عزفت عن متابعة مقابلة السيد طلال الفهد في إحدى القنوات المحلية قبل أيام، ولم ينبع عزوفي عن متابعة طلال لرفضي سماع الرأي المعارض لرأيي، بل أعزو المسألة لاعتقادي الراسخ بأن من لا يجرؤ حتى على مواجهة المكالمات التليفونية، بل يشترط ألا تتضمن مقابلاته أي مواجهة مهما كان نوعها، فهذا يعني أن كلامه ومنطقه هش لا يتحمل أبسط أنواع المعارضة. على الرغم من هذا العزوف، فإنني أجبرت للأسف على مشاهدة تسجيل هذا اللقاء بعدما وجدت أن البعض ممن هم حولي انطلت عليهم بعض أقاويل الرئيس السابق وأسلوبه في طرح قضيته ورؤاه. إليكم بعض ما قاله السيد طلال الفهد مع التفنيد: – بدأ حديثه بتهنئة اتحاده الشرعي، على حد تعبيره، على وصول المنتخب إلى نهائيات كأس آسيا! على الرغم من عدم اعتراف أي جهة في العالم محلية كانت أو دولية بما يسميه الاتحاد الشرعي، وهو ما يعني أن «صاحبنا» يفتقر حتى لأبسط أنواع المنطق التي تجعل المرء يتمكن من سماعه. – في معرض تعليقه على حكم المحكمة الدستورية الذي ينص على عدم جواز إقالة من يجمع بين منصبين رياضيين دون أن يتم تخييره، ذكر أن الحكم الحالي يسمح له بالجمع بين المناصب، وهو تدليس على حكم رسمي صادر من السلطة القضائية، والذي كما ذكرت بأنه ينص على التخيير، أي أنه لا يمكن للمرء الجمع بين منصبين رياضيين حتى بعد حكم المحكمة الدستورية على عكس ما دلسه طلال الفهد. – ادعى بأن من ساهم في مشاركة منتخب الكويت في كأس الخليج هو وزير التنمية أحمد الفهد، وهو تحوير بيِّن للحقائق التي تثبت أن قرار المشاركة كان قد اتخذ قبل تحرك وزير التنمية. هذا جزء فحسب من ادعاءات الرئيس السابق في تلك المقابلة، أما الشق الآخر من المقابلة فقد كان مساحة لفتل العضلات الوهمية التي مازال يعتبرها الكثيرون شجاعة وبطولة وقوة، فالسيد طلال يقول في معرض حديثه إنه «سيلسّب» رئيس الهيئة العامة للشباب والرياضة قضائياً، نعم المصطلح كما قرأتموه صدر من شخصية كانت قيادية قبل أشهر تجاه لواء متقاعد قدم الكثير لبلده على الصعيد الرياضي والعملي. لا أستهدف في هذا المقال نقد شخصية هي برأيي من أسوأ أمثلة القيادات التي مرت على هذا البلد أخيرا، بل لكي تتضح الصورة للعقول عن مدى ضحالة طرح من يفاخر البعض بوجوده كشخصية رياضية. نعم نجح طلال الفهد نجاحاً باهراً في الإدارة الرياضية في بعض الأحيان «نادي القادسية» وفشل فشلاً ذريعاً في أحيان أخرى «اتحاد كرة السلة سابقاً»، ولكن لا الفشل ولا النجاح يجعلانه يستمرئ التدليس والانحدار في الطرح لهذه الدرجة. ضمن نطاق التغطية: لجأ إلى القضاء في قضية خلعه من رئاسة نادي القادسية، ولجأ إلى المحكمة الدستورية للطعن في عدم دستورية قانون عدم الجمع بين المناصب، وفي الحالتين طبق القانون ومن ثم اشتكى، إلا أن الشخص نفسه رفض أن يطبق قانون انتخاب الاتحادات ولم يلجأ إلى القضاء، بل أدخل الكويت ومازال في دوامة رياضية أمدها ثلاث سنوات، هل مازال البعض يعتقد أنه يهدف إلى الإصلاح؟
اليوم: 30 مارس، 2010
أعقل من كده إيه؟
البرلمان الصيني أصابته لوثة في عقله، الله يدفع البلاء، وقرر، قبل نحو سنة، إيقاف مراجعة خطة التنمية الإسكانية بعدما اكتشف فساداً في وزارة الإسكان، وطالبَ الحكومة بالمساهمة معه في التحقيق للكشف عن اللصوص. وأثناء التحقيق كانت الصحافة تنقل أحدث الأخبار، فرأى المواطنون الصينيون وقرأوا ما يشيب له شعر الغراب الفتيّ. واستطاعت الحكومة (أكرر، الحكوووومة، لمن في عينه عمش) تثبيت الأدلة التي تدين أحد مسؤوليها، فأحالته إلى لجنة الإسكان التي أحالته بدورها إلى القضاء، قبل أن تستأنف اللجنة بحث الخطة من جديد. وصدر حكم القضاء بإعدام المسؤول الإسكاني الكبير، وتم إعدامه فعلاً قبل ثمانية أيام. وأصدرت الحكومة بياناً تعتذر فيه إلى الشعب والبرلمان، بينما أصدر البرلمان بياناً شديد اللهجة يحذر فيه الحكومة من تكرار أخطاء بهذا الحجم، ويأمرها أن تنتقي كبار موظفيها ومستشاريها بعناية.
شنو هؤلاء البوذيون. إعدام واعتذار وبيان شديد اللهجة! كل هذا بسبب عملية نصب في قضية إسكانية؟ يا عمي تعالوا شوفوا منطقة «المنقف» عندنا، وأنا كنت أحد سكانها ولا فخر، في البيوت التي تقع خلف المضخة. ولأنني كنت طويلاً، وماأزال، فقد كنت أنام على سريري فتظهر أقدامي من تحت البطانية إلى الشارع العام مباشرة. وفي الصباحية قطعة أربعة، مقابل منزل النائب السابق شارع العجمي، هناك قطعة أرض فضاء، خُصصت ميزانية لبنائها، فالتهمت القطة بيوتها وميزانيتها. وفي محافظة الجهراء، في منطقة الواحة، أو «الكوريّات» كما يسميها الناس، لا حاجة إلى أن تشتري بطاطين لأولادك، إذ تستطيع أن تغطّي البيت كله ببطانية مورا، التي تمنحك دفئاً وحناناً… ومع ذا لم نعاقب المسؤول الإسكاني السابق، وبإذن الله لن نعاقب المسؤول الإسكاني اللاحق، لأننا «عقلاء»، ونوابنا أغلبيتهم «عقلاء».
إعدام مرة وحدة، وعلى قضية فرعية! يا عمي نحن شارف نفطنا على النضوب، وقريباً ستمسح أرضنا كفيها وتفتح ذراعيها وتقول لنا «باح، جف ضرعي»، ومازالت شوارعنا مصابة بالجدري، ومباني وزاراتنا تمر بجانبها القطط والكلاب وهي تسد أنوفها لعطانة الرائحة، بينما أرصدة مسؤولينا تزداد وتزداد وتزداد، وبيوتهم تتحول إلى قصور لو رآها سلطان بروناي لسرقَ مخططاتها وقلّدها، ومع ذا تحملنا، ولم نسجن أحداً. ليش؟ لأن نوابنا «عقلاء» يحاربون التأزيم.
إعدام مرة وحدة! ما الذي كان سيفعل برلمانهم بالحكومة لو أن مجاريهم طفحت كما طفحت مجاري مشرف؟ أظن أنه كان سيسحب المسؤول عن محطة مشرف الصينية بأذنه اليمنى ويدفعه إلى قاع المحطة كي يموت غرقاً في المجاري. وماذا كان سيفعل برلمانهم لو أن «ستاد ماوتسي تونغ» بُنيَ على طريقة «ستاد جابر»؟ وماذا كان سيفعل برلمانهم لو أن أحد التجار تلاعب بأموال أحد البنوك، فقررت الحكومة تعويضه من أموال الشعب؟
كفرة فجرة هؤلاء الصينيون، وجوههم ترهقها قترة… إعدام مرة وحدة؟!
هل لفّق البراك التهم؟
لماذا خلط الأوراق؟ فإذا كان السيد وزير الإعلام حصل على الأغلبية في التصويت على طرح الثقة فهذه مسألة، ويستحق الوزير صك النجاح في موضوع الاستجواب تحديداً، فقد ظلم فيها دون وجه حق، وإن كان لابد أن يستجوب فليكن استجوابه، كما أسلفت في مقال سابق، على ترضية ثوار الوحدة الوطنية على حساب حرية الضمير، واتضح بعدها أن مشروع تغليظ العقوبات الحكومي لجرائم النشر كان "زلقة بطيحة"… زلقة متعمدة من الجويهل، وجدت الحكومة فيها ضالتها لحرق القليل الباقي من الحرية الإعلامية.
كان ذلك موضوعاً، ومسألة انتهت، لكن نقد وإدانة عدد من النواب لزميلهم مسلم البراك حين قال: "إن لكل استجواب ثمناً، وإن لكل اقتراح ثمناً، وهناك نواب يتلقون أموالاً خارجية لتشويه الديمقراطية في الكويت"، ومصدري هنا مقال الزميل بدر الديحاني بـ "الجريدة"، فتلك مسألة أخرى… فمن يطلب من مسلم البراك أن يقدم الدليل على أن هناك فساداً في المؤسسة التشريعية وفي جل مؤسسات الدولة فكأنه يحجب الشمس بمنخل! ما هو المطلوب من البراك أو غيره لإثبات وقائع الفساد وشراء الذمم؟ ليس في هذا أو ذاك الاستجواب فقط وإنما في تسيير وإدارة الدولة كلها…! هل يفترض بالنائب أن يقدم صوراً فوتوغرافية وتسجيلات صوتية تمثل صور الفساد في المؤسسة التشريعية، وهي تتربع على قمة من قمم مؤسسات الدولة "الصالحة"! وسمو الأمير قال قبل سنوات حين كان رئيساً للوزراء: "الفساد في البلدية ما تشيله البعارين…". كانت تلك حقيقة… وهناك حقائق أخرى تقطع بأن الفساد يكاد يعم اليوم معظم مؤسسات الدولة؟ نراه ونلمسه باليد في شوارعنا… في شراء رخص القيادة أو التوسط فيها أو تمرير المخالفات والصمت عن حرب الشوارع… نراه… في تفصيل المناقصات والممارسات على مقاس المتزلفين وأهل الحظوة عند السلطة… أليس مشهد تجمع مئات تناكر المجاري عند بداية الدائري السادس في مشرف، وتلويث البحر بأطنان نفايات المجاري… وكيف رست المناقصة في محطة ضخ الكوارث بمشرف، ومن كان المسؤول عنها… وزيراً أم غيره… وهل تمت محاسبته… أو حتى سؤاله…! أليس هذا التغافل واللامبالاة أبشع صور الفساد…؟ الفساد لدينا ينطق ببلاغة الوقاحة… ويتحرك بكل صوب وكل اتجاه… في التعيينات بالوظائف… في الترقيات الوظيفية… في كل صغيرة وكبيرة تحدث في البلد… الدولة تتدهور… وعلاج دائها ليس في وصفات النائب هايف الأخلاقية… وليس دواؤها في الاصطفاف مع الحكومة بالحق والباطل… لأنها المرجع القوي لوهن التقدميين… حلنا لن يكون بغير حكم القانون… والقانون إما غائب أو نائم… ولا فرق بين الاثنين.
الوطن العائم (3-2)
مرت الأيام جميلة وهانئة على الجميع بسبب وفرة الطعام والشراب وصفاء النفوس، فقد كان الكل يعمل يدا واحدة، وكان من الصعب التفرقة بين الشيخ الكبير الذي أصبح ربان السفينة ونوخذتها ومساعديه من جهة وبقية الركاب من جهة أخرى، فمصير الجميع واحد وهدفهم واحد، شرا كان أم خيرا، كما صادفتهم مواسم صيد وتجارة جيدة جنوا منها الكثير.
بعد فترة واجهتهم أول مشكلة كبيرة في أحد الموانئ، فعند قيام بعض مواطني السفينة ببيع التبغ الذي سبق ان جلبوه خاما من الضفة البحرية المقابلة وصنعوه على ظهر السفينة، هجم على هؤلاء جمع من رجال الدين يريدون ايقاع الاذى بهم لبيعهم الحرام، فرد عليهم هؤلاء وقتلوا أحدهم وفروا لاجئين للسفينة، وعلى الأرض تأججت النفوس وثارت ثائرة الأهالي لمقتل أحد «علمائهم» وقرروا الهجوم على السفينة واضرام النار بمن فيها لما احتوته من موبقات وكفر وانحلال واختلاط مذاهب واجناس، وانتشار بدع لا تقرها عقولهم، وخروجهم من الملة! لكن تكاتف الركاب مع النوخذة والبحارة مكنهم من الصمود والابحار بالسفينة بعيدا عن الميناء ولكن ليس دون فقد البعض من بحارة وركاب شجعان كانوا أوائل قائمة طويلة من شهداء وطن الباخرة.
وبعد مرور سنوات أخرى على الوطن العائم تخللتها مشاكل عدة نجح بحارة السفينة في التغلب عليها، بالتعاون مع بواخر تجارية أخرى، ضرب الحظ ضربته معهم بعثورهم على منطقة بحرية ثرية بثرواتها الهائلة من اللؤلؤ والاحجار الكريمة الغالية الثمن، ودار صراع بين البحارة وبقية الركاب على من له الحق في الثروة الطائلة الجديدة وكاد ان ينشب صراع، لكن حكمة الربان الشيخ الكبير نجحت في وضع برنامج توزيع عادل للثروة، بحيث ينعم بمدخولها الجميع ومن يعترض فله حق مغادرة السفينة في اي ميناء يرغب، وهذا ما حدث بالفعل مع البعض، إما باختيارهم، وإما بخلاف ذلك.
استمرت السفينة في برنامجها التجاري السابق، وزادت عليه الكثير، بعد تدفق الثروة الجديدة، وأصبحت تعود بين الفينة والأخرى لمصدر ثرائها تنهل منه، وفي احدى الليالي وجد الجميع أنفسهم أمام قارب ضخم يزيد على حجم قاربهم بكثير وهو واقف من دون حراك والرياح تتلاعب بأشرعته، وما ان دنوا منه لمساعدة ركابه حتى كشف هؤلاء عن وجوههم فاذا هم قراصنة سرعان ما قفزوا للسفينة الوطن واحتلوها، ولكن ربانها وبعض البحارة وقليلا من الركاب تمكنوا من الافلات واستقلوا قارب نجاة صغيرا ولجأوا لبارجة حربية تابعة لدولة عظمى، حيث شرحوا لهم معاناتهم وما تعرضوا له من غزو بحري غاشم، وبسبب السمعة البحرية الجميلة التي كونها شعب الدولة العائمة في المنطقة فقد تعهد قبطان البارجة بالتدخل لتخليص سفينتهم من القراصنة، وبعد حرب قصيرة لم تخل من فقد ارواح الكثير من الابرياء والابطال وخسائر مادية كبيرة نجحت قيادة البارجة، وبعض السفن الحربية الاخرى التي ساندتها في تحرير السفينة من قراصنتها واعادتها لشعبها وربانها وبحارتها.
أحمد الصراف