نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، وأتذكر مقالة كتبتها بعنوان «مشايخ آل كابوني»، استنكرتُ فيها طريقة تفكير بعض جهّال الدعاة الذين تحوّلوا إلى قناصة، يختبئون فوق السطوح في انتظار مرور يهودي أو بوذي أو مسيحي، بل إنهم قصفوا أوروبا وأميركا واليابان وبقية سكان الكوكب من غير المسلمين في عقر ديارهم بما لذ وطاب من الأمراض والزلازل والبراكين والشلل ووو، والحمد لله أن الحيوانات والنباتات سلمت منهم: «اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم» ليش يا شباب؟ لأنهم أعداء الله (على اعتبار أننا أحبابه)، «اللهم دمر بلدانهم واجعل عاليها سافلها»، «اللهم سكّن ما تحرك منهم وحرّك ما سكن»، والجملة الأخيرة تعني أن يصيب العدو مرضٌ يجعل كل عضو ساكن من أعضائه يتحرك، كالأنف مثلاً، فيقف العدو أمامك وأنفه يرفرف، وأذنه تدور، في حين تثبت الأعضاء المتحركة وتسكن. وأتحدى أكبر «كونسولتو طبي» أن يعالج مرضاً كهذا.
وأتذكر أنني تلقيت رسالة مؤدبة، بعد كتابة المقالة، من عمي الكاتب السوداني الجميل «جعفر عباس»، الذي لا أدري كيف يجد وقتاً لشرب الماء، دع عنك التنزّه مع الأسرة أو مشاهدة التلفزيون، إذ إنه، ما شاء الله، يكتب في خمس صحف أو ست، إضافة إلى منصبه الذي يشغله في قناة الجزيرة كمدير لإدارة الجودة… أقول راسلني يستأذن في نشر مقالتي في عموده الصحافي، فأجبته فوراً: «الفضل لك لا لي». وأزعم أن مقالتي تلك هي أكثر مقالاتي انتشاراً، أو فلنقل «من أكثر مقالاتي انتشاراً»، في المنتديات العربية والصحف والمدونات، فقد نشرها كاتبان في أعمدتهما الصحافية، والعهدة على ذاكرتي…
المهم، كتبت المقالة من هنا، وعينك ما تشوف إلا النور من هنا، كتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يهتم المسلمون بالمختبرات والبحوث؟»، فجاءتني الردود: «عليك لعنة الله، وهل دعا بذلك محمد بن عبدالله الهاشمي (صلى الله عليه وسلم)، أو أحد من صحابته، وهل كان في وقتهم مختبرات وإدارات بحوث، لعنة الله عليك يا مبتدع؟!»، وكتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يساهم أطباؤنا في اكتشاف أدوية للأمراض المستعصية؟»، فجاء الرد: «يا عدو الله، ألا تعلم أن العسل وحبة البركة والرقية الشرعية فيها كل الشفاء، ولا حاجة إلى مختبراتك ومختبرات أعمامك اليهود، شلت يمينك»، فبيّنت لهم: «حتى لو شُلّت يميني، سأكتب باليسرى على الكمبيوتر، لا فرق، ادعوا على الكمبيوتر (شُل كيبوردك)»، وكتبوا وكتبت وكتبوا وكتبت، وكانت كتاباتهم تبدأ باللعن، وتنتهي بالدعاء الأسود.
وهذه الأيام خرج إلينا في الفضائيات دعاة ما أجملهم على القلب، منهم الشاب السعودي الرائع أحمد الشقيري، الذي كتب عنه الزميل الهادئ العميق الجميل «حمد نايف العنزي» في هذه الجريدة يمتدحه… الشقيري استنكر مثل هذا الدعاء على غير المسلمين، ووضع اقتراحات أخرى للدعاء أجمل من دعاء القصف والدمار الشامل. كذلك فعل الشيخ سلمان العودة، والدكتور طارق السويدان الذي أعتذر إليه عن ظلمي إياه، إذ حسبته من هذه النوعية من الدعاة الأفاقين (حقك عليّ يا دكتور فقد أخطأت في حقك).
وليت دعاتنا يغيّرون دعاءهم ليصبح: «اللهم علّم الشعب كيف يتظاهر ضد الفساد والمفسدين تظاهراً سلمياً، اللهم سكّن يد النائب المرتشي وهي قابضة على الفلوس وحرّك لسانه للخارج والداخل وهزهز أكتافه كي يتجمهر عليه الصحافيون بكاميراتهم فيفضحوه، اللهم أعد كرسي رئاسة «برلمان الشعب» إلى الشعب، اللهم وافضح أهداف الضباع والثعالب، وهكذا»، فيدعو كل شيخ ما يهم مواطني بلده.
وكما ذكرت في البداية، نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، إذ خرج قبل أيام حاخام أهبل – يبدو أن جذوره عربية – يدعو على زعماء العرب بالطاعون.