الذي كان يوما يؤم الصلاة في مكة، ذكرني بموقفه من الغناء وكيف أفتى قبل فترة بأنه غير حرام، وهو الأمر الذي ربما دفع الكثير من أتباعه ومريديه الى الاستماع والاستمتاع والتعود على الغناء والتعلق وشراء الأجهزة والسيديهات! ولكن الشيخ الكلباني قرر (هكذا، وعلى كيفه) تغيير رأيه والإفتاء بحرمة الغناء! فما الذي سيفعله مريدوه وأتباعه الآن بما اشتروه، وهل ستعود الدائرة نفسها؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

دبور… يا ديبورا


إذا سألتني عن أسعد شخص في الكويت، فسأصحح لك سؤالك كي يصبح «من هما أسعد شخصين في الكويت اليوم؟»، والجواب: وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد ووزير المالية مصطفى الشمالي. ليش؟ لأن النائب النشط خالد الطاحوس، من دون أن يقصد، أهدى للوزيرين «علبة مسامير» ثبّت بها كلّ منهما كرسيه المهزوز، عندما طلب إقالتهما، فالسياسة في الكويت تقوم على العناد وتنام على «الحَرَّة»، والنائب الطاحوس يحتاج إلى كيس مملوء بالمكر والخبث والدهاء يحمله على كتفه في رحلته السياسية.

والطاحوس أحد الذين طرحوا الثقة بالوزراء في كل الاستجوابات، بل هو من الذين يملكون «استجواباً أحمر»، أي استجواب سمو رئيس الوزراء، وإن لم يكتمل. إذاً هو في عين الحكومة، أو ذوي القرار، عدو ظاهر، أو فلنقل «خصم معلَن». ولو كنت أنا مكان الطاحوس، لاستعنت بالنائب مرزوق الغانم، الذي تربطني به صلة رياضة، وهمست في أذنه برغبتي، وتركت الغانم يرتّب حروفه مع زميله النائب صالح الملا، ويضعان مطلبهما أمام كتلتهما «الوطنية»، وخلال يومين ثلاثة سأقرأ خبر «إقالة الوزيرين».

الطاحوس وهو يطلب إقالتهما لم يكن يعلم أنه حتى لو كانت هناك نية لإقالتهما فعلاً فقد أُلغيت. خلاص. على أن الوزير الشمالي كان الأسبق في تثبيت كرسيّه، عندما دخل معه النائب الفذ مسلم البراك في سجال نشرته الصحافة بالطبلة والمزمار. مع أن البراك أدهى وأذكى سبعاً وثلاثين مرة من الشمالي، لكن حكم مباراة الملاكمة رفع يد الشمالي إلى الأعلى، فالبراك كان يبحث عن الضربة القاضية، ولم يجدها، بينما الشمالي كان يجمع النقاط فملأ شليله بها، إذ إن المطلوب الآن هو إشغال المعارضة عن قضية تمويل الخطة التنموية.

والحكومة، أمام قضية التمويل، مثل الزوجة التي وقفت على السلّم، وهددها زوجها بالطلاق إن هي صعدت أو نزلت، ولو كنت أنا مكانها لتزحلقت على «الدرابزين»، وهربت إلى بيت أمي. ولو كنت أنا مكان الحكومة لفعلت ما يمليه عليّ ضمير التجار، فالتجار أقوى من البرلمان، واترك عنك الوهم والحديث عن الدستور والمادة السادسة «الأمة مصدر السلطات…»، فالتجار هم مصدر السلطات، هم المنبع والمصب. وكما يقول السوداني: «الفلوس عليك الله تشدّ الهواء من قرونه».

***

يبدو أن السفيرة الأميركية ديبورا جونز «من الربِع»، أي من جماعتنا. فمن يقرأ لقاءها في منتدى الشبكة الوطنية الكويتية الذي جاء قبل يومين، بعد تأخير استمر نحو ستة أشهر، يشك أنها عضو في حكومة الكويت.

ولو أن أحداً أخفى اسمها من على شاشة الكمبيوتر وسألني من هو صاحب هذه الإجابات، لأجبته مباشرة: «واحد من ثلاثة، إما الوزير روضان الروضان، أو الوزير الدكتور محمد البصيري، أو هو الإطفائي الحكيم رئيس البرلمان جاسم الخرافي». لم يكن ينقص السفيرة إلا أن تطالب بعدم تسييس السياسة، ثم تعيّن زوجها وكيلاً في حكومة الكويت.

ماذا دهاك يا حاجة ديبورا؟ ما هذه الإجابات المدهونة بالـ»نيفيا»؟… دِبور*.

***

لمن تابع المسلسل المحلي التاريخي «اخوان مريم»، الذي يروي سيرة الأسرة الحاكمة، والذي أساء إلى الفن، وأكّد نظريتي «السلق» و»البحث عن الأرخص»، فأظهرنا صغاراً «فنياً» أمام سورية وعملها الدرامي العملاق «باب الحارة»، وغيره من المسلسلات الفخمة… أقول، لمن تابع هذا المسلسل فبكى، اقرأ ما كتبه الزميل الرائع «عامر الفالح» في جريدة الراي يوم أمس الأربعاء، فقد «غسل كبودنا»… شكراً عامر.

* دبور: كلمة بدوية شبه منقرضة، وتعني الخزي، أو الفشل. 

حسن العيسى

من عمل الإنسان وليس الطبيعة

 في بداية عام 2008 اندلعت في أوطان الفقر والبؤس حركات تمرد وعصيان، بدأت أولاً في هايتي ثم في بنغلادش، هدفت تلك الحركات إلى جلب الانتباه الدولي نحو معاناة الشعوب الفقيرة بسبب غلاء أسعار الغذاء وعدم قدرة مزارعي تلك الدول على منافسة مزارعي الدول الثرية الذين تدعم منتجاتهم دولهم، ومثال ذلك الولايات المتحدة التي تنادي بالعولمة وفتح الأسواق للمنافسة دون تدخل الدولة، وكأنها تأمر بالمعروف وتنسى نفسها! لم تُرِد تلك الحركات سوى تنبيه المجتمع الدولي إلى مأساتها. ومضت حركات العصيان هذه من دون أن تترك أثراً في الذاكرة التاريخية. وذكرت جريدة "الفايننشال تايمز" نقلاً عن لجنة برنامج الأمم المتحدة للغذاء أن قطع المساعدات عن تلك الدول وصرف النظر عنها من قبل الدول المانحة يرجعان إلى أن الأخيرة تعاني أزماتٍ مالية، فكانت دول مثل إثيوبيا ورواندا وأوغندا هي أول ضحايا الجوع، وأصابت الكارثة الملايين، ولاحظت جريدة "الأمة" البنغالية أن المؤسسات المالية الدولية تعهدت بـ12.3 مليار دولار لمساعدة تلك الدول التي يتهددها شبح المجاعة لم يصل منها سوى مليار واحد! ثم أضافت الجريدة أن هذا لا يعني سوى اللامبالاة من الدول الغنية!
 ترجمت الفقرة السابقة باختصار وإضافة وتصرف من كتاب "نوام تشومسكي" الأخير "آمال واحتمالات". وتشومسكي هو عالم لغويات في جامعة" إم إي تي" وهو أحد أشهر ممثلي الضمير الإنساني بالولايات المتحدة، ولم يتأخر يوماً عن فضح تاريخ ممارسات الدول الاستعمارية بدءاً من اكتشاف العالم الجديد على يد كولمبوس حتى هذه اللحظة، ويمضي تشومسكي مقرراً أن مثل تلك الكوارث التي تصيب البشر في دول الفقر هي من صنع الإنسان وليست من القدر فقط، بمعنى أن تلك الكوارث وإن رجعت إلى فعل الطبيعة التي لا ترحم فإن الإنسان ساهم بالقدر الأكبر فيها عبر استغلال دول البؤس من المستعمر وعدم اكتراث الأخير لعمق ما سببه من مآسٍ.
 لنترك الكبير "تشومسكي" ونقرأ ما يحدث اليوم في باكستان، فكارثة الفيضانات تنمو يوماً بعد يوم في تجويع ونشر الأمراض في المناطق المنكوبة، والمساعدات الدولية غير كافية، والمتضررون يشتكون من ندرة وصولها إليهم. وهناك مَن يتوجس من أن معظم المساعدات ستذهب إلى المؤسسة العسكرية دون المتضررين، وأدبيات الإعلام الغربي همها الأكبر يتلخص في خطر استقواء حركة "طالبان" مستغلة بطء الدعم الدولي لباكستان، وكأن الكارثة هنا ليست فيضان نهر على أراضٍ لم تكن مأهولة في السابق، وكان النهر سابقاً يتمدد كما يشاء دون أضرار، ثم أضحت تلك المناطق قرى ومساكن للفقراء المزارعين، بل تكمن الكارثة هناك في خطر نمو "طالبان" و"القاعدة"… أما الجوع والأمراض فهي مسألة تأتي في المرتبة الثانية بعد "طالبان"! "عجبي" على هذه الإنسانية!

سعيد محمد سعيد

اقرئيها 126 مرة في اليوم!

 

لأنها وغيرها كثير على ما يبدو، عجزت عن التخلص مما ألم بها من بلاء، فلم تجد إلا وسيلة واحدة، وهي صعبة على أية حال، للاتصال بإحدى القنوات الفضائية التي تقدم للناس بعض ما يطلق عليهم (مشايخ) يساعدون الناس بالرقية الشرعية وهم لا يتقنون قراءة كتاب الله، وبالأذكار، وهم بالكاد يتذكرون النصوص بدقة، والأهم من ذلك، يتلاعبون بعقول الناس من قبيل… «اقرئيها يا أختي 126 مرة في اليوم لمدة أسبوعين، وإن شاء الله ستنالين مرادك، واتركي عنوانك لدى المخرج حتى أرسل لك حجاباً يخلصك من شرور السحر».

هل تعلمون ماذا يجب أن تقرأ تلك 126 مرة في اليوم؟ آية قرآنية كريمة، ولا بأس في ذلك، لكن أن تقرأها امرأة مريضة وكبيرة في السن 126 مرة، فهذا يشق حتى على الشاب اليافع السليم، والغريب أن الشيخ، وكذلك المتصلة، ومقدم البرنامج ذاته، لم يفكروا في مدى قدرة المريضة على فعل ذلك خصوصاً حين تكون الآية الكريمة طويلة نصاً.

المشكلة ليست في أولئك المشايخ… المشكلة في المشايخ والعلماء المعتدلين الذين يتوجب عليهم تكثيف تحذير الناس من مثل تلك المتاجرات باسم الدين وباسم القرآن الكريم.

ذات مرة، أعلنت للقراء الكرام بأنني تمنيت لو استطعت الحديث مع أولئك الناس الذين يمتلكون قدرات خارقة في قراءة المغيبات وفك السحر والحسد والإبداع في صياغة الطلاسم حتى يتمكنوا من فك العمل الذي أصيبت به بلادنا، فيكشفون الشياطين الذين يحومون حول هذه الأرض الطيبة، ويكشفون لنا اللصوص وسراق قوت الناس، ويحذروننا من الجن والعفاريت التي لا ترى بالعين المجردة لأنها تعيش في سرية تامة وتنوي بالبلد وبالناس شراً!

وحين أصل الى واحد من أمثال أولئك، ارجوه رجاءً حاراً أن يكتب لي طلسماً أو حجاباً فأقوم بنسخه أكثر من 700 ألف نسخة فأوزعه على البحرينيين، ولربما حصل غير البحرينيين على ما زاد منه ليلبسه الجميع حفظاً من الشياطين ورجماً لمن يكيد كيده ويناصب جهده، ولا داعي بعد ذلك لأن نكون صريحين في الحديث عن مشاكلنا وملفاتنا وقضايا البلد الحساسة منها وغير الحساسة، ولنرمِ كل شيء على الجن والعفاريت والسحر، ونكتفِ بلبس الأحجبة لنحجب عن عقولنا وقلوبنا كل طرق الوصول الى بر الأمان.

احمد الصراف

منظارنا أصدق من منظاركم

ورد في القبس قبل أيام ان المحكمة العليا في السعودية أقرت امكانية قبول رؤية هلال اول الشهر، وبالذات اول رمضان ونهايته، من خلال المناظير المقربة، مع ابقاء خيار الرؤية بالعين المجردة. وسبق ان اعلن المرجع الديني الراحل محمد حسين فضل الله انه يفضل تحري هلال رمضان من خلال المناظير المقربة! وربما كان أول شخصية دينية رفيعة تطالب باستخدام الوسائل المتطورة الحديثة، والحسابات الفلكية في معرفة اوائل الاشهر القمرية، بدلا من التمسك بالرؤية المجردة وتحريم غيرها، وهو الامر الذي اربك الكثيرين لقرون طوال، وكان مصدر خلاف شديد ومستمر.
وفي السياق نفسه اكد السيد محمد المهري اهمية الاستعانة بالحسابات الفلكية التي يمكن عن طريقها معرفة اوائل الاشهر القمرية، ولا اعتقد انه يعارض الاستعانة بالمناظير لمعرفة بداية الاشهر، بدلاً من الاعتماد على العين المجردة، وسبق ان اعلن ان اول شهر رمضان هو الخميس 12 أغسطس، ولكن مكتب السيد فضل الله في لبنان اعلن ان الاربعاء 11 م 8 هو بداية الشهر، وايضاً حسب حساباتهم الفلكية، فهل خرجنا من مشكلة العين المجردة لندخل في مشكلة منظارنا افضل من منظاركم، وحساباتنا ادق من حساباتكم؟ وهل ستبقى خلافاتنا الصغيرة هي الطاغية والمخربة لعلاقات بعضنا مع بعض؟ يبدو ان الامر كذلك وسيبقى هكذا!
وفي تطور «دراماتيكي» انتقد رجل الدين السعودي عايض القرني ائمة المساجد، وبعضهم من تلامذته ومن المتشربين بفكره، لأنهم يدعون بهلاك اليهود ومن هاودهم ومن النصارى ومن نصرهم، والبوذيين ومن «باوذهم»، وخاصة في صلاتي التراويح والقيام، مشيرا الى انهم، أي الائمة، في دعائهم وكأنهم يرغبون في ان تترك الدنيا لهم فقط. وقال ان تصرفهم ينافي مبدأ التواضع الذي يفترض أن يكون من خصال المسلم والدعوة الى الاسلام.
وهنا نجد ان اقرار المحكمة العليا السعودية بجواز الاستعانة بالمناظير وموافقة بعض المراجع الدينية الاستعانة بالحسابات الفلكية، اضافة للوسائل العلمية الحديثة، في تحديد بدايات الاشهر، ومطالبة القرني وغيرها من التغيرات الايجابية، تعني ببساطة «شديدة» اننا كنا طيلة هذه السنين، او القرون على خطأ.
فكم هو جميل توقف اختلافنا على صغائر الأمور ان كان العلم والمنطق هما الفيصل في حسم الخلاف بيننا. وكم هو أجمل توقفنا عن لعن الآخرين والدعاء عليهم بحرق زرعهم، خاصة عندما نعلم أن آلاف الاطنان منه ترسل لتشبع جوع ملايين الافواه الجائعة في دولنا الاسلامية، او عندما نعلم بأن الدعوة لأن ييتّم الله ابناءهم غير منطقية لأن هؤلاء هم الذين يخترعون ويطورون وينتجون للمسلمين وغيرهم افضل الامصال وأحسن الادوية ويرسلوها لمرضانا ليتداووا بها، ومضحك بالتالي ان نتمنى لهم، بالدعاء الحار، الموت واليتم والفناء والحرق!
ويا ترى لو كان ذلك اللاعن والشاتم لغيره خالي البطن وسقيما فهل كان سيفكر اصلا في لعن من يملأ بطنه ويداوي مرضه؟

أحمد الصراف

سامي النصف

سحر المغرب

الآن وبعد تأسف الخارجية الكويتية واعتذار تلفزيون الوطن والتصريح الايضاحي والمهدئ لرئيس مجلس ادارته الزميل وليد الجاسم والذي اظهر ان المسلسل الناقد كان يستهدف بعض السلبيات في المجتمع الكويتي لا غيره من المجتمعات، نرجو ان يغلق ذلك الملف بعد ان اظهرت ردود الفعل مقدار حب واحترام وتقدير الكويت الشديد للمغرب قيادة وشعبا.

وللمغرب مواقف مشرفة لا ننساها ككويتيين ومن اهمها استدعاء الملك الحسن الثاني رحمه الله للسفير الكويتي في المغرب ظهر يوم الغزو مباشرة للمشاركة في جلسة مجلس الوزراء المغربي التي ادانت الغزو الصدامي الغاشم لبلدنا، كما لم نلق من الشعب المغربي الصديق طوال السنين الا كل حب وود في الحل والترحال.

وبعيدا عما جرى مؤخرا فلدينا فهم خاطئ في الكويت مضمونه ان كل الامور قابلة للهزل و«التنكيت» والواقع ان هناك قضايا في الحياة جدها جد وهزلها جد كذلك، والواجب ان نكون حذرين جدا في تناولها في مجالسنا ودواويننا ـ داخل الكويت وخارجها ـ او ضمن أعمالنا الدرامية حتى لا «نزعل» اخوة واشقاء واحباء لا يتقبلون ذلك النوع من المزاح والسخرية.

وليس مقبولا ان يكون لدينا ازدواجية في المعايير فاذا ما تعرض لنا احد من منضوي السلطة الثانية (نواب الشعب) او الرابعة (الاعلاميين والصحافيين) في دولة اخرى ثرنا وغضبنا وهددنا وتوعدنا رغم علمنا ان من صرح ليس مسؤولا حكوميا، اما اذا حدث العكس فنتعذر بأننا غير مسؤولين عما قيل لعدم صدوره من جهة رسمية مخولة.

وللمغرب سحر خاص يعكسه جمال طبيعته وتنوع تضاريسه من شواطئ وجبال وسهول وصحراء، اضافة الى طيبة شعبها وحسن معاملته للضيوف والسواح والزائرين، وجده وابداعه في عمله، اما غير ذلك فهو صور نمطية كاذبة عند بعض المشارقة عن المغاربة وعند بعض المغاربة عن المشارقة وقد تعرضنا لذلك في مقالنا «أصيلة الأصيلة» في 9/8/2010 عندما ذكرنا «ان هناك مفاهيم شديدة الخطأ بين المشرق والمغرب» واعتقد ان علينا كعرب ان نصحح تلك المفاهيم الخاطئة عن بعضنا البعض قبل ان نحاول تحسين صورتنا لدى الآخرين.

آخر محطة:

«لو كان الكويتيين ينظرون للمغربيات بنظرة سوء لما تزوجن كويتيين وتزوج كثير من الكويتيين مغربيات، ان اخواننا الكويتيين ـ والله العظيم ـ يحترموننا بالزاف ونحن عزيزون عليهم لذا خلوا قلوبكم رطبة وعواشركم مبروكة» ما سبق هو رد من مغربية متزوجة من كويتي ضمن ردود منتدى صحيفة «هسبرس» المغربية واسعة الانتشار.

احمد الصراف

قصة لندنستان

كنت دائم الشك، كغيري، في أسباب تسامح سلطات بريطانيا مع الأصوليين الإسلاميين المقيمين فيها، وخاصة من العرب الذين لجأوا اليها هربا من بطش حكوماتهم، بالرغم من كونهم مصدر إزعاج مستمر للسلطات وخطرا دائما على المجتمع البريطاني، إضافة إلى ما يتكلفه دافع الضرائب من مبالغ ضخمة للصرف عليهم وتوفير الحراسة لهم ولأسرهم الكبيرة، حيث يعيشون جميعا عالة على مؤسسات الضمان الاجتماعي! وزادت شكوكي في السنوات التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعد أن ازدادت شراسة الأصوليين، ومنهم ناشطون سياسيون وأئمة مساجد ودعاة، في التصريح بمعاداتهم للغرب. كما بينت الكثير من الأحداث الإرهابية التي وقعت في بريطانيا أن غالبية مرتكبيها كانوا، بطريقة أو بأخرى، على صلة بهؤلاء الدعاة والأئمة الذين لم يترددوا يوما في إظهار احتقارهم للمجتمع البريطاني وعاداته، وعندما كانوا يسألون عن سبب بقائهم فيها مع كراهيتهم لها كانوا يردون بالقول انهم هناك لقضاء الحاجة، كمن يدخل المرحاض لقضاء حاجة!
ولكن شكوكي تأكدت، إلى حد ما، مع صدور كتاب «العلاقات السرية، تواطؤ بريطانيا والإسلام المتشدد» للباحث والكاتب البريطاني مارك كيرتس، الذي يقول فيه انه فكر في كتابه بعد التفجيرات الدامية التي تعرضت لها لندن في عام 2005، وانه قضى أربع سنوات في دراسة الوثائق السرية في الأرشيف البريطاني التي أفرجت عنها الحكومة. ويقول كيرتس في كتابه ان تمويل بريطانيا لحركة الإخوان المسلمين في مصر بدأ منذ عام 1942، وان الحكومة المصرية كانت تصرف لهم إعانات بإيعاز من البريطانيين، كما كانت سفارتهم تدفع لهم مباشرة، وان حسن البنا لم يعارض قيام سلطات شركة قناة السويس، الفرنسية البريطانية، ببناء مسجد «ضرار» في مدينة الإسماعيلية، مهد الإخوان.
وفي عام 1956 ومع العدوان الثلاثي، نشطت اتصالات البريطانيين بالإخوان ضمن مخطط الإطاحة بناصر أو اغتياله. ووفق الوثائق، فإن جماعة البنا كانوا الأكثر حظا لتشكيل الحكومة الجديدة بعد إسقاط نظام عبد الناصر. وأثبت الباحث أن الجماعة تواطأوا في منتصف الخمسينات مع لندن لاغتيال ناصر! وفي رد على سؤال لجريدة «الشرق الأوسط» بمناسبة صدور كتابه، قال ان علاقات الإخوان بلندن زادت قوة مع صعود المد القومي في مصر في السنوات 1952 – 1970، وتمثلت آخر أشكال تعاون بريطانيا مع الجماعات الأصولية، وربما الشيعية هذه المرة، في قيام بعضها بتأمين خروج آمن لقواتها من البصرة عام 2009.
وقال المؤلف ان لندن طالما رعت مؤتمرات للجماعات الأصولية، وخاصة تلك التي كانت معارضة لحكم صدام حسين، ومنهم الإخوان. كما رعت مؤتمرات جماعات معارضة للنظام السوري وعلى رأسهم الإخوان. ويؤكد كيرتس أن لندن لا تزال تستخدم القوى الأصولية، وتحرص على تطوير علاقاتها مع إخوان مصر وسوريا ودول أخرى، لتأمين نفسها عند تغيير نظام الحكم في القاهرة أو دمشق.
ويقول الباحث ان الحكومة البريطانية غيرت مواقفها من أصوليّي الحركات الإسلامية وطردت البعض وسجنت أو قيدت حركة آخرين بعد أن أصبحت نفسها هدفا للإرهاب، بعد أن كانت توصف بــ «لندنستان» لاحتضانها المستمر للجماعات الأصولية، فقد كان التفاهم في السابق أن السلطات تتيح للجماعات الراديكالية العمل في بريطانيا بحرية طالما أنها غير مستهدفة، وهو ما يسمى «ميثاق الأمن»، الذي كان بمنزلة ضوء أخضر من «الخارجية» البريطانية للإرهاب في جميع أنحاء العالم. إلا أنه أعرب عن اعتقاده أنه من الممكن تفسير التسامح الحالي من جانب النخبة البريطانية مع الجماعات المنشقة لرغبتها في استغلال هذه الجماعات في مصلحة سياساتها الخارجية، وهذا ما قام المؤلف بتوثيقه في كتابه، حيث يقول ان هذا التسامح يمكن أن يساعد كدعامة أو بطاقة تفاوض مع حكومات أخرى! وأن لبريطانيا مصلحة دائمة في الحفاظ على الانقسامات في منطقة الشرق الأوسط وجعلها تحت سيطرة سياسية منفصلة، ويعد ذلك إحدى صور سياسة «فرّق تسد» الدولية التي كان يُنظر إليها على أنها مهمة من أجل ضمان أنه لا يوجد هناك أي قوة فاعلة وحيدة في الشرق الأوسط مسيطرة على المنطقة، لاسيما ثروات النفط، ضد رغبات لندن أو واشنطن. وهذا شعار يتكرر في ملفات الحكومة على مدار عقود كثيرة.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

الازرق لا يكتب احمر

معظم المسؤولين ذوي الشخصيات «الوازنة» – على رأي إخواننا المغاربة – الذين تشاهدونهم في البلد غلابة غلب ما يعلمه إلا الله سبحانه، يغرقون في شبر ماء، إلا في كيفية حلب الدولة من خلال اللجان والمهمات الرسمية. وليت أحد النواب يطلب من ديوان الخدمة المدنية تزويده بتكلفة اجتماعات اللجان الحكومية والمهمات الرسمية، ثم يبيّن نسبتها من ميزانية كل وزارة، ويقارنها مع ميزانية التدريب والتطوير في الوزارة تلك، ثم يعرضها على المارة وعابري السبيل من المواطنين، فالناس هنا يعرفون منبع النفط لكنهم يجهلون مصبّه.

وأمس، تابعت حديث الحاضر الغائب النائب السابق وليد الجري، وكان من ضمن طلباته أن تضع الحكومة استراتيجيتها ولا تكتفي بالخطة التنموية، وقطعَ الجري، الذي هو فعلاً «جريء» كما كان جده الأكبر، بأننا لو سألنا الوزراء عن الاستراتيجية لتلقينا ست عشرة إجابة، بعدد الوزراء، لا علاقة لإجابة هذا الوزير بإجابة ذاك. وأنا أقول يا أبا خالد، إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، وطلبك «الاستراتيجي» لا يُطاع ولا يطاق.

وسأطرح فكرة أخرى أسهل من فكرة الجري الاستراتيجية، وهي فكرة مجربة، جربَتها الحكومة ونجحت إلى حد ما… فبعد أن حصلتُ على شهادة الثانوية العامة تقدمت إلى «الطيران المدني» لدراسة الطيران، وكنت أمنّي النفس بالصياعة في كوكب الأرض، فأتناول الغداء في بروكسيل والعشاء في نيودلهي، وأرتدي اليوم جلد نمر، وغداً «بنجابي»، وبعد غد تنورة الأسكتلنديين، هكذا كنت أفكر. (تذكرت حادثة لشاب سعودي، كتبها في مدوّنته، يقول إن مدرسته أقامت حفلة، وطلبت من التلاميذ أن يرتدوا ملابس الشعوب، وكان نصيبي اللباس الأسكتلندي، التنورة. يقول استغرق الأمر مني نحو ثلاثة أيام لتجهيز التنورة، وجاء يوم الاحتفال، فارتديتها وخرجت سعيداً بها إلى الوالد الذي كان يجلس في «الحوش» مع مجموعة من أصدقائه كبار السن كي أضحكهم وأحدّثهم عن الشعب الأسكتلندي، لكن شيئاً ما ارتطم بجبهتي وأحرقني واسودّت الدنيا في عيني، وفي المستشفى تبيّن أن الوالد حفظه الله رماني بـ»الدلّة» المليئة بالقهوة بعد أن ظن أنني تشبهت بالنساء! وفوق كل هذا لم يزرني طوال مكوثي في المستشفى، إلى أن شرح له المدير والمدرّسون حقيقة الأمر، فعفا عني بلا نفس).

أعود إلى موضوعي، عندما تقدمت إلى «الطيران» فاستقبلتني اللجنة وطرحت عليّ أسئلة «اختبار الذكاء»، منها أن قام أحدهم بإعطائي قلماً قائلاً: «هذا قلم أزرق، ونبيه (أي نريده) يكتب أحمر»، فكتبت كلمة «أحمر»، وحصلت على الدرجة، لا لذكائي بل لأن من سبقوني تعرضوا لمثل هذا السؤال، فنقلوه إلينا.

وكل ما نريده الآن من المسؤولين، قبل تعيينهم، أن يقرأوا هذه المقالة، ثم نمد لهم قلماً أزرق، ونطلب منهم أن يكتبوا «أحمر»… وأدي دقني.