محمد الوشيحي

هنجمة وسمسمة

الهوى يماني. وإلى اليمن واليمنيين يجذبني جاذب. ما هو؟ لا أدري، لعلّه عرْق أجدادي الأولين، أيام بلقيس وسبأ، قبل الهدهد بأسابيع عدداً. الأكيد أنني أعشق لهجتهم اللصيقة بالفصحى، الجدار على الجدار، وينعشني صدقهم وأمانتهم وبساطتهم، وأهيم بأشعارهم وتراثهم الفني الفاحش الثراء. وأجزم وأقسم «وحق الله» أن تراث اليمن الغنائي يعادل تراث الخليج العربي كله، من عقاله إلى حذائه.

ويا سلام على جلسات السمر مع الطلبة اليمنيين، عسكريين ومدنيين، أيام الدراسة الجامعية في القاهرة، والله الله على رقصة «البَرَع» التي درّبوني عليها فأدّيتها معهم على صوت مغنٍّ مراهق نحيل، يتلاعب بعودٍ متهالك عليل، ويرتدي فوق دشداشته الرخيصة جاكيتاً أسود، يضع في جيبه الأعلى – من باب التزيّن بما يليق بالسهرة – قلمين بائسين أحدهما أحمر والثاني أزرق، ويسرح شعره على أحد الجانبين بكثافة لافتة. وهات أشوف «يا أحبة ربى صنعاء، عجب كيف حالكم، وهل عندكم ما حلّ بالعاشق المضنى، وهل تذكرونا مثلما ذِكْرنا لكم، وهل تسألوا مَن جاء إلى أرضكم عنا، لِأنّا وحق الله من شوقنا لكم، نسائل نجوم الليل عنكم إذا جنّا»، يليها جلوس وهدوء واستماع بعيون مغلقة وأفكار طائرة لمراهقين يمنيين مغتربين يهزون رؤوسهم على أحزان العزف المتباطئ ويرددون جميعاً خلف المغني: «وامغرّد بوادي الدور من فوق الأغصان، وامهيّج صبابتي بترجيع الألحان، ما بدا لك تهيّج شجو قلبي والأشجان؟ لا أنت عاشق ولا مثلي مفارق للأوطان»، وهات لنا «خطر غصن القنا»، وهات «لا النوم يشتيني(1) ولا أشتي النوم»، وهات «قد كنت شاصلّي(2) ولا أدركته إلا حين نكع»، وهات وهات وهات… الله على اليمن وعلى شعب فنان بالسليقة.

استمعوا إلى الفن اليمني كي تغسل قلوبكم من الفشل والتراجع والخيبة في كل شيء تقع عليه أعينكم في الكويت، باستثناء فراشة هنا، وعصفورة هناك. استمعوا إلى «لِمَه لِمَه يا منى قلبي لِمَه (3)، تردّ بابك على عابر سبيل، ذا كِبْر منكم وإلا هنجمة، والّا معاكم على هذا دليل؟، ولّا قده طبعكم ذا سَمْسَمة، تعذبوا عاشقاً صبّاً نحيل»، واستمعوا إلى الفنان الرائع علي بن محمد الذي لا أعرف جنسيته، ولا أدري هل هو إماراتي أم سعودي أم يمني، لا يهم، المهم أن «ارتجافة» صوته التلقائية تطرب وتشنّف، خصوصاً في أغنية «مسكين أبو الحضارم».

استمعوا وتهنجموا وتسمسموا وترنموا فـ»كثر السياسة يقل المعرفة».

* * *

أحر التعازي للزميل سعد العجمي لوفاة والدته، تغمدها الله بواسع رحمته وألهم ذويها الصبر والسلوان.

(1) يشتيني: يريدني، وأظنها اختصار «يشتهيني».

(2) شاصلّي: سأصلّي.

(3) لِمَه: لِمَ، أداة استفهام. 

احمد الصراف

الدين المعاملة.. أي معاملة؟

منذ كنا صغارا ونحن نسمع مقولة «الدين المعاملة»! وحيث ان النص لم يحدد معاملة من لمن، وحيث اننا أجلف ما نكون في تعاملنا مع الغير، فمن الطبيعي الافتراض ان المقصود هو تعاملنا بعضنا مع بعض.. كمسلمين! وحيث اننا لسنا بأقل جلافة هنا ايضا فمن حقنا القول اننا، في غالبيتنا، أبعد ما نكون عن مضمون المقولة!
وفي مقال للزميل احمد الاسواني تساءل فيه بحرقة كيف يمكن أن يثور ويشتم ويقيم الدنيا مسلمون على من أساء للإسلام ورموزه برسم تافه أو فيلم متواضع لأن مشاعرهم الدينية «الحساسة» جرحت، ومع هذا لم تهتز تلك المشاعر نفسها قط لمناظر ذبح وقتل الآخرين وتفجير الانتحاريين لأنفسهم في النساء والأطفال من عاصمة غربية لأخرى، ومن مدينة شيعية لجارة سنية شاملين الرياض بمدريد بلندن بالكويت وبمدن العراق وأفغانستان وباكستان باسم الإسلام، مسيئين لوضع ومستقبل وحياة ملايين المسلمين الذين طالهم أذى هؤلاء. وكيف يمكن أن نفهم خروج المظاهرة للإشادة بفروسية أسامة بن لادن وشجاعة الظواهري ودهاء الملا عمر، الذين خططوا لغزوتي واشنطن ونيويورك، وننسى أوضاعنا التعليمية والصحية والصناعية القريبة من المأساة، أو اشد احيانا، و«عشرات آلاف مساجين الحرية في الكثير من سجوننا الأكثر شهرة من جامعاتنا»؟
ويستطرد الأسواني، مدرس الفيزياء في أسوان، في القول ان من يسيء للرسول هو رجل مثل القرضاوي الذي يحرض على قتل الأطفال اليهود في أرحام أمهاتهم (محاضرة بنقابة الصحافيين المصرية سنة 1996)، ويحرض على العمليات الانتحارية باسم الدين، ويعلن الجهاد في العراق؟ من يسيء الى الرسول هم من ينادون العالم لإصدار قرار بمنع ازدراء الأديان وهم يمارسونه مع كل صلاة في مساجدهم وفي مدارسهم وفي فضائياتهم، وخاصة مع المسيحيين واليهود ويدعون عليهم في كل صلاة. (…)
من يسيء الى الإسلام هو من يعتقد ان المرأة عورة، وانها تقطع الصلاة مثلها مثل الكلب والحمار كما جاء في أحد الصحاح، وان المرأة ناقصة عقل ودين، وينساها أما وأختا وحبيبة وابنة وزوجة. ومن المؤسف ان غالبية المسلمات يؤمن بصحة هذه الأحاديث.
من يسيء الى الرسول هم من ينشرون الخرافات بين المسلمين مثل الطب النبوي وتفسير الأحلام ويدعون أتباعهم لسنة النبي الكريم لينشروا الجهل والتخلف.
من يسيء الى الإسلام هم أولئك الحكام الذين حولوا دولهم الى معاقل الطغيان والدكتاتورية، وقاموا بتطويع النصوص الدينية لتبرر جرائمهم. من يسيء الى الرسول ليس الغرب بل نحن، لفرضنا النموذج الإرهابي المنافق الكاره للحياة، الذي يتغذى من قتل الآخرين باسم الجهاد ومحاربة الرأي الحر بحجة ثوابت الأمة، وهي لا تعني إلا التخلف والتحجر.
•••
• ملاحظة: على الرغم من الضعف البدني الذي يشعر به من هو في حالته، والذي يمنعه من التواصل المستمر مع محبيه وقرائه، فإن الصديق الاستاذ أحمد البغدادي يتمتع بمعنويات عالية، وصحته في تحسن مستمر، وخسر إيجابيا الكثير من وزنه الزائد، وأصبح بإمكانه الخروج من المستشفى قليلا والتريض خارجها، وسيعود لنا جميعا قريبا معافى.
نذكر ذلك ردا على كمّ الاستفسارات التي تردني كل يوم لتسأل عن أحواله.

أحمد الصراف