محمد الوشيحي


 مرمانا… انتفخ

إطلاقاً، لا علاقة لي بالرياضة لا من قريب ولا من حبيب. مع أنني شاركت في بعض المباريات التاريخية، أهمها المباراة التي جمعت قبيلتي العجمان ومطير في مصر، أثناء الدراسة الجامعية، وكانت القوانين تنص على أن يلعب ستة من كل فريق، وكان عددنا على المقاس، ستة فقط، وكان الخصم، الذي هو قبيلة مطير الشقيقة، ستة وعشرين نسمة، ينتقون منهم ستة، والبقية عند اللزوم، أي أن لديهم فائضاً من الذخيرة في المخازن، بينما نحارب نحن بذخيرتنا المحشوّة في البنادق فقط، وعند انتهائها وانقضائها ليس لنا إلا أن نلجأ إلى السناكي والحراب وشد الشعر باليد المجردة.

وقبل بدء المباراة، مررت بجانب الخصوم الستة وهم يسخّنون ويهرولون متمتماً بخشوع وأنا أمسح شاربي: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً»، وأشرت بيدي إلى حارس عرين مرمانا محمد صنيدح العجمي الذي أيقظناه من نومه والتحق بنا قبل المباراة بثوانٍ: «هذا كالقعقاع الذي هو عن ألف رجل… فاحذروه»، وتبين لاحقا أن قعقاع العجمان، الذي هو صنيدح، يعتقد أن القوانين تبيح اللكم والخنق والشلاليت، فطبّق القوانين على أكمل وجه وعلى خير ما يرام، فسحبه حكم المباراة من ياقة فانيلته إلى خارج الملعب، فجلس على الخط، وراح يمد كراعه أمام كل لاعب مطيري يمر بجانبه ليسقطه على وجهه. وكانت العقوبة الأصح التي يستحقها القعقاع هي حلق الشعر والنفي خارج البلاد وقطع يديه ورجليه من خلاف، لكنّ ربك سلّم. وأكملنا المباراة بخمسة لاعبين (انسحبنا من المباراة قبل نهاية الشوط الأول)، ولا أتذكر كم هدفاً سجلوا في مرمانا، فقط أتذكر أن المطران كانوا يهرولون باتجاهي بعد كل هدف: «فئة قليلة… هاه؟ والقعقاع وموسى بن نصير؟ والله لو استعنتم بالظاهر بيبرس والدولة الأيوبية». وكان محمد بن دبلان العجمي، كابتن الفريق، أو عقيد القوم، كلما هجمَ المطران على مرمانا، تركنا نواجه مصيرنا البائس وركز ساقيه وراح يجري بأقصى سرعة إلى مرماهم من دون كرة، فأصرخ فيه: «يا عمي وين رايح؟ تريد أن تلتف عليهم من وراء الجبل لتأسر الأطفال وتسبي النساء أم ماذا؟ تعال ساعدنا»، وكانت خطته أن نمرر له الكرة بسرعة أثناء وجود لاعبي الخصم في ملعبنا.

واستمرت مبارياتي على شاكلة المباراة هذه، إلى أن سألني طالب مصري ملحوس: «زملكاوي أم أهلاوي؟»، فأجبته: «كلنا لآدم»، فشرح لي: «الزمالك بتاع علية القوم وركّاب المرسيدس، والأهلي بتاع الصنايعية وركاب الأتوبيس»، ولأن جيناتي وأنزيماتي تميل تلقائياً ناحية الأتوبيس، فقد شجعت الأهلي (اكتشفت لاحقاً أن الزملكاوية والأهلاوية يركبون الأتوبيس)، وإن كنت أتمنى أن يفوز الزمالك ولو بعد حين، كي لا يخلو الدوري المصري من الملح. والزمالك هم الفئة القليلة والأهلي هم الفئة الكثيرة. وكان صاحبي الملحوس بعد كل مباراة – طبعاً يفوز فيها الأهلي – يصرخ بتشفٍّ وشماتة: «هوّه فيه إيه يا جدعان، دا الهواء أصعب من الزمالك»، وترجمتها: «هوّه فيه ماذا؟».

كذلك الحال مع برشلونة وريال مدريد، فالأخير هو نادي الملك والطبقة الثرية، بينما برشلونة هو نادي عمال المصانع والمزارعين، لذا فأنا برشلوني. وفي الفن الخليجي انقسم الناس ما بين محمد عبده وطلال مداح، ولأن عبده هو فنان الصالات والمخمل، ومداح الله يرحمه هو فنان الحوش والحصير، فقد وجدت نفسي مدّاحياً متحمساً.

وحكومتنا اليوم، بميزانيتها ووزرائها ونوابها وفضائياتها وصحفها ورسلها وجهّالها وحقوق إنسانها وخليجها الفارسي، هي الفئة الكثيرة، ومشجعوها من ركاب المرسيدس، والراغبين في ركوب المرسيدس، ونحن المعارضة الفئة القليلة، ركاب الأتوبيس، وقتلانا وجرحانا اليوم لا عدّ لهم، لكننا سنلتف عليهم من وراء الجبل عما قريب، بعد أن ندفن قتلانا ونداوي جرحانا ونعيد ترتيب صفوفنا ورسم خططنا… يا معين. 

حسن العيسى

جرة النائب علي الراشد

حسن النية مفترض في النائب علي الراشد حين قدم اقتراحاته بتعديل بعض مواد الدستور، لكن حسن النية المفترض لا يكفي حين تغيب القراءة الصحيحة للواقع  السياسي الكويتي، فماذا يريد النائب علي الراشد تحديداً؟ إذا كان الهدف الكبير من اقتراحات التعديل ضبط سيل استجوابات النواب للوزراء ورئيس الحكومة، كما انها (الاقتراحات بالتعديل) تهدف إلى الحد من مساءلة الوزراء ورئيس الوزراء، فقد جانب علي التوفيق… فليست حكومتنا، كما يروج وهماً، هي حكومة مشكلة من ديمقراطية حقيقية، هي حكومة عائلة واحدة هي أسرة الصباح الحاكمة، فرئيس الوزراء ومناصب وزارات السيادة، إن صحت التسمية (الدفاع والداخلية والخارجية وأحيانا وزارة الإعلام)، محتكرة بعرف غير ديمقراطي لأبناء الأسرة، وهم بهذه الصفة يشكلون قلب الحكومة والآمر الناهي فيها، فهم حكومة الحكومة كما سميتها قبل سنوات، فما تريده حكومة الحكومة في النهاية سيظل ويبقى دون جدل ولو خالفهم الرأي الوزراء الشعبيون.
لماذا ننظر إلى النصوص الدستورية كمثال، ويروج عبرها الوهم بالحلم الديمقراطي الكامل، بينما الواقع غير ذلك، فهل وزراء الحكومة هنا في حاجة إلى ضمانات أكثر من حقيقة الواقع السياسي في الكويت حتى يتقدم النائب الراشد باقتراحات ستصل في النهاية إلى ارتفاع الوزراء ورئيس مجلس الوزراء فوق المساءلة الدستورية، ويضحي التعديل المقترح ليس إلا واجهة تخفي نزعة تفرد واستبداد سلطوية تمحو القليل المتبقي من الرقابة والمشاركة الشعبية في الحكم.
الأمر الآخر، وعلى ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، وما انتهت إليه نتائجها في تشكيل هذا المجلس، لا نتصور أن هناك أي عثرة في طريق حكومة الحكومة، فـ "اللي تبيه الحكومة يصير"، وهنا مكمن الخطر في اقتراحات النائب علي بالتعديلات الدستورية، فهي ستكون شبه مضمونة متى قدمت، فأين سيكون موضع النقاش والتحليل والجدل في جوهر تلك الاقتراحات متى عرفنا النتائج مقدماً؟!
تبقى هناك ملاحظة أخيرة، فالنائب علي يرفض أن يطرح تعديل المادة الثانية للدستور من قبل النواب الإسلاميين لتصبح الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، ويقول إن مجرد طرح مثل هذا الاقتراح سيعتبر خلطاً للأوراق وتخريباً لمقترحه! هنا نسأل علي: لماذا يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره؟ لماذا يكون له حق اقتراح التعديل ولا يكون للنواب الإسلاميين مثل حقه في تعديل المادة الثانية؟! ألا يرى حضرة النائب أن اقتراحاته بالتعديل ستكون بمنزلة فتح جرة بندورا للشرور، كما في الميثولوجيا اليونانية، هي جرة بندورا لا صندوق بندورا، كما جرى خطأ تسميتها، وهي جرة على رأس كل نائب في هذا المجلس، فليحذروا من إسقاطها، فتغرق الكويت في شرور التسلط والاستبداد.

احمد الصراف

عماد حمدي وسنة 1980

شاهدت وأنا أمارس رياضة المشي في نادي الكورنيش، وبطريق الصدفة، مقطعين تلفزيونيين: الأول لحفلة غنائية بالأبيض والأسود لأم كلثوم، والثاني لفيلم غير ملون أيضا عن قصة حب بين أحمد (عماد حمدي) وفاطمة (شادية)، وربما يكون المقطعان من إنتاج ستينات القرن الماضي. في مقطع حفلة أم كلثوم استرعت نظري أمور كثيرة أهمها ذلك التغير الهائل الذي طال هيئات مرتادي الحفلات وحركاتهم في عاصمة كانت، بالنسبة لنا قبل نصف قرن، رائدة في كل شيء، وأصبحت بفضل «الثورة أو الانقلاب»، ومن بعدها الصحوة المباركة في آخر الركب، وأيضا في كل شيء! ولم أستطع مقاومة مقارنة ما كانت عليه الحال، وما أصبحنا نراه اليوم في شوارع القاهرة من ظواهر شديدة السلبية، ونسبة مرتديات الحجاب الطاغية، والتي لم تمنع الشباب، وحتى العجائز من التحرش بهن بالقول والفعل أمام الجميع، عيني عينك!! قد تكون هذه الأمور غير ذات أهمية لدى البعض، فتقدم الأمم لا يقاس بما ترتديه شعوبها، ولكن بما في عقول أبنائها، ولكن هل أصبحت مصر بالفعل، أو أي عاصمة عربية كبيرة أخرى، أكثر تقدما وفضيلة وعفة مما كانت عليه قبل نصف قرن مثلا؟ الجواب معروف ويمكن الاطلاع عليه في سجلات المخافر والإحصائيات الأمنية، وما يكتب في صحافتها، وصحافتنا الخليجية وزيادة نسبة الجرائم وتنوعها، والأخلاقية منها بالذات، بمعدلات مخيفة عاما بعد آخر. لقد عشت وشفت بما يكفي لكي أؤكد بكل ثقة أن الكويت، وهي ليست استثناء ولا تختلف عن أي دولة عربية أو إسلامية أخرى، كانت قبل الصحوة الدينية المباركة التي تاجر بها واستفاد منها الكثير من ملتحي الأطراف كافة، أكثر أمنا وأكثر اعتدالا ومحبة ووفاء منها الآن، بالرغم من زيادة الثروات في أيدي الأفراد وزيادة تعلمهم، فقد رأينا، وفي وقت قياسي، تطرفا من كل جهة وشحنا طائفيا من كل صوب، وصورا ولافتات دينية تتزايد كل يوم على حوائط البيوت وأمام المداخل وعلى المركبات. كما أصبحنا نرى من يضع لافتات وشاشات سينمائية ضخمة تعرض رسائله حتى لو تضمنت إساءة لمشاعر الغير، وهذا لم يحدث مصادفة، بل مهد له رجال الدين من كل طرف، بعد أن رأوا أن ارتفاع شأنهم في عيون بني ملتهم يكمن في زيادة تطرفهم، ولو على حساب وطنهم.
أما المقطع الثاني المتعلق بفيلم شادية وعماد حمدي، فكان تأثيره أكبر، خاصة عندما طلب بطل الفيلم (أحمد) من حبيبته (فاطمة) أن تخرج معه للمقهى القريب، فرفضت بحجة الخوف من كلام الناس، فقال لها: خلاص بأه، احنا بقينا في سنة ثلاثين، أي أن عليها أن تتشجع وتخرج معه لأن الزمن تغير والأمور اختلفت وأنهما الآن في ثلاثينات القرن العشرين! والآن، وبعد مرور ثمانين عاما على قصة ذلك الفيلم ما الذي نراه حولنا؟ ولماذا حدث كل هذا التغير؟ وهل هو للأحسن حقا؟ وهل بإمكان أحد أن يثبت أن أوضاعنا المعيشية والأمنية والأخلاقية هي بالفعل الآن أحسن مما كانت قبل 30 أو 60 عاماً؟

***
• ملاحظة: صدر في تركيا، وهي اكبر دولة صناعية إسلامية، 88 ألف ورقة بحثية بين عامي 1996 و 2005، ويمثل هذا الرقم عددا أقل من عدد البحوث التي نشرتها جامعة أميركية كبيرة واحدة خلال الفترة ذاتها!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

متفوقون… يتحدون الظروف

 

نماذج مشرفة من شباب البحرين من الجنسين، لم يرضخوا لقساوة الحياة وشدة الأزمات، وخصوصا أولئك الذين عاشوا في كنف أسر ضعيفة أو متوسطة الحال، فتحدوا الظروف بتفوقهم ومثابرتهم، حتى استطاعوا بعزيمة وإصرار، مواصلة تعليمهم الجامعي، وذات العزيمة والإصرار التي يتمتعون بها، ستمكنهم من مواجهة أي عقبات تعترض طريق حياتهم المهنية مستقبلا.

هناك فئة من الشباب أكملوا تعليمهم الجامعي بتفوق وإرادة قوية، ولم يكترثوا لعقبات التمييز أو الإقصاء أو حرمانهم من الحصول على فرصهم الوظيفية وفق تكافؤ الفرص، فحققوا حلمهم، وبالتأكيد، أن من يتوكل على الله فهو حسبه، وهذا ما نأمله من شباب الدفعة الحادية عشرة من طلبة برنامج سمو ولي العهد للمنح الدراسية العالمية.

ولعل هؤلاء الشباب يقدمون أنفسهم كنموذج وقدوة لغيرهم ممن يستسلمون للظروف في بداية الطريق، فيتركون الدراسة والتحصيل العلمي لعلمهم بأن النتيجة واحدة وهي: لماذا التعب طالما سنبقى في صفوف العاطلين أو سنعمل في وظائف دون المستوى لا تليق بشهاداتنا العلمية؟

قد نعذرهم ونتفق معهم في أن هناك عددا كبيرا من الخريجين تعرضوا للظلم، لكن أن تواصل طريقك المهني وأنت مؤهل علميا أفضل بكثير من أن تكون بلا شهادة ولا حرفة، فالله سبحانه وتعالى يفتح في كل يوم أبواب التوفيق للمجتهدين، فما عليكم سوى التحلي بالصبر والإرادة وتحدي الظروف.

منذ تأسيسه في العام 1999، وفر برنامج سمو ولي العهد أكثر من 100 بعثة للطلبة البحرينيين المتفوقين في جامعات عالمية مرموقة، سواء كانوا من خريجي المدارس الخاصة أم الحكومية، وبلا شك فإن برنامجا كهذا استحق ثناء وتقدير أولياء الأمور وابنائهم الطلاب والطالبات، بل وشجع الكثير من المتفوقين على أن يواصلوا تفوقهم للحصول على هذه البعثات وخصوصا مع وجود النية لتقديم فرص لأولئك الشباب لمواصلة دراستهم الجامعية، حتى أن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى صرح خلال استقباله الدفعة الحادية عشرة من طلبة البرنامج يوم الثلثاء الماضي بأن «عنصر الاستمرار كان أكبر تحدٍ لنا في هذا البرنامج، ولكن التزامنا التام نحو الفرد البحريني جعل من التحدي مسئولية وطنية نتبنى عبرها النخبة المتميزة ونعمل معا لبناء الأفضل».

شباب البحرين من المتفوقين (ثروة) حقيقية لا يجب التفريط بها أيا ما كانت الظروف، فمن المؤسف أن نسمع عن حالات من التسرب بين طلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية بل وحتى الابتدائية؛ لأسباب تعود في معظمها الى مصاعب المعيشة، لكن لا يجب أن ننسى بأنه على مر السنين، كانت الكوادر البحرينية المتميزة في مجالات الطب والهندسة والتعليم والتخصصات المهمة هم من أبناء الأسر الفقيرة في حالها المعيشي، الكبيرة بطموحها وتفاؤلها بالمستقبل.