«.. إن من الغطرسة أن نزعم وجود اقتصاد إسلامي أمام هذا الكم الهائل من المؤلفات والأبحاث في الاقتصاد الوضعي والذي ساهم (ويساهم) في تطويره أفراد من ديانات وجنسيات مختلفة، ومن الظلم أن نضيع جهود المسلمين بأن نوحي لشبابنا بوجود مثل هذا المجال..»
(حامد الحمود، القبس 2010/2/8)
•••
إن قصة استغلال الدين الإسلامي وإقحامه في الاقتصاد، أو العكس، رغبة في تحقيق ثراء سهل، قصة محزنة ومؤلمة في الوقت نفسه، كما هي الحال في العديد من الأنشطة الأخرى التي ربطت بالدين ربطا. واستغلال الدين يكون أشد نفعا كلما كانت المجتمعات التي تعمل فيها هذه الأنظمة أكثر تخلفا، وليس غريبا أن فكرة الاقتصاد الإسلامي، وتطبيقاته في المصارف والشركات الاستثمارية، لم تر النور أبدا إلا مع بدء انهمار الثروات النفطية على الدول الخليجية ذات الأنظمة التعليمية والاقتصادية والمالية المتخلفة، مقارنة، ليس بدول الغرب فقط، بل حتى بأنظمة مثل مصر، ما قبل خمسينات القرن الماضي ولبنان، ودول غرب شمال أفريقيا.
لقد تطلب الأمر من البعض 40 عاما لكي يعرف حقيقة ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي، وقد يكون بعض مفكري إيران، عهد الشاه، ورجال دينها ومن يماثلهم مكانة في النجف من أوائل من كتب في هذا الموضوع قبل أكثر من نصف قرن بقليل، ولكن مع هذا لم تجد التجربة لها أي مجال للتطبيق الحقيقي إلا مع بروز ظاهرة البتروـ دولار التي وجد البعض أن الحصول على حصة منها يتطلب تقديم نماذج مالية جديدة.
ولو نظرنا الى الوضع المأساوي الذي وصلت اليه غالبية المؤسسات المالية الإسلامية لوجدنا أن الكثيرين خدعوا بالفكرة ودفعوا ثمنا غاليا لاعتقادهم هذا، فالتجربة بالرغم من عدم وقوفها على أرضية صلبة، تفتقر الى العمق. ولو استعرضنا ما كتب وألف في هذا الموضوع، من الناحية الإيجابية، لوجدناه بالكاد يذكر، مع غلبة التناقض والاختلاف فيه على الاتفاق. كما أن من عمل في مثل هذه المؤسسات اعتمد على أمرين: تجارب المؤسسات السابقة عليها، والتجربة الشخصية، وكانت نتيجة ذلك كارثية بصريح العبارة. ففي عام 2009 مثلا تكبد مؤشر غلوبل الإسلامي خسائر أكثر من %14 مقارنة بمعدل خسارة يقل عن %10 لمؤشر غلوبل العام (أوان 2010/1/7). وفي تقرير نشر في «الشرق الأوسط» في 5 يناير 2010، أكد علي القرة داغي أستاذ الشريعة الإسلامية، ورئيس الكثير من الهيئات الشرعية في دول الخليج، أن الكثير من البنوك الإسلامية لا تلتزم بقرارات المجاميع الفقهية فيما يتعلق بتحريم بعض المنتجات كالتورق والمرابحة في السلع الدولية. وأكد في حديثه للمجلة أنه تأكد شخصيا من وجود بضائع واقفة في مكانها منذ سنوات وتجري عليها البنوك والشركات الإسلامية عمليات البيع بأوراق صورية، وأن المستودعات الأوروبية، التي توجد لديها هذه البضائع لا تمارس البيع الحقيقي، ولكنها تتعامل مع البنوك الإسلامية.
من كل ذلك نرى أن المسألة برمتها لم تزد يوما عن محاولة استغلال الضعف البشري والوازع الديني لتحقيق أقصى الأرباح وأكثرها سهولة.
أحمد الصراف