محمد الوشيحي

سمراء… من قوم عيسى

الله يمد بعمره ويشفيه، كبير السَّخرة، المصري الأصيل، محمود بن عثمان السعدني، الذي يسمي الحكومة "العكومة"، ويشرح الفرق: "الحكومة تحكم، والعكومة تعكم"، والعكم خنقٌ يتبعه لَكْم.
وعكومتنا مقتنعة بأداء معالي وزيرها الشيخ أحمد العبدالله في جلسة استجوابه، وأنا مثلها، وأشهد أن معاليه أقنعني بردوده، وأشهد أنه ذو الحجة، أو ذو حجة، وأنه النور الذي يضيء دروبنا، والقمر الذي يقهر ظلام غروبنا، وفارس حروبنا، وثلج مشروبنا…
وأشهد أنني أيقنت، بعدما غير النائبان سعدون حماد وعدنان المطوع موقفيهما، أن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس وحول الكنز. ويا لها من جلسة سال فيها دم النائب مسلم البراك، وسال فيها لعاب البعض.
ولو كنت مكان كتلة العمل الشعبي لتوقفت نهائياً عن الاستجوابات بعد اليوم، كي يتوقف اكتشاف حقول نفط جديدة في بيوت نواب الحكومة، وكي لا يساوم البعض الحكومة على تصويته، فترضخ له الحكومة وترضخ بنا الحكومة. وإن كنت أثق أن الوزير سيسقط من بلكونة الإعلام ويرتطم بالأرض، بشرط ألا تنفجر الأنهار والينابيع في صحراء البرلمان.
بل لو كنت مكان "الشعبي" لفتحت ذراعيّ على مصراعيهما للحكومة، ولأعلنت أنني المدافع الرئيسي عنها منذ اللحظة. وأجزم أن الحكومة حينذاك ستركل البقية بالشلوت، وستطاردهم في الشوارع والمزارع. بعد ذا، سأتعاقد أنا يا الشعبي مع الحكومة على بناء "استاد رياضي" أخبّص فيه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فيغضب الناس، فتطبطب الحكومة على كتفي: "ولا يهمك يا بعد عمري". وأشفط مناقصات الدولة، مناقصة في ذنب مناقصة، بالجشع المريح، وأحفظ أموالي في صرة، لا أتبرع منها إلا إلى منتخبات مصر وسورية، على اعتبار أن الكويت في جيبي.
ثم أجلس بمساعدة الحكومة ونوابها على كرسي رئاسة البرلمان وفوق أكباد الناس أستعرض خفة دمي. ولأنني لا أعرف اللائحة الداخلية، فسأدير الجلسات عبر سماعة تربطني بغرفة الكنترول. ولن أقدم مقترحا واحداً، ولا دراسة واحدة، فأنا لم أنجب الشعب، ولست أمه التي خلّفته. ولن أحتج على خطأ، فكلما زادت أخطاء الحكومة زادت فرص استثماراتي. وسأعبث بالاستجوابات كعبثي بمناقصات الدولة، وستهابني الحكومة وسيسميني الناس "حكيم"، وإس إس السلامو عليكو.
طيعوني يا التكتل الشعبي، من اليوم "خلوا القرعة ترعى" وتعالوا عندي، تعالوا نجلس تحت إضاءة خفيفة، نستمع لناظم الغزالي: "سمراء من قوم عيسى من أباح لها / قتل امرئٍ مسلمٍ قاسى بها ولها". وبعد انتهاء سمرتنا، سأطيل لحيتي لأتعاقد مع إحدى الفضائيات على تقديم برنامج أتحدث فيه "من السر ونازل" وأقلب الحلقة "انكح وانقز*": "ليبرالي يصرخ في طابور الشباب المنتظرين أمام باب بيته: بالدور يا شباب ما راح تطير البنت"، و"ليبرالي يدور على الشاليهات يوزع صور ابنته وأخته وأمه، مكتوب تحت الصور: للتنسيق يرجى الاتصال على رقم"… وتنتهي الحلقة فأقبض أموالاً لا يقبضها طبيب استشاري، وأمسح لحيتي وأضحك بعد أن مسحت على قفا البسطاء.
يا عمي، بَلا استجوابات بَلا وجع قلب.

* اقفز

حسن العيسى

نجومنا المخفيون

نجوم في السماء تتلألأ بنورها على الدنيا، إلا أنها في فضائنا خاب ضياؤها، فثقافة المنع والتزمُّت من المجتمع أحياناً وأغبرة اللامبالاة وعدم الاكتراث من السلطة في أحيان أخرى حجبت جمالها.
بمن أبدأ وبمن أنتهي؟ الشاب خالد أحمد الربعي قبل سنوات يحوز جائزة أفضل البحوث من جامعة أميركية عريقة على ما أذكر… وتُطوَى صفحته ويُنسى… المخرج سليمان البسام غاص بعقل ثاقب في التراث العربي الإسلامي، وقدم لنا مسرحية عبدالله بن المقفع بإسقاط ذكي على واقع القهر الاجتماعي والسياسي، وما يعانيه المثقف الحقيقي الملتزم اليوم في العالم العربي بفكر مبدع خلاق، ثم يعود من جديد إلى أبطال مسرحية «ريتشارد الثالث» لشكسبير، ويضع على رؤوسهم الطربوش والعقال الشرقيين مصوراً فساد ومؤامرات القصور الحاكمة اليوم، وتُعرَض المسرحية بخجل وتُسدل عليها ستائر الخوف والقلق في مكان بسيط بالدولة، وكأنه ارتكب جرماً بحق ديناصورات التسلط الفكري، وتُعرض المسرحية في دمشق ليكون الرئيس بشار الأسد وحرمه في مقدمة الجالسين على الكراسي الأمامية للعرض، كان تقديراً كبيراً من الرئيس بشار للعمل الجاد والملهم، وتتصدى جريدة «الإيكنومست» الإنكليزية العريقة لتكتب مادحة سليمان وفنه الرصين… مَن يدري عن سليمان البسام في وطنه… هل يذكره أحد؟ هل تم تقديره في وطن الثراء المالي الكويتي، الذي يفتقد دار عرض مسرحي لائقة به… داراً تناسب مجمعات «الفاست فود» وطريق الحرير…!!
الدكتور نايف المطوع الذي حاز في صغره جائزة «اليونسكو» لقصص الأطفال بقصة «تنط أو لا تنط هذا هو السؤال»، وبكتاباته وبحوثه الدقيقة في ما بعد ليصبح أول كويتي يضعه منتدى دافوس للاقتصاد العالمي كضيف دائم على نفقة المنتدى المرتفعة الثمن في كل مؤتمر سنوي يقام بسويسرا، ثم ليضحى نايف أول كاتب كويتي تتعاقد معه دار نشر «نيويورك تايمز» والهيرالد تربيون ليكتب فيهما… نايف الحاصل على جائزة مؤسسة شواب للمبادرة الاجتماعية لابتكاره الـ99، أول مجموعة من الأبطال الخارقين مستوحاة من الثقافة الإسلامية… أقتطع الآن فقرة عشوائية من انطباعاته في لقاء دافوس الأخير… «لقد أعدني التطور لهذا الإنجاز.
وبطول 7.1 أمتار، كانت عيني بمستوى شارة أسمائهم. لم أكن بحاجة إلى التظاهر بمعرفة أي منهم. جعلني الانتقاء الطبيعي أرى أسماءهم قبل أن يراني حاملها. إن تناسق عقلي وعيني في رؤية وتقييم مثل هذه الأسماء ليس له مثيل. عيني في مستوى جذعه العلوي، وجسمي واسع ليكون حاجزي الدفاعي للهروب، ولو أن حارسه الخاص يتبعه، فإنه يظل مهماً أو معتزاً بذاته، وفي كلتا الحالتين فإنه يستحق مشيي بجانبه بطريقة متخفية، لا حاجة لشد عضلات أرجلي ورقبتي المكشوفة لأطلع على سماته، فأنا خلقت هكذا…» مَن يعرف أو يذكر نايف في وطن «ترى احنا ما نتغير ويارب لا تغير علينا…».

احمد الصراف

الخليج الفارسي

تقول الطبيبة والشاعرة سيلفا شحيبر: اسمي كان الخليج الفارسي قبل الــ«بي.بي سي». ربما كنت بحرا أو محيطا قبل الـ«بي بي سي» فمن الذي بإمكانه معرفة الغيب قبل مليون عام؟ وما التسمية التي تريدون إطلاقها علي: الفارسي؟ العربي؟ أم العربي الفارسي؟
***
سبق أن صرح سفيرنا في طهران، مجدي الظفيري، «القبس» (2/19)، أن تسمية الخليج ليست بقضية خلافية، وان الاسم المسجل في الخرائط هو الفارسي ولا يمكن تغييره، وأن التغيير الحالي حدث في فترة سياسية في ظل الصراع القومي الذي شهدته المنطقة آنذاك وأن الظروف تغيرت الآن!
لم تمر تصريحات السفير دون أن تثير عاصفة هوجاء سرعان ما خبت، لعلم الكثيرين بأن ما ذكره ليس بعيدا كثيرا عن الحقيقة.
لقد سبق أن تطرقت لهذا الموضوع أكثر من مرة، ونالنا ما نالنا من اتهام وتشكيك في حقيقة انتماءاتنا، وبالرغم من أن الأمر لا يعني شيئا لنا من الناحية السياسية، فإن الحقيقة أولى بالاتباع، ولا نعتقد بوجود عاقل لا يعرف أن تسمية «الفارسي» أكثر صحة ودقة وهي الغالبة عالميا، ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن إعطاء أنفسنا الحق في تغيير التسميات التاريخية وقت نشاء، ولأي سبب نراه، هو إقرار منا بحق الغير في القيام بالأمر ذاته. فلا نستطيع مثلا الإصرار على حقنا في تغيير تسمية الخليج، ونرفض في الوقت نفسه مطالب إيران بتبعية الجزر الإماراتية الثلاث لها، أو أن تقوم إيران بتغيير اسم بحر العرب إلى بحر فارس مثلا، فالحق أحق بأن يتبع، فلكي تكون مطالباتنا وقضايانا المصيرية، سواء كانت جزرا أم أقضية أو دولا، عادلة فيجب أن تكون تصرفاتنا عادلة ومتسقة معها.
من جهة أخرى نجد أن قلة من دولنا ليس لديها مشاكل حدود أو تسميات جغرافية بعضها مع بعض، ونرفض مجرد مناقشة هذه المشاكل في أي من اجتماعاتنا الثنائية أو مؤتمرات القمة، فهناك خلافات حدود بين مصر وليبيا ومصر والسودان والمغرب والجزائر والجزائر وتونس ولبنان وسوريا وغيرها بين دول مجلس التعاون وبينها وبين اليمن ووووووو!! فلماذا لا ننهي مشاكلنا الداخلية أولا قبل أن نفتح لأنفسنا جبهات صراع مع الغير دون تحضير أو حتى تنسيق فيما يجب أن يقال دع عنك ما يجب القيام به. إن بيوتنا جميعا مصنوعة من زجاج، ومع هذا لا نتردد، لا بل نصر، على رمي غيرنا وبعضنا بعضا بالطوب والحجر!

***
• ملاحظة: تسمية «الخليج الفارسي» لا تعني بالضرورة، ولا حتى بالخيال، أنه خليج «فارسي»! فحقنا فيه مثل حق غيرنا ولا يقل عنه بتاتا، ومن المضحك التمسك بتسمية سياسية غير ذات معنى، لمجرد أن البعض «اشتهى» ذلك من منطلقات دفينة. وبالقياس نفسه فإن تسمية جزء من المحيط الهندي ببحر العرب لم تعطنا شيئا، ولم تأخذ منا شيئا وليس من حق أحد تغيير التسمية، حتى ولو أملت عليه رغباته الدنيئة ذلك!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الوصول إلى المتورطين في «الفساد»

 

لم تسمع بلادنا أصواتا مدوية، وقبضات حديدية متأهبة، وتهديدا ووعيدا ضد المتورطين في «الفساد»، طوال عقود من الزمن، مثلما شهدته خلال السنوات العشر الماضية، لكن، مع شديد الأسف، فإن الأصوات المدوية مستمرة في الارتفاع، والقبضات متأهبة والتهديد والوعيد قائم، لكن «الفساد» لايزال حرا طليقا هنا وهناك.

يا ترى، أين يقع مكمن الخلل؟ هل في صدق نوايا مكافحي الفساد وقوتهم؟ أم في قوة الفساد وأهله؟ ولماذا لا (يخاف) المفسدون مما ينتظرهم؟ هل لأنهم يعلمون بأن لا أحد يستطيع كشفهم ومحاسبتهم؟ أم لأنهم أبرياء مساكين مظلومون؟ أم لأنهم يعلمون بأنهم مفسدون ويعلمون في الوقت ذاته أنهم، مع ذلك، مكرمون محميون؟

لا طريق للوصول إلى المتورطين في الفساد غير طريق الرقابة وتنفيذ القانون، ولهذا، أرى أن وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة كان واضحا في جلسة مجلس النواب يوم أمس الأول الثلثاء حينما قال: «لا يوجد أحد يحمي الفساد وإن أي نائب لديه دليل على فساد فلنذهب معا إلى التحقيقات ونقدم الأدلة ضده ونستطيع أن نذهب معكم إلى النيابة العامة»، مستدركا في جزئية مهمة وهي أن (يكون لدينا من الدليل ما يكفي وعندما نتأكد، سنذهب قبلكم) في خطاب إلى النواب.

المهم، أن رئيس ديوان الرقابة المالية حسن الجلاهمة طمأن النواب بأن الديوان – إذا اتضح أن هناك أدلة جنائية – فسيأخذها إلى النيابة، إذ تم تحويل أكثر من موضوع إلى النيابة العامة، ولهذا، فإن المرتقب هو أن يعرف الناس أن هناك مسئولين أو موظفين أو جهات تورطت في قضايا (فساد)، وأن هناك أحكاما عقابية لن يفلتوا منها.

كلنا نعلم أن الفساد، سواء كان في مجتمعنا أو في أي مجتمع آخر، هو العدو الأول والأكبر والأشرس ضد التنمية، وضد حصول الناس على حقوقهم وتمتعهم بخيرات البلد، وكلنا نعلم أن بقاء ملفات حساسة لها تبعات عكسية مضرة ومقلقة، هو بسبب التهاون مع أي طرف متورط في فعل إفساد مخالف للقانون، ولهذا فإن بعض القضايا التي طرحها النواب وتناولتها الصحافة عن توقيف مسئولين تورطوا في الفساد، أثارت حالة من التفاؤل في أن الحرب ضد الفساد والمفسدين لن تكون هينة، لكن ذلك يستوجب إطلاع الناس على ما تم اتخاذه من عقوبات ضد المتورطين.

السؤال الذي طرحه ذات مرة رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب عبدالعزيز أبل بشأن ما إذا كانت الحملة ضد الفساد جادة أم طارئة لمعاقبة بعض الأفراد سؤال محوري، فإذا كانت جادة، فذلك يستدعي أن تكون لها ضوابط أهمها أن تكون متسمة بالشفافية وأن تصدر تقارير سنوية وضوابط تنظيمية، وأن تطال أي مسئول تثبت ضده تهم الفساد لإكساب هذا التوجه صدقيته.

أما أن تسرح الزمر الفاسدة وتمرح، فيا ليل… ما أطولك.