محمد الوشيحي

تزريق (1) في اوراق رسمية

الله يسامحه، الزميل الدكتور غانم النجار، الذي أثبت لي بما لا يدع مجالاً للعك، أن الحكومة تعك، وأثبت أنه نجار من ظهر نجار، عندما حرّك «منشاره» على رقبة توني بلير، و»خلع بابه» ليكشف ستره، وزرع «المسامير» في طريقه.

أبو صقر، الدكتور غانم، كشف لنا في مقالتين متتاليتين أن عمنا توني بلير لا يعادل اليوم فلساً ولا تعريفة في بريطانيا الشقيقة، بعد أن جرها من أذنها إلى المصائب والخرائب، فاستعانت به حكومتنا ليجر الكويت من أنفها إلى مصائب جديدة. والكويت تعوّدت على المصائب والخرائب، وتعوّدت على علاجها بجلسات اليوغا كل صباح.

لكن المشكلة يا أبا صقر ليست في ماضي بلير السياسي، لا أبداً. المشكلة أن توني باشا مزور كبير، ويبدو أن جيناته عربية، شلون؟ سأجيبك: أخونا توني نشر «رؤيته» لمستقبل الكويت، وأعلن أنها تمتد عشرين سنة، تبدأ عام 2010 وتنتهي عام 2030، وقرأناها كلنا، وإذا به بعد يومين فقط من نشر رؤيته، يتعامل مع خطته كما نتعامل نحن مع «الدلاغات(2) المغسولة»، إذ مطّها خمس سنوات بين يوم وليلة، لتنتهي عام 2035، تخيل! ونشرها مرة أخرى بكل ما أُوتي من بجاحة. عادي جداً، وكأنه لم يعمل شيئاً يستحق التوقف عنده، على اعتبار أن خمس سنوات لا تستحق أن نتخانق عليها، وأننا سبق لنا أن أضعنا نحو أربعين سنة من تاريخنا، أطفأنا خلالها الإضاءة، وتأكدنا من أن ستارة غرفتنا لن تسمح بتسلل أي شعاع من الشمس، وأغلقنا هواتفنا النقالة، ووضعنا على الباب كارت «يرجى عدم الإزعاج»، ونمنا نومة الدببة. فشنو يعني خمس سنوات؟ حبكت يعني؟

الله يغربله عمنا توني بلير، فهمَ القمندة، وكشف خلطتنا السرية، وأدرك أن المهم عند حكومتنا هو بقاؤها أطول فترة ممكنة على أكبادنا، وأنها لم تعد تختشي شيئاً، أو تخشى شيئاً، بعدما استطاعت تأمين عدد من النواب «العقلاء»، يحمون ظهرها ويرضعون من صدرها، وبعدما ضغطت بيديها الكريمتين على الصحافة فخنقتها حتى سال لعابها ودموعها، وأدرك أن أحداً لن يراجع خلفه، وأن السالفة سبهللة، فمسحَ توقيتات الخطة وأعاد ترهيمها(3) من جديد بما يناسب مزاج المعازيب، و»زرّقها علينا»، وضحك على لحانا ضحكاً قهقهياً عالياً. وكان الله في عون لحانا، كم تحملت من ضحك مسؤولينا، ليأتي الأغراب ويشاركوها حفلة الضحك، وها هي لحانا صامدة لم تحُتّ (4) شعراتها، حتى أننا أصبحنا نضحك على لحية كل من لا يضحك على لحانا المعطاءة.

1- تمرير بالحيلة

2 – الجوارب

3 – ترقيعها

4 – تتساقط 

احمد الصراف

80 عاما من العداوة والقهر

لفت نظري، وأنا أمارس الرياضة في النادي، صوت مقدم إعلان تلفزيوني وهو يعرض 10 شفرات حلاقة بخمسمائة دينار، وعندما تابعت الإعلان الغريب وجدت أنه يخاطب سكان العراق، وهذا باعتقادي أول إعلان تجاري أسمع به منذ عدة عقود، واعتبرته مؤشرا على بداية عودة الأمور، في تلك الدولة الغنية والسيئة الحظ، لأحسن مما كانت عليه حتى قبل انقلاب 1958 العسكري، وأن العراق، ولأول مرة في تاريخه الحديث، أصبح دولة يمكن للكويت التعايش معها بصورة طبيعية. فمنذ أول مطالبة عراقية بالكويت، والتي انطلقت في عهد غازي الأول من إذاعة قصر الزهور في بداية ثلاثينات القرن الماضي، والعلاقات بين الكويت والعراق في توتر مشوب بالحذر من طرف والخوف من الطرف الآخر إلى أن وصلت الأمور ذروتها بغزو صدام الكويت في 1990/8/2. وبالرغم من أن هناك من لا يزال مريضا بوهم تابعية الكويت للعراق، فان الغالبية العظمى من العراقيين وعت تماما أن كل تلك المطالبات لم تكن تهدف لغير إلهائهم عن حقيقة معاناتهم اليومية ومآسيهم ومصائبهم وضياع حقوقهم على أيدي الأنظمة الدكتاتورية التي حكمتهم، ولو نجح صدام في مسعاه الخبيث بضم الكويت للعراق لما نتج عن ذلك حتما أي تغير في مستوى معيشة الإنسان العراقي، ولا في زيادة دخله أو حقوقه المدنية، فالعراق لم يكن أبدا فقيرا، فعندما اجتاحت جيوش صدام الحدود العراقية الإيرانية عام 1980 كانت أرصدة العراق النقدية تزيد على ثلاثة أضعاف ما كانت تملكه الكويت وقتها، ومع هذا ضيع القائد المجرم تلك الثروة النادرة في نزواته وفساد أهله وحروبه العبثية، وبقي الشعب العراقي على تخلفه وجهله وأمراضه، إن لم تزد بكثير.
إن العراق، باعتقادي، سائر حتما في طريق الاستقرار والحرية والديموقراطية بالرغم من كل ما يجري فيه الآن من صراع سياسي وتشتت قبلي وطائفي، وكل تلك المظاهر المسلحة والميليشيات الخاصة والفساد المالي والإداري الذي يعصف بكيانه، إضافة لكل تلك التفجيرات العشوائية التي تقوم بها جماعات إرهابية حقيرة، إلا أن من الصعب أن نتجاهل أن الإنسان العراقي أصبح الآن يشعر بأمان لم يعرفه لسنوات، بعد أن انتهت دويلات المخابرات وزوار الفجر والإعدامات السياسية والقبور الجماعية.
ربما يعتقد البعض أننا نحلم ولكن الانتخابات الأخيرة، التي أجمع المراقبون على نزاهتها، والتي شارك فيها أكثر من %60 خير دليل على بداية عودة الأمور لطبيعتها وأصبح بإمكان العراقي أن يقول لغالبية الشعوب المجاورة له «Eat your heart»، ويكفي أنه أصبح بإمكان مواطن كفرج الحيدري، مفوض الانتخابات، رفض الأمر الصادر له من رئيس الوزراء وتجاهل طلب رئيس الجمهورية بضرورة إعادة عملية عد وفرز أصوات الناخبين، وأن يعود في نهاية اليوم لبيته لينام قرير العين من دون خوف من الاعتقال.
* * *
ملاحظة: سيأتي يوم ينصف فيه التاريخ دور الرئيسين بوش ودور الكويت في تحرير العراق.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

عائلة حرامية… طائفة حرامية… وأكثر!

 

لا يبدو أن جسم المجتمع البحريني سيتخلص من فيروس الاحتدام والاحتراب الطائفي في القريب العاجل، والخوف أن يبقى هذا الفيروس… أو يجدد نفسه مع تغير الظروف التي تمر بها البلاد وتمر بها المنطقة بدرجة يتمكن فيها من تجديد نسخه بصورة أكثر ضراوة، والسبب في ذلك كله، فئة من شعب البحرين – ذاتهم – مع شديد الأسف.

ليس المواطنون الجدد، أو المجنسون، هم وحدهم، كما يعتقد البعض، الذين يثيرون زوابع الصدام كلما عصفت بالبلاد عاصفة، بل هناك من أهل البلد أنفسهم، من سنة وشيعة، جبلوا على التلذذ بإبقاء فتيل الفتن والتصادم والتخوين والتسقيط، وهذه كلها، لا علاقة لها لا بالدين ولا بالعرف الاجتماعي ولا بما توارثه هذا المجتمع أبا عن جد من صفات قل نظيرها في الكثير من المجتمعات.

الوسائط الإعلامية المنتشرة بين الناس وأدوات الاتصال والتواصل التقني المتاحة للجميع، سهلت الطريق أمام تلك الفئة لترويج أفكارها الفاسدة، وأفسحت المنتديات الإلكترونية التي يلتقي فيها العشرات في جلسات الشيطنة المساحة لضرب كل قيمة أصيلة من قيم المجتمع، فأصبحت شعارات الوحدة المتماسكة والبيت الواحد والنسيج الوطني وكأنها كلمات حق يراد بها باطل.

وهناك فرق شاسع بين الإجماع الوطني على مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين والمتورطين في ابتلاع المال العام والأراضي والثروات والإضرار بالاقتصاد الوطني بالتبييض والتغسيل والسرقة والرشا وتقديمهم للمساءلة القانونية وللعدالة، وبين استغلال هذا التوجه للنيل من السلم الاجتماعي، فمن يتورط في تهمة فساد أو تبييض أموال أو تجاوزات تخالف القانون، كما هو الحال بالنسبة لقضية ملف وزير الدولة السابق منصور بن رجب، فإن كلمة الفصل هي للقضاء البحريني، وأي متهم، أيا كان موقعه وموضعه ونفوذه، له الحق في الدفاع عن نفسه وتفنيد الاتهامات بالحجج والبراهين والأدلة، أما إذا عجز عن ذلك وسقط في يد العدالة متورطا بالأدلة الثابتة، فلا عزاء للمفسدين، ولا اعتراض على كلمة العدالة.

والعجب كل العجب من صورة التردي الأخلاقي المخيفة بين شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين الذين لم يتورعوا عن الإساءة إلى عائلة المتهم، وتبادل المعلومات المغلوطة تارة، والرسائل النصية الاستهزائية تارة أخرى، علاوة على تنشيط مجموعات ومجموعات في مجالس وفي مواقع إلكترونية للمطالبة بحرمان طائفة من حقوقها لأنها (خائنة وحرامية وعميلة)، بل والدعوة لرفع السيوف والحراب والنبال وإسالة الدماء، وتنبري مجموعات أخرى، من طائفة أخرى، لتوجيه دعوات مماثلة لا تخلو من الدمار والدماء هي الأخرى، وكأن الدولة، حين تبدأ في محاسبة حقيقية للمفسدين، فإنها تريد تأليب الناس ضد بعضهم البعض فنصل إلى ما لا تحمد عقباه وبدرجة أشد مما ورد في تقرير التحقيق في أملاك الدولة وفي تداعيات قضية بن رجب وهذا غير صحيح.

المتورطون في الفساد يجب أن يقدموا إلى العدالة، أيا كان انتماؤهم المذهبي ودرجة نفوذهم، ومن يسرق مال الدولة وشعبها ليملأ جيوبه فلا مكان له إلا وراء القضبان، بعد أن تثبت عليه التهم حقا، أما تحويل قضايا الفساد وتحقيقاتها ومحاكماتها إلى بيئة لنمو فيروسات الطائفية والأحقاد والعداوات والإضرار بأمن المجتمع وسلمه واستقراره، فهذا خطر مدمر لن يمكن السيطرة عليه إن توسع وانفلت.