مرت الأيام جميلة وهانئة على الجميع بسبب وفرة الطعام والشراب وصفاء النفوس، فقد كان الكل يعمل يدا واحدة، وكان من الصعب التفرقة بين الشيخ الكبير الذي أصبح ربان السفينة ونوخذتها ومساعديه من جهة وبقية الركاب من جهة أخرى، فمصير الجميع واحد وهدفهم واحد، شرا كان أم خيرا، كما صادفتهم مواسم صيد وتجارة جيدة جنوا منها الكثير.
بعد فترة واجهتهم أول مشكلة كبيرة في أحد الموانئ، فعند قيام بعض مواطني السفينة ببيع التبغ الذي سبق ان جلبوه خاما من الضفة البحرية المقابلة وصنعوه على ظهر السفينة، هجم على هؤلاء جمع من رجال الدين يريدون ايقاع الاذى بهم لبيعهم الحرام، فرد عليهم هؤلاء وقتلوا أحدهم وفروا لاجئين للسفينة، وعلى الأرض تأججت النفوس وثارت ثائرة الأهالي لمقتل أحد «علمائهم» وقرروا الهجوم على السفينة واضرام النار بمن فيها لما احتوته من موبقات وكفر وانحلال واختلاط مذاهب واجناس، وانتشار بدع لا تقرها عقولهم، وخروجهم من الملة! لكن تكاتف الركاب مع النوخذة والبحارة مكنهم من الصمود والابحار بالسفينة بعيدا عن الميناء ولكن ليس دون فقد البعض من بحارة وركاب شجعان كانوا أوائل قائمة طويلة من شهداء وطن الباخرة.
وبعد مرور سنوات أخرى على الوطن العائم تخللتها مشاكل عدة نجح بحارة السفينة في التغلب عليها، بالتعاون مع بواخر تجارية أخرى، ضرب الحظ ضربته معهم بعثورهم على منطقة بحرية ثرية بثرواتها الهائلة من اللؤلؤ والاحجار الكريمة الغالية الثمن، ودار صراع بين البحارة وبقية الركاب على من له الحق في الثروة الطائلة الجديدة وكاد ان ينشب صراع، لكن حكمة الربان الشيخ الكبير نجحت في وضع برنامج توزيع عادل للثروة، بحيث ينعم بمدخولها الجميع ومن يعترض فله حق مغادرة السفينة في اي ميناء يرغب، وهذا ما حدث بالفعل مع البعض، إما باختيارهم، وإما بخلاف ذلك.
استمرت السفينة في برنامجها التجاري السابق، وزادت عليه الكثير، بعد تدفق الثروة الجديدة، وأصبحت تعود بين الفينة والأخرى لمصدر ثرائها تنهل منه، وفي احدى الليالي وجد الجميع أنفسهم أمام قارب ضخم يزيد على حجم قاربهم بكثير وهو واقف من دون حراك والرياح تتلاعب بأشرعته، وما ان دنوا منه لمساعدة ركابه حتى كشف هؤلاء عن وجوههم فاذا هم قراصنة سرعان ما قفزوا للسفينة الوطن واحتلوها، ولكن ربانها وبعض البحارة وقليلا من الركاب تمكنوا من الافلات واستقلوا قارب نجاة صغيرا ولجأوا لبارجة حربية تابعة لدولة عظمى، حيث شرحوا لهم معاناتهم وما تعرضوا له من غزو بحري غاشم، وبسبب السمعة البحرية الجميلة التي كونها شعب الدولة العائمة في المنطقة فقد تعهد قبطان البارجة بالتدخل لتخليص سفينتهم من القراصنة، وبعد حرب قصيرة لم تخل من فقد ارواح الكثير من الابرياء والابطال وخسائر مادية كبيرة نجحت قيادة البارجة، وبعض السفن الحربية الاخرى التي ساندتها في تحرير السفينة من قراصنتها واعادتها لشعبها وربانها وبحارتها.
أحمد الصراف