سامي النصف

الخليج الفارسي العربي أو العكس

عندما تكونت الأرض والأنهار والبحار لم ينزل معها مسميات ثابتة لها لذا تعددت وتغيرت أسماؤها بتغير العهود والأزمان (بحر الظلمات، بحر القلزم، بحر الخزر، خليج الشرق) وكانت التسمية ترتبط عادة بقوة وشهرة الممالك والامبراطوريات المطلة عليه فسمي خليجنا بالخليج الفارسي والخليج العربي (قرون قبل عبدالناصر) وخليج البصرة ابان الدولة العثمانية.. الخ.

 

إننا كدول وشعوب خليجية أقرب الناس لإيران، وأكثرها صدقا في النصح، وأحرصها على أن تبقى العلاقات الأخوية الحميمة قائمة بين ضفتي الخليج حتى يربح الطرفان ويبتعدا عن حالات التأزيم التي تؤدي في النهاية إلى إشكالات أمنية وحروب وكوارث تضر بالطرفين كما حدث إبان عراق صدام حسين. إن الود والمحبة بين ساحلي الخليج هو طريق ذو اتجاهين ويحتاج إلى كم هائل من حسن النوايا لإغلاق الملفات العالقة حتى لا تتحول إلى ألغام موقوتة تنفجر تباعا وتؤذي شعوبنا الخليجية والإيرانية التي أخذت نصيبها وزيادة من الحروب والدمار الذي تخلفه.

 

إن مسمى الخليج الفارسي أو العربي المختلف عليه يمكن أن يتحول برضا الطرفين إلى مسمى «الخليج الفارسي العربي» أو «الخليج العربي الفارسي» ويمكن أن يكون ذلك قدوة حسنة للقضايا المشابهة في العالم كإشكالية مسمى خليج اليابان الذي تعترض عليه كوريا والذي يمكن أن يتحول إلى «الخليج الياباني الكوري» والحال كذلك مع البحر الفاصل بين بريطانيا وفرنسا الذي يمكن أن يسمى «البحر البريطاني الفرنسي» وتنتهي تلك الإشكاليات إلى الأبد.

 

إن حل خلاف المسميات يمكن أن يمتد إلى أجزاء أو ألغام أخرى حيث مازالت إيران تسمي شط العرب بـ «ازفند رود» وترفض تسمية مناطقها العربية بمسمياتها التاريخية كعربستان والمحمرة والاحواز بل ترفض تسمية من يولد هناك بالأسماء العربية في وقت ترتضي فيه الأمر لـ «بلوشستان» و«كردستان» ضمن جغرافية الدولة الإيرانية.

 

وقد كتب قبل أيام خبير المياه الدولي ومندوب العراق لدى منظمة الغذاء التابعة للأمم المتحدة مقالا أسماه «البصرة سنوات العطش» تطرق فيه لما يحدث في محافظة البصرة من موت جماعي لـ «المزارع والنخيل والحيوانات وحقول تربية الأسماك ونزوح آلاف العوائل» – حسب قوله، بسبب إنشاء السدود على الجانب الإيراني وتحويل نهر كارون عن مصبه المعتاد في الشط، واضاف أن نسبة الملوحة في الشط قد ارتفعت لدرجة انه لم يعد صالحا للشرب أو الرعي أو الزراعة وان الجنوب يعيش على أنبوب المياه الممتد من نهر دجلة في بغداد، واقترح العمل على إرجاع الجنوب إلى ما كان عليه كواد خصيب ومركز لأقدم زراعة في العالم مما جعل المستشرقين الأوائل يطلقون عليه «فينيسيا الشرق» لوفرة الأنهر والجداول والبحيرات العذبة فيه، ملقيا باللائمة كذلك على الطاغية صدام لتجفيفه الأهوار، ملف أو لغم آخر يحتاج لمعالجة.

 

آخر محطة: (1) هناك رغبة خليجية عارمة في ألا تتعرض الجارة إيران للاعتداء أو الخليج الفارسي العربي لحرب جديدة.

(2) مضيق هرمز ممر دولي لا تملكه أي دولة وهو بمثابة العنق أو الحنجرة للشعوب العربية والإيرانية المطلة على الخليج لذا لا يمكن القبول بمن يهدد بإغلاقه حال تعرضه لعمل عسكري حاله كحال من يهدد بقتل أو خنق أبنائه فيما لو تعدى أحد عليه، أو كمن يجدع أنفه لإغاظة جاره.

(3) تقوم الحروب أحيانا عندما يشعر طرفاها بأنهما سيخرجان منتصرين فيها كل حسب مفهومه ومصالحه، والخوف من قرب نضوج تلك المعادلة في المنطقة.

(4) ضمن مفهوم الانتصار «الخاص» بمنطقتنا، ستخرج إيران منتصرة في أي مواجهة لها مع القوى الحليفة أو إسرائيل.

احمد الصراف

إلى أساتذتي

إليكم يا أساتذتي، الأحياء منكم والأموات، وبالذات إلى أستاذ طفولتي أيوب حسين الذي سمعت، وأنا خارج الكويت، أنه يرقد في أحد المستشفيات، إليكم جميعا أهدي هذا المقال المقتبس من قراءاتي:
نظر المدير العام إلى من حوله في حفل العشاء وقال إن ما نعانيه في مجتمعاتنا هو انحدار مستوى التدريس، فما الذي نتوقعه من الطفل إن كان من يعلمه شخصا لم يجد في الحياة وظيفة أفضل من أن يكون مدرسا؟ ولكي يؤكد وجهة نظره للحضور، التفت الى مدرّسة كانت تشاركهم العشاء، عرفت بصراحتها، وسألها عما تحققه من عملها.. فنظرت المدرسة إليه وقالت: «هل تود حقا معرفة ما أكسبه أو أحققه؟ وبعد لحظة صمت قصيرة، أضافت: إنني أجعل الأطفال يقومون ببذل جهد لم يكونوا يعتقدون أن بإمكانهم القيام به. إنني أجعل الأطفال يجلسون أربعين دقيقة لينصتوا إلي، في الوقت الذي يفشل فيه أهاليهم في جعلهم يجلسون لخمس دقائق من دون استخدام الهاتف النقال أو الانشغال بألعاب الفيديو أو مشاهدة الأفلام المستأجرة. هل تود حقا معرفة ما أحققه؟ إنني أجعل طفلك يتساءل، ينبهر ، يعتذر عندما يخطئ، وهو يعني ذلك، وأن يحترم الآخر، وأن يكون مسؤولا عن تصرفاته. كما أعلمهم الكتابة وأدفعهم لها وأعلمهم القراءة والقراءة والقراءة، فلوحة مفاتيح الكمبيوتر ليست كل شيء. كما أدفعهم لأن يظهروا مهاراتهم ويستخدموا عقولهم في التوصل الى الحلول، وليس الاعتماد على آلة حاسبة. إن ما أحققه هو أن أجعل هؤلاء يشعرون بالأمان في الفصل، وأعلمهم كيف أن بإمكانهم، لو استخدموا ملكاتهم الكبيرة، النجاح في الحياة. وعندما يحاول الآخرون الحكم علينا من خلال ما نحققه، نحن المدرسين، من دخل أو اجر، مع إيماني بأن المادة ليست كل شيء، أرفع رأسي عاليا ولا ألتفت الى ما يقولون لأنهم مجموعة من الجهلة.. والآن، هل حقا تريد أن تعرف ما أحققه: إنني أحقق التغير أو التميز، فما الذي تحدثه أو تحققه أنت أيها المدير العام؟».

أحمد الصراف